الهيمنة الأنجلو أمريكية.. دول الاتحاد الأوروبي والقبضة الامريكية

بقلم: الدكتور نزار محمود

ليست هي حكاية خيال علمي أو هذيان سياسي مخمور أن نتكلم عن قوة القبضة الامريكية التي تحكم رقبة الاتحاد الاوروبي، وفي مقدمة دوله ألمانيا، إنه قول الفصل للقوة والهيمنة والتفوق.

فأمريكا بهرواتها العسكرية واقتصادها ودولارها وهيمنتها على المؤسسات الدولية والإعلامية والاستخبارية وتحالفاتها السياسية وتحكمها بأسواق الطاقة لا زالت القوة الأعظم التي تكافح من أجل مركزها الطليعي في العالم، والذي تقوم عليه بدوره أسس قوتها.

من كان يراقب الاحداث عن كثب، وأعني بها أحداث الانتخابات الأمريكية الأخيرة غريبة الأطوار بعض الشيء، وكيف نجح الديمقراطيون وماذا ينوون عمله وأية سياسة ينتهجون، وكيف وقفت دول الاتحاد الاوروبي تنتظر نتائج الانتخابات لكي تشكل بموجبها حكوماتها وسياساتها وحتى قياداتها، يدرك مدى قوة التأثير الأمريكي على القرار الأوروبي.

ولعل ميكانيكية اتخاذ القرار في منظمة الاتحاد الأوروبي المستوجبة الموافقة الجماعية على القرارات هي واحدة من الأسس التي شارك الأمريكان في صياغتها، والتأثير عليها من خلال دول أوروبية موالية بدرجة أكثر.

كما يلعب حلف الناتو العسكري، الذي تشكل الولايات المتحدة الامريكية قلبه النابض وعموده الفقري، بما يمثله من قوة عسكرية مدمرة: صواريخ عابرة للقارات، قنابل نووية، طائرات مقاتلة وقاصفة وناقلة، دبابات بالآلاف، مدافع عملاقة، أساطيل وبوارج وغواصات حربية، تقنيات تنصت واستطلاع وتوجيه متقدمة وغيرها الكثير، وبالتعشيق مع الأدوات السياسية والأمنية، دوره في احكام القبضة الأمريكية على مفاصل صنع القرار في دول الاتحاد الاوروبي وحتى على مستوى أحزابه.

وأخيراً لا بد من الإشارة إلى تأثير العقلية والثقافة وروح التعالي الأمريكية على رسم العلاقة بين أمريكا ودول الاتحاد الاوروبي.

إن هذا الواقع يطرح استنتاجات كثيرة على مستوى دور كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي، ولا سيما بعد خروج بريطانيا منه، والتابع عملياً للموقف الامريكي، أو على الاقل غير المؤثر جداً في العلاقات والازمات السياسية الدولية، ولعل القضية الفلسطينية هي مثال صارخ على ذلك.

ليس لنا نحن الضعفاء والمستضعفين غير الوعي والوحدة والتضامن من أجل حقوقنا، أو الدخول في صفقات أو تحالفات سياسية واقتصادية وثقافية محكومة بأوزان القوة والضعف!

تعليق

حول استدعاء فرنسا لسفرائها للتشاور من كل من واشنطن وكانبيرا على خلفية تشكيل التحالف العسكري الهندو أطلسي بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، وما قامت به الاخيرة من الغاء صفقة شراء الغواصات الفرنسية التي تقدر قيمتها ب ٥٦ مليار يورو.

ان المتابعين والعارفين بمعنى استدعاء السفراء، حتى ولو للتشاور،  يدركون أن رياحاً تعبث بالعلاقات السياسية او الدبلوماسية بين اطرافها، فما بالك حين يكون ذلك بين متحالفين!

تنتاب دول تحالف الناتو والاطلسي منذ بعض الوقت، ولا سيما في جناحيها الاوروبي والامريكي، تقاطعات في بعض مصالحها السياسية والاقتصادية، مع نمو اقتصادات وقوى بعض الأقطاب وفي مقدمتها الصين. وكانت كل من فرنسا والمانيا قد أثارت بعض التذمر وعدم الاستجابة التامة للرغبات الأمريكية في ما يخص المواقف من الصين وروسيا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. وإن الرغبة في تشكيل قوة عسكرية أوروبية حتى ولو في إطار تحالف الناتو، ومشروع نقل الغاز الروسي، نورد ستريم ٢، ومسائل الرسوم الجمركية وغيرها، لم تكن لترضي الولايات المتحدة الامريكية في الموقف الاوروبي والذي سبقه خروج بريطانيا، الحليف القوي لأمريكا، من الاتحاد الأوروبي مما أضعفه بالتأكيد.

إن الإعلام المفاجىء لتشكيل التحالف الهندو أطلسي، وردة الفعل الفرنسية باستدعاء سفرائها هو تعبير عن تعكر  كبير للعلاقة بين باريس وواشنطن، اللهم إلا إذا كان الرئيس الفرنسي يبغي من وراء ذلك مناورة سياسية في ايام الانتخابات القادمة. فالمزاج الفرنسي في بعضه ميال إلى الأنفة ضد الهيمنة الأنجلو أمريكية، وهو ما يمكن أن يشكل نوعاً من التعاطف الانتخابي لصالح ماكرون.

ومن الجدير الاشارة إلى الموقف السلبي الألماني تجاه تصاعد التوتر بين فرنسا، من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، من جهة أخرى. وهنا قد لا تجد ألمانيا من تبرير سوى انشغالها بالانتخابات التي على الأبواب.

Exit mobile version