أخبار القارة الأوروبية – عواصم
يبدو أن القارة الأوروبية في طريقها نحو أزمة كهرباء قد تتفاقم خلال الشتاء المقبل مع ارتفاع فواتير الكهرباء بنسبة كبيرة.
فأسعار الكهرباء وصلت في إسبانيا إلى أعلى مستوياتها خلال سبتمبر/ أيلو الجاري بحسب مؤشر بيانات جزيرة إيبيريا لسوق الكهرباء، “أو أم أي” المختص بنشر أسعار الكهرباء يومياً، والذي أوضح أن المواطن الإسباني بات في الشهر الحالي يدفع قيمة تزيد بنسبة 40% كفاتورة للكهرباء مقارنة بما كان يدفعه في نفس الشهر من العام الماضي.
وشهدت المدن الإسبانية انطلاق مظاهرات عدة خلال الصيف الجاري ضد شركات إنتاج الكهرباء، فيما دعا الحزب الشيوعي الإسباني في الخامس من الشهر الجاري إلى احتجاجات بجميع مدن إسبانيا، ويتوقع أن تزداد المعاناة من الكهرباء في دول أوروبا خلال الشهور المقبلة مع دخول فصل الشتاء.
الغضب من فواتير الكهرباء قد يؤدي لخلق أزمات سياسية، وهو ما أشارت إليها المتحدثة باسم “اتحاد فقر الطاقة في إسبانيا”، ماريو كامبوزانو، حيث لفتت إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء يثير الكثير من الغضب والسخط لدى المواطن الإسباني.
وتمثل كامبوزانو مجموعة ضغط مدنية تساعد محدودي الدخل في إسبانيا على تسديد فواتير الكهرباء. وأضافت أن هذا “الغضب سيحرك الشارع بقوة ضد الحكومة”.
عوامل عدة تساهم في أزمة الكهرباء
وفي بريطانيا بلغ سعر الكهرباء في سوق العقود الآجلة تسليم العام المقبل 90 يورو للميغاوات/ساعة، وهو ضعف سعر الميغاوات/ ساعة في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بسبب التوليد الضعيف من طاقة الرياح خلال العام الجاري، وارتفاع سعر الغاز الطبيعي.
كما منحت هيئة إجراءات الكهرباء البريطانية، وهي هيئة حكومية، الضوء الأخضر لشركات الكهرباء لزيادة الأسعار بنسبة 12%..
وهناك عوامل عدة تساهم في أزمة الكهرباء التي تلوح في أفق القارة العجوز، أبرزها أن الشركات المزودة للكهرباء لم تتخل عن مصادر التوليد التقليدية من الفحم الحجري لسد النقص في الكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة.
وتتخوف شركات الكهرباء من الغرامات الحكومية التي يفرضها قانون الطاقة الخضراء في حال استخدامها المصادر التقليدية، كما تواجه الشركات نقصاً في الوقود الأزرق الذي كانت تعتمد عليه في التوليد.
القارة الأوروبية تعتمد في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي والفحم، ويتوقع ارتفاع أسعار الفحم الحجري بنسبة 70%، مع اعتماد ضريبة الكربون خلال العام الجاري، كما أن أسعار الغاز الطبيعي تضاعفت هي الأخرى.
أزمة توليد الكهرباء في أوروبا تعود إلى أسباب عدة أبرزها الشتاء القاسي الذي ضرب القارة خلال العام الماضي واستمر حتى الشهور الأولى من العام الجاري، وهو ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي من مصادر الإنتاج المحلية وزيادة الاستيراد وقاد إلى السحب من المخزونات الاحتياطية لدول الاتحاد.
وعادة ما يتم ملء خزانات احتياطات الغاز الطبيعي بدول الاتحاد في فترة الصيف التي يقل فيها استخدام الغاز في التدفئة والتوليد الكهربائي والاحتفاظ بها لموسم الشتاء.
لكن ما حدث خلال صيف العام الجاري أن دول جنوب شرقي آسيا رفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية جعلت الموردين يحبذون تصدير شحناتهم من الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الآسيوي بدلاً من السوق الأوروبي، وبالتالي لم تصل إلى أوروبا كميات كافية من شحنات الغاز المسال التي كانت في العادة تصلها من الولايات المتحدة ودول المنطقة العربية في موسم الصيف، خاصة مع تعاقد الشركات الصينية على كميات ضخمة من الغاز المسال مع شركة الطاقة القطرية.
كما ساهم تراجع صادرات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب التي تصل إلى أوروبا من روسيا، وسط تكهنات تفيد بأن ورسيا تضغط على أوروبا سياسياً عبر نفوذ الغاز الطبيعي وربما تكون لديها استراتيجيات لإضعاف الإجماع الأوروبي.
تراجع صادرات الكهرباء من دول الشمال
كذلك تراجعت صادرات الكهرباء من الدول الشمال الإسكندنافية إلى دول أوروبا بسبب الجفاف ما ساهم في تفاقم الأزمة بالقارة الأوروبية، وكانت تلك الكهرباء المولدة هيدروليكياً تسهم في خفض فاتورة الكهرباء في أوروبا، كما أنها في ذات الوقت رخيصة نسبياً مقارنة بأنواع التوليد الأخرى.
الدول الإسكندنافية وعلى رأسها النرويج والسويد كانت تنقل الكهرباء الفائضة منها عبر الكابلات إلى ألمانيا والدنمارك ومنها إلى هولندا في موسم الصيف، لكن هذه الدول واجهت خلال الصيف الجاري انخفاضاً في منسوب المياه في البحيرات والشلالات الطبيعية المستخدمة في التوليد الكهربائي بسبب الجفاف الذي ضرب شمال القارة الأوروبية.
هناك سبب آخر لأزم الكهرباء في أوروبا يكمن في ضعف حركة الرياح في منطقة شمال غربي أوروبا، وبالتالي لم تتمكن هذه الدول الكثيفة الصناعة من توليد سعات كافية من طاقة الكهرباء المولدة من الرياح مثلما كان عليه الحال من قبل، وهو ما رفع كمية السحب من الاحتياطات المخزونة من الغاز الطبيعي.
فالدول الكثيفة والصناعية لم تستطع حتى الآن توليد كميات كافية من الطاقة عبر الرياح مثلما كان يحدث من قبل ومع ضعف دور الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء بالقارة العجوز باتت أزمة الكهرباء متفاقمة إلى حد بعيد.
وأفادت شركة “وود ماكينزي” للغاز الطبيعي في تقرير لها خاص بالربع الأول من العام الجاري بأن احتياطات الغاز الطبيعي في الخزانات الأوروبية فتراجعت بسبب تدني درجة الحرارة الذي استمر حتى بداية شهر مايو/أيار الماضي، وهو ما أدى إلى زيادة السحب من المخزونات، وبالتالي انخفضت مخزونات الغاز الطبيعي بأوروبا بنسبة 25% من متوسط مستوياتها في خمس سنوات.
وقالت الشركة في تقريرها، إن سوق الغاز المسال تتجه نحو نقص كبير في المعروض مقارنة بالطلب المتنامي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأسهمت عمليات الصيانة في حقول الغاز بالنرويج، وارتفاع الطلب على توليد الكهرباء في أوروبا بعد عودة الاقتصادات للنمو خلال الصيف الجاري وتشديد قوانين البيئة كذلك في ارتفاع أسعار الكهرباء.
يأتي هذا وسط تساؤلات عن الاتجاه الذي ستلكه الدول الأوروبية لمواجهة الأزمة، والخيارات محدودة في هذا الشأن فقد تضطر هذه الدول لشراء الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر بأسعار تزيد عن الأسعار الأسيوية.
وقد تحاول حل الأزمة داخليا عبر تخفيف الدعم المالي عن المواطنين بما يقلل من تأثير الأزمة عليهم، لا سيما وأن الأسر الأوروبية عانت من جائحة كورونا التي أثرت على مستوى دخول المواطنين ، وتسببت في تجميد الرواتب، وساهمت في ارتفاع نسبة البطالة، لتضاف على الأسر الأوروبية أعباء إضافية مع ارتفاع تكلفة الكهرباء.