ما بعد ميركل.. أبرز الملفات الساخنة التي تواجه مستشار ألمانيا الجديد

المستشارة الالمانية انجيلا ميركل

أخبار القارة الأوروبية – المانيا

تدخل ألمانيا حقبة جديدة في التعاطي مع ملفاتها الخارجية والداخلية، والتي كانت المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل تديرها بكفاءة ضمنت لها الفوز في أربع دورات متتالية بمنصب مستشارة ألمانيا، لكن المستشار الجديد الذي سيتولى المنصب في زمن ما بعد ميركل أمامه عدة ملفات ساخنة تحتاج لمعالجتها بنوع من الذكاء الذي يطمئن الألمان من ناحية ويحقق مصالح البلاد العامة من ناحية أخرى.

وكانت نتائج الانتخابات الأخيرة قد أظهرت فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بـ 25.7 بالمئة من الأصوات، وحصول التحالف المسيحي على 24.1 بالمئة، بينما جاء حزب الخضر الثالث بنسبة 14.8بالمئة، والحزب الديمقراطي بنسبة 11.5 بالمئة.

أما أبرز المرشحين لخلافة ميركل فهم أولاف شولتز عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأرمين لاشيت بدعم من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، وأنالينا بربوك عن حزب الخضر، وكريستيان ليندنر الذي يرتدي ألوان ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر، كما يقدم حزب البديل اليميني المتطرف يقدم من جهته مؤلف من تينو تشروبالا وأليس وايدل.

قضايا ساخنة تواج المستشار الجديد في ألمانيا وتعد قضية اللاجئين واحدة من تلك القضايا والتي تسببت في تحمل المستشارة الألمانية على إثرها انتقادات واسعة وتمثل تحديا لمن سيتولى المنصب بعدها، فقد اتبعت ميركل سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين، والتي استفاد منها بشكل أكبر منذ عام 2015 السوريون، حتى وصل عدد من استضافتهم ألمانيا من اللاجئين ما يصل إلى 1.7  مليون شخص.

قضية اللاجئين طالما تسببت حالة من التخوف الداخلي خاصة مع لعب اليمين المتطرف على هذا الوتر لإثارة الألمان ضد هذه السياسة، وهي مخاوف تفاقمت بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان والخوف المتصاعد من أزمة لجوء جديدة تهدد بلادهم، وقد دعت ميركل لإبقاء اللاجئين في دول الجوار الأفغاني مع تعهد برلين بتقديم مساعدات لهم.

ولا يتوقع أن تتغير كثيرا سياسة ألمانيا تجاه اللاجئين خاصة السوريين منهم سواء فاز بالمنصب مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أو مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كما أن حزب الخضر ممن يدعم اللاجئين، لأن الأحزاب التي تهاجم سياسة الباب المفتوح وترفض استقبال اللاجئين هي أحزاب اليمين المتطرف التي حققت نتائج ضعيفة للغاية في الانتخابات.

مصلحة ألمانيا العليا كذلك تتطلب استمرار هذه السياسة فالبلاد بحاجة إلى أيد عاملة أجنبية والسوريون يمثلون فرصة سهلة للحصول على الأيدي العاملة الرخيصة، كما أن أزمة نقص سائقي الشاحنات التي حدثت في بريطانيا لا تزال تلوح في الأفق بعد أن اضطرت الحكومة هناك لمنح سائقي الشاحنات الأجانب إعفاء من التأشيرة لمدة ثلاثة أشهر، سعيا منها للاستجابة للنقص باليد العاملة، ما مثل تحولا غير متوقع في سياسة الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا والذي حقق أعلى نتائج في هذه الانتخابات بعد حصوله على 206 مقاعد في البرلمان قد أعد برنامجا انتخابيا شمل تطويرا للنظام الأوروبي للتعامل مع اللاجئين بشكل إنساني، وضم بين مرشحيه مهاجرين، ما يعني أنه سيتبنى سياسة متسامحة مع المهاجرين حال فوزه بشكل لا يكاد يختلف كثيرا عن سياسة ميركل.

خارجيا يحتاج الاتحاد الأوروبي لدعم ألمانيا في ظل أزمات تشكل تحديات قوية بالنسبة له بعد أن تصاعدت الدعوات لتشكيل جيش أوروبي موحد، لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، على أمل تحقيق استقلالية عسكرية عن أمريكا، كما أن توقيع أستراليا صفقة الغواصات مع بريطانيا والولايات المتحدة وإلغاء الصفقة مع فرنسا ساهم في توتر العلاقات مع واشنطن ولندن، ما زاد من رغبة ألمانيا وفرنسا في تشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع تابعة للاتحاد الأوروبي، وهي فكرة يتوقع أن تتراجع عنها برلين حال استمرار التحسن الذي حدث مؤخرا في العلاقات مع الولايات المتحدة خلال الاجتماع الأول لمجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الاتحاد الأوروبي وأميركا، الذي عقد الأربعاء، بهدف تعزيز النفوذ العالمي في مواجهة التهديدات الصينية الأمر الذي قد يعيد التماسك لحلف الناتو الذي يجمع بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وفيما يتعلق بمحاربة التطرف لن يشهد هذا الملف تغييرات واسعة فألمانيا أصدرت قوانين وتشريعات لمكافحة الأموال الممولة للإرهاب ومراقبة المؤسسات الدينية والخيرية، وهي تتوافق مع قوانين عدد من الدول الأوروبية بشأن إلغاء جنسية مواطنيهم الحاملين لجنسية أخرى إن اشتركوا في الإرهاب؛ وبالتالي سيستمر التنسيق بشأن ملف الإرهاب سيظل مستمرا بين ألمانيا والاتحاد في ظل الحكومة الجديدة.

كذلك فإن ملف وباء كورونا الذي أثر كثيرا على اقتصاد البلاد لا يزال يؤرق الكثير من الألمان، فرغم تطعيم 64،4 % من الألمان تطعيما  كاملا إلا أن توقعات معهد روبرت كوخ الألماني لأبحاث الفيروسات أشارت إلى عودة الارتفاع مرة أخرى في أعداد الإصابات بعدوى فيروس كورونا في ألمانيا في فصلي الخريف والشتاء، ما قد يكون له تداعياته السلبية على اقتصاد البلاد، إذا ما اضطرت ألمانيا للعودة إلى سياسة الإغلاق العام مرة أخرى.

خليفة ميركل ليس عليه أن يكون نسخة مكررة منها، لكن عليه الاستمرار في التعامل الكفء مع مختلف الأزمات، وهو ما تميزت فيه ميركل بشدة طوال فترة توليها السلطة، وملفات الهجرة والناتو والتطرف وكورونا يمكن أن تتحول إلى أزمات عميقة ما لم يضع مستشار ألمانيا الجديد كل خبراته لتحقيق مصالح البلاد وتفادي تفاقمها،  وكذلك فإن الحنكة والمرونة السياسية مهمة للغاية للتعامل مع أي طارئ يطرأ في عالم متقلب لا تكاد أمواجه المتلاطمة تهدأ أمام المتغيرات المستمرة.

Exit mobile version