ارتفاع أسعار الطاقة يهدد الصناعات الأوروبية

ارتفاع أسعار الطاقة يهدد الصناعات الأوروبية

أخبار القارة الأوروبية – اقتصاد

أصبح ارتفاع أسعار الطاقة واحدا من التحديات الكبيرة التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي، والتي تؤثر على اقتصادها، بعد أن كان لارتفاع أسعار الكهرباء والغاز تداعياته المباشرة على الصناعات الأوروبية المستهلكة للطاقة، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي اعتماد جملة تدابير للتخفيف من حدة أزمة الطاقة التي تهدد بزيادة فواتير المستهلكين.

ويمر العالم بأولى أزمات الطاقة مع بدء تعافي الاقتصاد العالمي من تأثيرات وباء كورونا، وزيادة الطلب العالمي ومع ملاحظة تراجع استخراج النفط والغاز والفحم، في إطار التحول إلى الطاقة النظيفة، لكن  قدوم الشتاء البارد هذا العام في أوروبا بدرجة أكبر من المعتاد، أدى إلى استنزاف الاحتياطي مع سلسلة من الأعاصير أدت إلى إغلاق مصاف النفط في الخليج بأمريكا، وظهر النقص في الإمدادات في الأسواق من أوربا إلى الصين مما سبب أزمة في الطاقة.

انتقاد روسي..

ورغم الاتجاه لزيادة الطاقة المتجددة إلا أن الاقتصاد الصناعي، يعتمد بشكل أكبر على الوقود الأحفوري من الفحم والغاز والنفط، وهو ما دفع جمعيات تمثل الصناعات الأساسية في أوروبا لإطلاق إنذار يعتبر أن انتعاش الصناعة الأوروبية بعد أزمة كوفيد-19 “في خطر”، وكذلك قدرتها على “تحقيق أهدافها على صعيد المناخ، في ظل استمرار شبح ارتفاع أسعار الطاقة بشكل يهدد الصناعات الأوروبية.

وطلب الصناعيون العاملون في قطاعات الكيمياء والورق والسيراميك والألمنيوم والصلصال والزجاج، من الاتحاد الأوروبي الذي عقد اجتماعا يوم الجمعة في بروكسيل، طلبوا وضع “تنظيمات خاصة في ما يتعلق بالمساعدات الحكومية للسماح للدول الأعضاء بالتحرك بشكل أوضح مما هو مسموح به اليوم خلال فترات التوتر في سوق الطاقة”.

كما دعوا التكتل إلى “استخدام ضغطه التجاري والدبلوماسي الكامل على كبار مزودي الغاز” مثل روسيا، اذ قوبل هذا الطلب بانتقاد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي انتقد المفوضية الأوروبية باعتبارها تظن أن أسواق الطاقة “يمكن ضبطها في البورصة، من خلال سوق الصفقات الفورية”.

وأضاف أن “ما نراه اليوم في أسواق الطاقة، هو تعبير عن الرأسمالية التي لم تعد تعمل بطريقة مجدية” مضيفا “أرادوا إقناعنا بضرورة التخلي عن العقود الطويلة الأمد.

الصناعات الأوروبية تأثرت بشدة بأزمة الطاقة، حيث حذرت شركة نيرستار الهولندية الرائدة في تنقية الزنك الأسبوع الماضي من أنها ستخفض إنتاجها “إلى حدّ 50%” في ثلاثة مصانع أوروبية في هولندا وبلجيكا وفرنسا بسبب أسعار الطاقة والكربون المرتفعة جدا في أوروبا.

وأوضحت الشركة أنه مع “الزيادات الكبرى في كلفة الكهرباء خلال الأسابيع الماضية” وسعر الكربون المرتفع في السوق الأوروبية، “بات من غير المربح اقتصاديا استغلال المصانع بكامل طاقاتها”.

حصص السوق..

وفي فرنسا أعلنت شركة “بي سي إف ساينسز لايف” على لسان رئيسها، جاك بيدو، أنها تواجه أزمة غير مسبوقة، وهي تعتبر من فئة الشركات المتوسطة والصغرى وتوظف 200 شخص وتنتج أحماضا أمينية من ريش الدواجن.

“بيدو” أضاف أن سعر الغاز المستخدم لإنتاج الحرارة الضرورية للتحليل المائي لمادة الكيراتين الموجودة في الريش “ازداد بـ4,5 أضعاف منذ كانون الثاني/يناير 2020″ فيما تضاعف سعر الكهرباء بـ”2,5 مرات”.

لكن بيدو الذي يتابع يوميا مؤشر “بيغ نور 2022” لأسعار الغاز بالجملة، يؤكد “لسنا في مأزق”.

فبإمكان شركته، الوحيدة الناشطة في هذا القطاع في أوروبا، أن تسجل الزيادة في تكاليف الإنتاج البالغة 20% خلال ستة أشهر على عاتق زبائنها.

والأمر نفسه ينطبق على شركة “إير ليكيد” العملاقة للغاز الصناعي التي تحمي نفسها من تقلبات الأسعار بتوقيعها عقودا تضع تكاليف السلع والخدمات المستخدمة على حساب زبائنها، وهم من الشركات الكبرى.

نيكولا دو وارين، رئيس “اتحاد الصناعات المستخدمة للطاقة” في فرنسا اعتبر أن “نقل أعباء ارتفاع التكاليف على الزبائن لا يكون ممكنا إلا إذا كنت رائدا في سوق معينة، من الجهات التي تحدد الأسعار”.

ولا يمكن لسياسة تحميل الأضرار على الزبائن أن تؤتي بثمارها مع كل الشركات فالذين لا يملكون هذا الخيار، “فقد يتكبدون أضرارا”.

دو وارين أضاف أن باقي الشركات ليس لدها خيار سوى البيع بالخسارة أو المجازفة بفقدان قسم من حصص السوق عبر مواجهة منتجات مستوردة من أميركا أو آسيا، وهو الأمر الذي انعكس بشكل خطير مثلا على شركة “ألمنيوم دانكرك”، أحد أكبر منتجي الألمنيوم في أوروبا.

وأوضح رئيس الشركة غيوم دو غويس “ارتفعت أسعار الألمنيوم كثيرا في بورصة لندن للمعادن، لكن أقل بكثير من سعر الكهرباء”.، لافتاً إلى أن “حصة الكهرباء رفعت في تكاليف إنتاجنا إلى 40% بعدما كان معدلها 25 % في السنوات الأخيرة، ما يعني أنها تضاعفت تقريبا”.

ويخشى دو غويس أن يضطر إلى إعلان تخفيض في الطاقات الإنتاجية في مطلع 2022 “إذا لم يتم اتخاذ تدابير ملموسة على صعيد الطاقة” لمساعدة الصناعيين الأوروبيين.

ولفت إلى أن الصناعيين في روسيا يستفيدون من سعر مضبوط للغاز “يقارب 5 يورو للميغوات ساعة، في حين أننا نشتريه بأكثر من مئة يورو للميغاوات ساعة”.

وكانت المفوضية الأوروبية قد اعتمدت في وقت سابق هذا الشهر، خطة ومجموعة إجراءات للتخفيف من حدة أزمة الطاقة، ترمي في مجملها إلى مواجهة الارتفاع الاستثنائي في أسعار الطاقة العالمية والمتوقع أن يستمر طوال فصل الشتاء، كما تسعى هذه الخطة إلى دعم المستهلكين من المواطنين الأوروبيين.

 وتواجه المفوضية الأوروبية ضغوطا للتعامل مع الأزمة الطارئة، وإن كانت حكومات الاتحاد الأوروبي مسؤولة بشكل منفصل عن مصادر الطاقة في دولها والضرائب ذات الصلة.

وركّزت المفوضية على زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة والشبكات الشاملة لأوروبا، وهي إجراءات تم طرحها بالفعل في وقت يستعد الاتحاد الأوروبي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050. كما تشمل الإجراءات الوطنية قصيرة الأجل دعم دخل الأسر المحتاجة ومساعدة الدولة للشركات المتعثرة، والتي تواجهها مصاعب بما يخض مجال الطاقة من خلال اعتماد تخفيضات ضريبية.

Exit mobile version