شبح كورونا وتداعيات “بريكست” يهددان الاقتصاد البريطاني

أخبار القارة الأوروبية – بريطانيا

عانى الاقتصاد البريطاني من أزمة حادة في الآونة الأخيرة أثرت على مستوى المعيشة وقدرة الشركات على العمل حتى طالت أبسط المحلات ومنافذ البيع.

نتائج مسح أجري حديثا أظهر أن التعافي الاقتصادي في بريطانيا بعد تخفيف موجة الإغلاقات المرتبطة بفيروس كورونا تباطأ بشكل حاد في آب (أغسطس)، مع مواجهة الشركات صعوبات بسبب نقص لم يسبق له مثيل في العاملين والمواد الأولية، لكن وتيرة النمو ظلت مرتفعة قليلا عن مستويات ما قبل الجائحة، لكن “آي إتش إس” قالت “إنه توجد علامات واضحة على أن التعافي يفقد قوته الدافعة بعد أداء قوي في الربع الثاني”.

الاقتصاد البريطاني الذي يعد سادس أكبر اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي “إحصاءات 2019” مني بلكمة قوية بسبب التداعيات الناجمة عن خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت”، ولم يكد يستفيق حتى عاجلته تداعيات وباء كورونا بلكمة أخرى أفقدته توازنه.

الأزمة طالت المطاعم والسوبرمركات والمصانع ما دفع أصحاب العمل لحث الحكومة على التحرك خاصة مع اقتراب فترة الأعياد.

وتعاني بريطانيا من أزمة الإمداد وهي أزمة مستمرة منذ أشهر وأثرت على الشركات البريطانية وأصبحت تهدد بالتأثير في الانتعاش الاقتصادي.

في السياق اضطرت مصانع السيارات لتوقيف عمليات الإنتاج بسبب نقص المكونات الإلكترونية، ما أدى إلى انخفاض مبيعات السيارات في تموز (يوليو) بنسبة 30 % تقريبا فيما انخفض الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ الخمسينات.

الأزمة طالت كذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصا في مجال البناء، كما تفتقر بعض تلك الشركات للمواد إضافة إلى نقص العمال.

 اتحاد الصناعة البريطاني “سي بي آي” أفاد  بأن مخزونات الموزعين بلغت مستويات منخفضة قياسية منذ نحو 40 عاما. أما شركة مكدونالدز الأمركية فأعلنت أنها لم تعد قادرة على تقديم مشروب “الميلكشايك” أو المشروبات المعبأة في زجاجات في بريطانيا في الوقت الراهن، كما حذرت شركة كنتاكي فرايد تشيكن “كيه إف سي” المنافسة، من أن هناك نقصا في قائمتها، فيما اضطرت سلسلة مطاعم “ناندوز” الأسبوع الماضي إلى إغلاق نحو 50 مطعما بسبب النقص في إمدادات الدجاج، وتؤثر المشكلة أيضا في مطاعم نوفيكوف الراقية التي تفتقر إلى لحوم البقر الياباني واجيو.

تداعيات بريكست

وتفاقمت الأزمة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير) الماضي ما صعب دخول عمال من الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة.

ويشكل هؤلاء الجزء الأكبر من القوى العاملة في شركات الخدمات اللوجستية، إذ يتجنب البريطانيون هذه المهن التي تتسم بساعات عمل طويلة مقابل أجور غير مغرية، فيما تسبب وباء كوفيد – 19 الذي أثر لأشهر في نشاط مجالات التوزيع والخدمات اللوجستية والنقل والمطاعم، من بين أمور أخرى، في زيادة هجرة العمال الأجانب، فيما سعى موظفون أجبروا على البطالة القسرية أو فصلوا من العمل، للحصول على عمل في أماكن أخرى.

هذه الاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا لوحظت في كل أنحاء أوروبا، لكن في المملكة المتحدة ازداد الوضع سوءا بسبب تأثير “بريكست”، لأن عديدا من العمال القادمين من الاتحاد الأوروبي لم يعودوا إلى بريطانيا، وقد لا يرغبون في العودة، وذلك بحسب ما أفاد جوناثان بورتيس الأستاذ في “كينجز كوليدج” بلندن.

 كما قد يؤثر نظام الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في أساليب التوظيف للشركات.

الاتحاد البريطاني للتوزيع “بي آر سي” حذر من أن الوضع قد يزداد سوءا بدءا من تشرين الأول (أكتوبر) عندما تدخل حيز التنفيذ قواعد جديدة على استيراد المنتجات الحيوانية من المملكة المتحدة.

وفي هذا السياق قال جوناثان أوينز، خبير اللوجستيات في جامعة سالفورد إن إمدادات عيد الميلاد في طريقها إلى المملكة المتحدة، وعديد من الشركات يكافح لحجز أماكن على السفن، خصوصا تلك الآتية من الصين التي ما زالت المصدر الرئيس للبضائع المصنعة.

سلسلة “تيسكو” لمتاجر السوبرماركت وعملاق التجارة الإلكترونية “أمازون” قدمتا وعودا بمكافآت توظيف في المملكة المتحدة، من أجل جذب سائقين أو أصحاب متاجر يحتاجون إليهم لخدمة زبائنهم. وتدرس صناعات اللحوم إقامة شراكات مع سجون، لجعل بعض السجناء يعملون بهدف إعادة دمجهم.

ممثلو القطاع وأرباب العمل يضغطون بشكل متزايد على الحكومة لتعديل قواعد الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحيث يمكن لسائقي الشاحنات الأجانب، خصوصا الآتين من دول أوروبا الشرقية، السفر بسهولة إلى المملكة المتحدة.

بعض أرباب العمل يطالبون بأن يكونوا قادرين على الاستفادة من تسهيلات الهجرة الممنوحة للعمال المؤهلين، وهنا يقول  ريتشارد ووكر رئيس مجموعة “أيسلند” إن سائقي الشاحنات يجب استبدالهم بسائقين بريطانيين، لكن الأمر سيستغرق وقتا” لتدريبهم و”قبل ذلك، هناك كثير من المنتجات التي يجب شحنها.

ما يشهده الاقتصاد البريطاني يشير إلى اختبار حقيقي يبين مدى صحة قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد أن وضعته تجربة كورونا في امتحان صعب كشف حاجته للتعاون مع الدول الأوروبية المجاورة، وقد تكون للهزة التي يتعرض لها في الوقت الحالي تبعاتها الارتدادية على السياسة الداخلية والخارجية وأوضاع البلاد الاجتماعية.

Exit mobile version