بوادر حرب اقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي

أخبار القارة الأوروبية – اقتصاد

بعد مضي عام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ازداد التوتر بين الجانبين خاصة على المستوى الاقتصادي، لتتجه بوصلة العلاقة نحو صراع اقتصادي بدت ملامحه في النزاع حول حقوق الصيد البحري مع فرنسا، والذي أعقبه تهديد باريس بقطع الكهرباء عن بريطانيا وسط تصريحات عدائية بين الجانبين.

ولا يبدو أن هناك أمل بعودة بريطانيا للتكتل الأوروبي، بل إن الأمر يسير أكثر نحو التباعد، وسط توقعات بازدياد شدة الصراع الاقتصادي تحديدا بين الطرفين في المرحلة المقبلة، في ظل تغير الأوضاع الداخلية لدى الجانبين، لا سيما بالنسبة لبريطانيا التي تبحث عن استبدال الروابط الثنائية مع الاتحاد الأوروبي بعلاقات مع قوى اقتصادية أخرى.

الولايات المتحدة تأتي على رأس تلك القوى التي تعد هدفا لتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي، ورغم عدم وصول بريطانيا إلى هدفها المنشود بعقد اتفاق للتجارة الحرة مع أمريكا، لكن الأمل في ذلك ليس ببعيد، فالولايات المتحدة تفضل التحالف مع بريطانيا لبناء جبهة الصين، وهو ما لا تتعامل معه بنفس الحماس بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ما يقرب بريطانيا أكثر للولايات المتحدة ويبعدها تلقائيا عن الاتحاد الأوروبي.

ووفقا لأرقام مكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة فإن تجارة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي تراجعت بشكل حاد نتيجة الخروج من عضوية الاتحاد، وأيضا جراء تفشي وباء كورونا على جانبي القنال الإنجليزي، حيث حذر المكتب من أن المملكة المتحدة تفقد قدرتها التنافسية بشكل عام.

ففي شهر يوليو تموز الماضي وبحسب مكتب الإحصاء انخفضت الصادرات البريطانية بمقدار 1.7 مليار جنيه استرليني، عما كانت عليه في تموز (يوليو) 2018، وتراجعت الواردات بمقدار ثلاثة مليارات جنيه استرليني، بينما يشير مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني إلى أن المملكة المتحدة في طريقها إلى الخروج من قائمة أكبر عشرة شركاء تجاريين لألمانيا وذلك لأول مرة منذ 70 عاما.

كما تراجعت الخدمات المالية في المملكة المتحدة، التي لم يشملها اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ فقدت الخدمات المالية وهي أكبر قطاع تصدير في بريطانيا حصتها من السوق بشكل مطرد، مما قد يؤثر في المصدرين البريطانيين ويفقدهم ميزاتهم التنافسية في الأسواق الأوروبية.

عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي المعروفة ببريكست تعد السبب الأساسي لهذا الانخفاض في الميزان التجاري بين بريطانيا وأوروبا، بعد أن أصبحت التجارة بين الجانبين تحتاج إلى موافقات تنظيمية للصادرات والواردات بينهما، وهو شأن لم يكن هناك حاجة إليه من قبل، وتشير الأرقام الرسمية إلى رغبة بريطانيا في البحث عن بدائل وشركاء تجاريين آخرين يغنون عن الاتحاد الأوروبي، حيث زادت صادرات بريطانيا إلى الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمقدار 700 مليون جنيه استرليني، لكنه رقم لا يكفي لتعويض انخفاض تجاراتها مع أعضاء الاتحاد.

وتبدو العلاقة مع فرنسا عاملا مهما في ارتباك المشهد الاقتصادي البريطاني، بعد أزمة تراخيص قوارب الصيد في بحر المانش الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا، فالجانب الفرنسي يكثف من ضغوطه على المملكة المتحدة بشأن حقوق الصيد البحري، محذرا من أن التعاون الثنائي قد يكون في خطر.

التوتر الخاص بتراخيص الصيد البحري كشف مدى هشاشة العلاقة التي تعيشها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، فلندن منحت 12 ترخيصا من أصل 47 طلبا لسفن فرنسية صغيرة للصيد في المياه الإقليمية البريطانية، فبموجب اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي يجب على مشغلي القوارب الفرنسيين إظهار تاريخ الصيد في المنطقة للحصول على ترخيص، لكن بريطانيا طالبت بمتطلبات إضافية دون إشعار، الأمر الذي استفزالجانب الفرنسي، واتهم رئيس وزراء فرنسا، المملكة المتحدة بأنها لا تحترم توقيعها، وأنها شهرا بعد آخر تقدم شروطا جديدة وتتأخر في منح تراخيص نهائية، ووصل الأمر إلى حد التلويح بأن جميع الاتفاقيات الثنائية قد تكون في خطر، تلك الاتفاقيات تغطي الدفاع والأمن وضوابط الحدود والطاقة والتجارة.

هذا التوتر وقع في خضم الاحتقان الفرنسي من التعاون الأمريكي – البريطاني – الأسترالي وصفقة الغواصات التي خسرتها باريس مع أستراليا، وقد وصل الأمر إلى حد تهديد باريس بقطع إمدادات الطاقة عن المملكة المتحدة، آخذا في الحسبان أن 47 في المائة من واردات الكهرباء في بريطانيا من فرنسا، وفي جزيرة جيرسي الخاضعة للتاج البريطاني، فإن 97 في المائة من الكهرباء يأتي من فرنسا عبر كابلات تحت المياه.

وزير فرنسا للشؤون الأوروبية كليمان بيون كان قد قال إن المملكة المتحدة تعتمد على فرنسا في استيراد الطاقة متهما لندن بالرغبة في التغلب على أوروبا والعيش بمعزل عنها وأن سلوكها عدواني.

ملف آخر قد يزيد من حالة الاحتقان ويشعل التوتر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي وهو وضع أيرلندا الشمالية في اتفاقية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فالجانب البريطاني تزداد قناعته يوما بعد آخر بأن الاتفاق الموقع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والمعروف باسم “البروتوكول” ويمنح أيرلندا الشمالية وضعا خاصا ضمن صفقة “بريكست” لا يعمل بما يحقق المصالح البريطانية، ما قد يدفع لندن لتفعيل المادة رقم 16 في اتفاقية الخروج التي تنص على أنه يمكن اتخاذ تدابير وقائية إذا كان “البروتكول” يؤدي إلى صعوبات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية “خطيرة.

ويمنح نص المادة 16  حكومة المملكة المتحدة سلطة تقديرية واسعة جدا بشأن الإجراء الذي يجب اتخاذه، فأحد أكبر التأثيرات العملية للبروتكول أنه أصبح من الصعب بكثير إرسال المنتجات الغذائية من بريطانيا العظمى إلى أيرلندا الشمالية، وهذا يضر بشدة في الشركات الصغيرة، وفي حال تفعيل الحكومة البريطانية لهذا البند ستواجه برد عنيف متوقع من الاتحاد الأوروبي، قد يشمل فرض تعريفات جمركية على البضائع البريطانية، وسيكون على لندن اللجوء لمنظمة التجارة العالمية لمقاضاة الاتحاد الأوروبي.

والوصول إلى تفعيل المادة 16 من قبل لندن، وفرض تعريفات جمركية على البضائع البريطانية من قبل بروكسل، يعني تفاقم العلاقات بين الجانبين وقرب حدوث صدام على مستوى أعلى قد تكون أولى سماته حرب تكسير عظام اقتصادية بين حلفاء الأمس.

Exit mobile version