من الكهنة إلى ذوي القربى..الاغتصاب قضية تصدم الرأي العام الفرنسي

من الكهنة إلى ذوي القربى..الاغتصاب قضية تصدم الرأي العام الفرنسي

أخبار القارة الأوروبية – تقرير

يشعر المجتمع الفرنسي بحالة من الصدمة بعد التقارير التي كشفت عن آلاف حالات الاغتصاب التي تعرض لها الأطفال خاصة في الكنيسة الكاثوليكية التي أقر عدد كبير من أساقفتها بالاعتداء الجنسي على القصر، واكتشاف العديد من حالات الاغتصاب التي يرتكبها ذوو القربى.

اعتراف الكنيسة بمسؤوليتها

الأساقفة الفرنسيون اعترفوا، الجمعة، خلال اجتماعهم في مدينة لورد جنوب البلاد، بـ”مسؤولية” الكنيسة كمؤسسة عن التعديات الجنسية بحق قاصرين.

 ممثل الأساقفة المنسنيور “إريك دو مولان بوفور” بين أن الكنيسة كمؤسسة تقر بمسؤوليتها عن أعمال العنف الجنسية التي لحقت بآلاف الضحايا والإقرار بـ”البعد المعمم” لهذه الجرائم.

 ” بوفور” شدد على أن الكنيسة باتت تؤكد تصميمها “بشكل أقوى وأوضح وأشد عزما”،  مضيفا “سنعمل على أساس هذه القاعدة المشتركة” لبحث التوصيات الأخرى الواردة في التقرير، بدون أن يوضح التبعات المالية لهذا الإقرار بالمسؤولية.

رئيس المؤتمر الأسقفي الفرنسي اعتبر أن هذه الجرائم الجنسية بحق الأطفال التي كشفت لجنة مستقلة يرأسها “جان مارك سوفيه” عن حجمها في تقرير أصدرته مؤخرا، “تندرج ضمن إطار عام وأنماط عمل وذهنيات وممارسات داخل الكنيسة جعلت حصولها ممكنا”، مضيفا أن “هذه المسؤولية تستتبع واجب عدالة وتعويض”.

وكان شهر آذار/مارس الماضي قد شهد إعلان الأساقفة أن الكنيسة مصممة على “تحمل مسؤوليتها بطلب المغفرة عن هذه الجرائم والثغرات”، ويأتي قرار الأساقفة الإقرار بالمسؤولية بموجب عملية تصويت وذلك بحسب ما ذكر المتحدث باسم المؤتمر الأسقفي الفرنسي “أوغ والمون”.

هذا الإقرار كان ضمن التوصيات الرئيسية التي طلبتها في وقت سابق لجنة “سوفيه” حيث اقترحت الإقرار بمسؤولية الكنيسة المدنية والاجتماعية “بمعزل عن أي خطأ شخصي ارتكبه مسؤولوها”.

عمل اللجنة المستقلة

اللجنة أحصت تعرض قرابة 216 ألف شخص دون الـ18 من العمر لتعديات جنسية منذ العام 1950 وحتى  2020 من قبل كهنة ورجال دين في فرنسا، كما قدرت عدد المعتدين بحوالى ثلاثة آلاف خلال سبعين عاما، وهؤلاء جزء من العدد الإجمالي لرجال الدين الذي يبلغ 115 ألفا خلال مدة السبعين عاما التي شملها التحقيق.

وقال رئيس اللجنة الوطنية الفرنسية إن هذا هو الحد الأدنى للتقديرات التي استندت إلى إحصاء وفحص وثائق الكنيسة والقضاء والشرطة القضائية والصحافة والشهادات التي تلقتها لجنة التحقيق.

كما دعت من ضمن 45 توصية تضمنها التقرير إلى تحديد المبالغ المترتبة لكل ضحية بحسب “الضرر الذي لحق بها”، داعية إلى تسديد هذه التعويضات “من أملاك المعتدين والكنيسة الفرنسية”.

رئيس لجنة التحقيق “جان-مارك سوفيه” قال لدى عرضه التقرير أمام الصحافيين أن هذا العدد يصل إلى “330 ألفا إذا ما أضفنا المعتدين العلمانيين العاملين في مؤسسات الكنيسة الكاثوليكية” من معلمين في مدارس كاثوليكية وعاملين في منظمات للشبيبة وغيره، مؤكدا أن “هذه الأعداد ليس مقلقة فحسب بل مروعة وتستدعي تحركا أكيدا”.

واحتسبت هذه الأعداد نتيجة تقدير إحصائي يضم هامش خطأ قدره 50 ألف شخص على ما أوضح رئيس لجنة التحقيق المستقلة.

 وقال “سوفيه” الذي تولى رئاسة اللجنة في 2018 إن الكنيسة الكاثوليكية أبدت “حتى مطلع الألفية لامبالاة عميقة لا بل قاسية حيال الضحايا”.

وأضاف أنه بين 1950 والعقد الأول من الألفية “لم يتم تصديق الضحايا أو الإصغاء إليهم واعتبروا أنهم ساهموا بطريقة أو بأخرى بما حصل لهم”.

“سوفيه” عرض نتائج التحقيق أمام مجمع الأساقفة الكاثوليك في فرنسا والرهبانيات ومسؤولين عن جمعيات ضحايا.

ونددت اللجنة التي تتألف من 22 عضوا بظاهرة “نُظمية” منتشرة جدا في الكنيسة، واقترحت “الإقرار بمسؤولية الكنيسة”، وأوضح سوفيه “المبدأ التوجيهي الأول الذي توصي به اللجنة هو الإقرار بمسؤولية الكنيسة بما حصل منذ البدايات”، وطلبت أيضا “تعويضا” ماليا لكل الضحايا.

الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية كانت قد أعربت الثلاثاء الماضي عن شعورها بـ”العار والهول” بعد صدور التقرير  طالبة “الصفح” من الضحايا. وقال رئيس مجمع أساقفة فرنسا المنسنيور إريك دو مولان بوفور “أود في هذا اليوم أن أطلب منكم الصفح، أطلب الصفح من كل واحد وواحدة”.

كما عرب البابا “فرنسيس” عن “حزنه العميق” إزاء “الحقيقة المروّعة” التي كشف عنها، داعيا “الكاثوليك الفرنسيين إلى تحمل مسؤولياتهم من أجل أن تكون الكنيسة بيتا آمنا للجميع”.

زيادة الاعتداءات على الأطفال

وفي سياق ذي صلة كشفت وسائل إعلام فرنسية، قبل أسابيع ، عن تزايد حالات الاعتداء الجنسي والتحرش للأطفال، بمعدل 68 حالة في اليوم بعموم البلاد.

وأفاد تقرير الخاص لراديو “RTL” الفرنسي، عن تعرض 68 طفلاً للاعتداء الجنسي والتحرش، بشكل يومي في فرنسا منذ مطلع العام الجاري، بحسب البلاغات الواردة إلى مخافر الشرطة.

وأشار إلى تعرض 49 طفلاً للاستغلال الجنسي، بشكل يومي في البلاد، خلال نفس الفترة المذكورة.

ولفت إلى عمل الشرطة بشكل كثيف على تأهيل كوادرها الأمنية للتعامل مع هذا التزايد الكبير في الحالات.

وكشفت النائبة الاشتراكية “إيزابيل سانتياغو” في وقت سابق أرقاما صادمة حيث صرحت بأن “10% من الفرنسيين تعرضوا لسفاح القربى”، وأن “طفلاً يتعرض للاغتصاب كل ساعة في فرنسا”.

كما أكدت أن “واحداً من كل خمسة فرنسيين كان ضحية جريمة استغلال جنسي للأطفال”.

توجيه عدة اتهامات بالاعتداء الجنسي في قضايا أثارت الرأي العام الفرنسي، دفع البلاد لإقرار قانون في شهر أبريل الماضي من شأنه حماية الأطفال من العنف الجنسي وتشديد العقوبة على مرتكبيه.

تشريعات برلمانية

وللحد من انتشار ظاهرة الاعتداء على الأطفال أقر البرلمان الفرنسي في شهر أبريل الماضي تشريعا يعتبر ممارسة الجنس مع طفلة دون 15 عاما اغتصابا وتستحق عقوبة تصل إلى السجن 20 عاما

وكان القانون الجديد بالأساس اقتراح تم تقديمه من قبل مجلس الشيوخ الفرنسي. فعقب وقوع عدة قضايا أثارت ضجة إعلامية كبيرة، كقضية الباحث في العلوم السياسية “أوليفييه دوهاميل” الذي اتهمته ابنة زوجته كامي كوشنير باغتصاب شقيقها التوأم حين كان مراهقاً، عمل أعضاء البرلمان والحكومة في فرنسا على تشديد التشريعات في هذا المجال..

وتتمثل أهمية تلك الخطوة في أنه “لن يكون بمقدور معتد من البالغين الزعم بالحصول على موافقة قاصر أصغر من 15 عاما”، وفقا لوزير العدل الفرنسي “إيريك دوبون-موريتي”.

فعلى الرغم من أن سن الرشد كان في السابق 15 عاما، إلا أن المدعين في قضايا العنف أو الاعتداء الجنسي في فرنسا كان يُطلب منهم في العادة إثبات أن ممارسة الجنس لم تكن بالتراضي للحصول على إدانة بالاغتصاب، وهو ما كان يصعب أحيانا إثباته.

ونص القانون أيضا على تحديد عتبة الموافقة على العلاقات الجنسية عند سن 18 عاما في حالة سفاح القربى إذا تم ارتكاب الأمر من شخص ينتمي لدائرة الأسرة أو حتى من شريك في المسكن.

Exit mobile version