فرنسا تطلق برنامجا مدرسيا لتسهيل التعاطي مع العلمانية

أخبار القارة الأوروبية – فرنسا

تطلق الحكومة الفرنسية ابتداء من العام الدراسي المقبل برنامجا يمتد على أربع سنوات ويهدف إلى إقامة دورات تدريبية يستفيد منها في مرحلة أولى مدرسو المعاهد الإعدادية والثانوية الفرنسية لتسهيل التعاطي مع مبادئ العلمانية التي يقوم عليها النظام الجمهوري الفرنسي.

وزير التربية الفرنسي جان ميشيل بلانكيه أوضح أن هذه المبادرة تندرج في إطار تفعيل سلسلة من توصيات وردت في تقرير كلف الوزير في شهر فبراير -شباط الماضي مفتشا عاما في الوزارة بإعداده حول الموضوع على خلفية مقتل مدرس التاريخ  والجغرافيا والتربية المدنية الفرنسي صامويل باتي في 16 أكتوبر-تشرين الأول عام 2020 في ضاحية ” كونفلان سانت أونورين” الباريسية على يد لاجئ شيشاني بعد إقدامه على عرض رسوم كاريكاتورية للنبي محمد على تلاميذه  في إطار درس على حرية التعبير.

تقارير ودراسات ميدانية أكدت، بحسب مونتي كارلو، منذ سنوات عديدة أن كثيرا من أساتذة المدارس الإعدادية والثانوية الفرنسية التابعة للقطاع العام أصبحوا يخافون على أنفسهم من عدد من التلاميذ أو من أوليائهم بسبب المضايقات والتهديدات التي يتعرضون إليها لحملهم على القبول بأطروحات متطرفة لديها علاقة بالدين و لاسيما بالديانة الإسلامية ويتم الترويج لها خارج المدرسة من قبل بعض الجمعيات أو المنظمات الإسلامية النشطة في البلاد أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الخارجية.

ويقول جان بيار أوبين مفتش التعليم الذي أوكل إليه الوزير مهمة طرح مقترحات عملية بشأن طريقة تعامل المؤسسات التربوية مع مبادئ العلمانية التي يقوم عليها النظام الجمهوري الفرنسي إن اللقاءات الكثيرة التي أجراها مع المدرسين في المعاهد الإعدادية والثانوية ومع المشرفين عليها تؤكد استمرار هذا الخوف بعد مقتل صامويل باتي بشكل بشع من خلال قطع عنقه.

أوبين أضاف أن ما أظهرته هذه اللقاءات أيضا هو تنامي شعور بالذنب لدى المدرسين الذين يتغلب عندهم هاجس الحفاظ على حياتهم من التهديدات التي يتلقونها على واجب القيام بمهامهم التربوية وفق المناهج المعتمدة في المدارس الفرنسية والتي يتم الحرص فيها على تدريب التلاميذ على مقارعة الحجة بالحجة خلال النقاش بشأن مواضيع المواد التي يحتاج فيها التلميذ إلى مثل هذه النقاش لإثراء معارفه وتهيئته بشكل متدرج للتمعن في المعلومات التي تُعرض عليه وعدم التعامل معها كما لو كانت مُسَلمَات.

وسيكون المدرسون والمشرفون على المؤسسات التربوية في المرحلتين الإعدادية والثانوية في مقدمة المستفيدين من الدورات التدريبية التي ستشرع وزارة التربية الفرنسية في تأمينها انطلاقا من العام الدراسي المقبل. وستشمل لاحقا كل العاملين في هذه المؤسسات.

ومن أهم المطالب التي ألح عليها المدرسون خلال الأحاديث التي أجراها معهم مفتش التعليم جان بيار أوبين تلك التي تدعو لوضع مفاهيم دقيقة وبسيطة ومتناسقة بشأن مبادئ العلمانية حتى يتم التعاطي معها وشرحها للتلاميذ بعيدا عن إمكانية تأويلها وتمطيطها وقراءتها على نحو يسمح للمتطرفين أو المشككين بالقيم الجمهورية باختراقها واستخدامها لخدمة مصالحهم.

مؤسسة ” مرصد العلمانية ” كانت قد أنشئت عام 2013 لتقديم النصح والإرشاد للدولة الفرنسية بشـأن تدعيم تفعيل مبادئ العلمانية الفرنسية التي تشدد على ضرورة فصل  الدين عن الدولة واحتكام المواطنين الفرنسيين والمقيمين في البلاد من غير الفرنسيين- في علاقاتهم بين بعضهم البعض ومع مؤسسات الدولة الإدارية- إلى القوانين الوضعية المعمول بها في البلاد لا إلى المرجعيات الدينية أو مرجعيات أخرى.

ولكن مآخذ كثيرة أخذت على أدائها منذ إنشائها بينها مثلا أنها ظلت غير قادرة على التخلص من القراءات المطاطة لمفهوم العلمانية والاستثناءات التي تُمنح هذه الطرف أو ذاك باسم مبادئ التسامح والتعددية والانفتاح على الآخر. وقد تحولت هذه الاستثناءات إلى سلاح ذي حدين فانقلبت على الجمهورية الفرنسية وعلى المبادئ التي يقوم عليها النظام الجمهوري. وقد استُغلت هذه الثغرة على المستوى المحلي مثلا لفرض ساعات محددة للرجال وأخرى للنساء في المسابح العامة التي تديرها البلديات. كما استُغلت مثلا داخل بعض مؤسسات النقل العام في فرنسا لانتداب موظفين اتضح لاحقا أنهم يستغلون فضاءات العمل للقيام بأنشطة أو انتهاج سلوكيات لديها علاقة بالشعائر الدينية وتمنع القوانين الفرنسية منعا باتا القيام بها أو انتهاجها داخل فضاءات العمل.

Exit mobile version