صوت الأذان يثير جدلا واسعا حول الإسلام في كولونيا الألمانية

أخبار القارة الأوروبية

تشهد ألمانيا جدلا واسعا بشأن مشروع أطلقته مدينة كولونيا الألمانية يسمح للمساجد في المدينة بإسماع صوت آذان الصلاة يوم الجمعة من خلال مكبرات الصوت.

المشروع الذي أعلنت عنه المدينة في السابع من أكتوبر تشرين أول الجاري يمتد على مدار عامين، وسيُسمح بموجبه لمساجد المدينة التي يبلغ عددها 45 مسجدا بإسماع صوت آذان صلاة الجمعة بواسطة مكبرات الصوت وفق شروط معينة. ووفقًا للمعلومات الأولية، فإنه ستتم مراقبة ومرافقة هذا المشروع عن كثب من قبل مدينة كولونيا.

وبعد عامين حين انتهاء الفترة التجريبية للمشروع، سيتم إجراء تقييم شامل للتجربة من أجل اتخاذ قرار نهائي بشأنها.

عمدة المدينة هنرييت ريكير، دافعت عن المشروع واعتبرته مؤشرا على القبول المتبادل للأديان (..) والتزام بالحرية الدينية التي يضمنها الدستور الألماني، موضحة أن المواطنين المسلمين يعتبرون جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي لكولونيا “وكل من يشكك في ذلك، إنما يشكك في هوية المدينة وروح تعايشنا السلمي”.

وبينت أنه “عندما نسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين جرس الكنائس في مدينتنا، فهذا يدل على أن التنوع يحظى بالتقدير وهو جزء من كولونيا”.

وكتبت ريكير في تغريدة على تويتر “كل من يصل إلى محطة القطار الرئيسية في المدينة تستقبله الكاتدرائية وترافقه أجراس الكنيسة”، في إشارة إلى أن المدينة لن تفقد على أية حال هويتها المسيحية لصالح الإسلام.

المشروع المزمع تنفيذه له شروط دقيقة لإسماع الآذان والذي يقتصر على أيام الجمعة فقط دون سواها، أي مرة واحدة في الأسبوع، على ألا تتعدى مدته خمس دقائق، مع تحديد حد أقصى لعلو الصوت في عملية سيتم ضبطها حسب موقع كل مسجد.

 كما يتعين على كل بلدية أيضًا تسمية شخص للتواصل معه تكون مهمته الإجابة على أسئلة مواطني الحي وتلقي شكاواهم المحتملة،كما لا يجوز إسماع الأذان إلا بين الساعة 12 ظهرًا والثالثة عصرًا. وتطالب العديد من الجمعيات الإسلامية في ألمانيا بأن يكون لها الحق باستعمال مكبرات الصوت في المساجد خلال الآذان، لكن أصواتا كثيرة ترتفع لمعارضة هذا المطلب.

المؤيدون للمشروع يقولون إنه يعزز مكانة كولونيا كمدينة ليبرالية منفتحة على كل الأقليات مهما كان نوعها، وهي المدينة المعروفة أيضا باحتفال “كريستوفر ستريت داي” الذي ينظم خلاله مثليو الجنس سنويا استعراضا ضخما، وبالتالي فإن السماح بسماع صوت المؤذنين لن يكون إلا مؤشرا جديدا على التنوع والتسامح والقبول بالآخر.

كولونيا ليست المدينة الأولى في ألمانيا التي تتسامح بشأن صوت المساجد، فهناك مدن أخرى تسمح بذلك كما هو حال مسجد حي هاسل في مدينة غيلزنكيرشن، حيث يسمح بصوت الآذان كل يوم جمعة منذ 20 عامًا، كما يسمع صوت المؤذن ثلاث مرات في اليوم من مسجد الفاتح في مدينة دورين (ولاية شمال الراين وويستفاليا) والتي كانت رائدة وسباقة على مستوى ألمانيا، إذ سمحت بإسماع صوت الآذان لأول مرة عام 1985،  وبالتالي فإن كولونيا لن تكون حالة معزولة كما رأى الكثيرون من رواد المواقع الاجتماعية، خصوصا وأن عدد لمسلمين في كولونيا يتجاوز 120 ألفا يرتادون 45 مسجدا.

أما المعارضون فيؤكدون أنه لا يمكن مقارنة الآذان في الإسلام مع رنين أجراس الكنائس المسيحية، فالأول نص ديني عقائدي يدعو المؤمنين للصلاة وبأن “الله أحد لا شريك له”، فيما أجراس الكنائس رنين خالٍ من أي نص ومن أية دعوة، ويرى المعارضون أنه في عصرنا الذي يتميز بتطور هائل على مستوى التواصل التقني، ليست هناك حاجة لتذكير المؤمنين بمواعيد الصلاة، فضلا عن المخاوف من التلوث الصوتي والضوضائي.

الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري انتقد المبادرة، واعتبر على لسان فلوريان هان، الأمين العام للحزب أن بافاريا لا تسعى للدخول في تجربة مماثلة معتبرا أن ذلك “ليس جزءا من تقاليدينا الغربية”.

 غير أن المؤيدين للمشروع يرون فيه مبادرة تسعى لبلورة  ما يوصف بأنه إسلام ألماني مستقل عن بلدان المسلمين الألمان الأصلية في انسجام تام مع القيم التي يقوم عليها المجتمع الألماني، لا ننسى أن الكنائس تدق أجراسها ثلاث مرات في اليوم سواء بالنسبة للكاثوليك أو البروتستانت، فيما ينص مشروع كولونيا على الآذان مرة واحدة في الأسبوع (قبل صلاة الجمعة).

ويعيش ما لا يقل عن 5.5 مليون مسلم في ألمانيا، ثلثهم في ولاية شمال الراين ووستفاليا، وهناك حوالي واحد في المائة فقط من المساجد التي يسمع فيها الآذان عبر مكبرات الصوت.

يشار أن كولونيا قرابة 120 ألف مسلم يشكلون 12% من سكان المدينة، فيما يتراوح عددهم في العاصمة برلين ما بين 250 ألف 300 ألف مسلم، أي حوالي 9 % من السكان، لكن الأمر يعتبر أكثر صعوبة في برلين.

ويعارض نحو 61% من الألمان إسماع صوت الآذان (رفع الآذان عبر مكبرات الصوت) في مساجد البلاد، وفق نتائج استطلاع أجراه معهد البحوث الاجتماعية “Insa-Consulere” عام 2020. هذا الجدل انتقل لوسائل الإعلام فقد نشرت صحيفة “بيلد” مقالا لأحمد منصور خبير الشؤون الإسلامية، انتقد فيه المبادرة، معتبرا أن الآذان لا يتعلق بالحرية الدينية أو القبول بالتنوع والاختلاف، وإنما في الأمر استعراض للقوة.

كما اعتبر موقع “تشيتشيريو” (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) قرار عمدة كولونيا رسالة خاطئة، معتبرة أن “الله أكبر” مقولة دينية “لا تقتصر فقط على الآذان والدعوة للصلاة، بل أصبحت أيضًا صرخة المعارك الجهادية، فبدلاً من الخضوع لمطالب الجمعيات الإسلامية، يجب على السياسيين الألمان أن يساعدوا في تقوية القوى العلمانية في أوساط المسلمين”.

ويحتاج المسلمون لبذل جهود أكبر للتعريف بدينهم في ألمانيا وإزالة المخاوف بشأنه، لا سيما وأن ممارستهم لشعائرهم دائما ما تقف أمامها عقبات كثيرة داخل ألمانيا، فمشاريع بناء المساجد الكبرى في ألمانيا كل مرة جدلا متجددا بين المؤيدين والرافضين، وبناء المساجد الجديدة تصاحبها عادة خلافات بين المؤيدين والمعارضين، خصوصا بعد موجات الهجمات الإرهابية في العالم والتي يتم إلصاقها بجماعات إسلامية متشددة، وحتى في حال الموافقة على البناء، فإن ذلك يخضع لشروط صارمة من حيث طول المئذنة وحجم القبة.

والغالبية الساحقة من المساجد لا علاقة لها بالعمارة الإسلامية الراقية، وعادة ما تكون عبارة عن دور عبادة بسيطة في فناء خلفي في مناطق صناعية بالمدن الكبرى.

 يذكر أن عدد المساجد في ألمانيا بكل أنواعها يقدر بحوالي 2800 مسجد، منها 350 مسجدا فقط يتوفر على مئذنة وأحيانا قبة، على الطراز المعماري العثماني (بحكم العدد الكبير للمسلمين من أصل تركي). أما باقي المساجد فهي عبارة عن مبانٍ بسيطة عادية للصلاة. وعكس ما هو مشاع فالشرط الوحيد في المسجد هو أن يكون نظيفا والقبلة موجهة نحو مكة، أما المئذنة فليست شرطا ضروريا.

وفي السنوات الأخيرة زاد قلق شرائح واسعة من المجتمع الألماني من بناء المساجد الكبيرة خوفا من “أسلمة زاحفة” أو أن يكون لها تأثير يغير من طبيعة الجمالية العمرانية لمدن البلاد.

 ويسعى كثير من المسلمين في ألمانيا إلى بناء مساجد بهندسة معمارية راقية كتعبير عن اندماجهم في المجتمع الألماني، بدل من الأقبية المعتمة التي يؤدون الصلاة فيها، وهناك بالفعل مساجد كبرى تتسع لأكثر من ألف مصلٍ في عدد من المدن الألمانية الكبرى مثل كولونيا ودويسبورغ وبريمن وغيرها.

Exit mobile version