هل تغيرت نظرة الاتحاد الأوروبي للخطر الروسي؟

هل تغيرت نظرة الاتحاد الأوروبي للخطر الروسي؟

أخبار القارة الأوروبية – تقرير

بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره عام 1991، لم تعد الدول الأوروبية تنظر للخطر الروسي بنفس نظرتها السابقة حتى أنها خففت كثيرا من استعداداتها العسكرية، وزال خطر حدوث غزو روسي لأوروبا، لكن تطوير موسكو لأسلحتها كما ونوعا حديثا أعاد المخاوف الأوروبية للمربع الأول.

تراجع دور الولايات المتحدة

الولايات المتحدة كانت تشكل طوال الحرب الباردة وما بعدها صمام أمان ضد أي تحرك روسي حيث نشرت قواتها في مناطق عدة بأوروبا، واستحدثت أسلحة متطورة قادرة على مواجهة الدب الروسي بل وتتفوق عليه، لكن السياسة الأمريكية الأخيرة لم تعد بنفس الجدية في التنسيق العسكري مع أوروبا وهو ما بدا جليا خلال فترة تولي  “دونالد ترامب” رئاسة الولايات المتحدة ثم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دون تنسيق كامل مع الشركاء الأوروبيين، حيث لم يتمكن الحلفاء الذين يعتمدون على الطيران والنقل والخدمات اللوجستية الأمريكية من ضمان إجلاء آمن لمواطنيهم من أفغانستان عندما انسحبت الولايات المتحدة من تلك الدولة التي مزقتها الحر،  في الوقت نفسه، خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 13 مليار يورو للمساعدات الاقتصادية والدعم العسكري للحلف، وهو ما زاد المطالب بإنشاء جيش أوروبي موحد أو قوات تدخل سريع للتخلص من الارتهان للقرار الأمريكي، والاعتماد على قوة دول الاتحاد أكثر حال فرض مواجهة مع موسكو.

انتهاك روسيا لوثيقة هلسنكي

ويبرز عامل آخر يثير المخاوف الأوروبية وهو انتهاك روسيا الالتزامات المنصوص عليها في وثيقة “هلسنكي” النهائية المتعلقة بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد دول أخرى؛ والامتناع عن انتهاك سيادة الدول الأخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي؛ واحترام حق كل دولة في اختيار تحالفاتها الأمنية، حيث استخدمت روسيا تكتيكات غير متكافئة ضد دول الناتو، مثل الهجمات الإلكترونية وعمليات التخريب والتغطية وحرب المعلومات، كما استخدمت قوتها العسكرية في حرب أوسيتيا الجنوبية عام 2008، وكذلك حرب أوكرانيا عام 2014 التي انتهت بضم موسكو للقرم وانفصال واقعي لإقليمين أوكرانيين، ، ويضاف إلى ذلك تدخل روسيا في منطقة البحر الأسود،  ليبدو جليا أن غزو روسيا لأوروبا جزئياً على الأقل سيناريو قابل للحدوث، ولم يختف مع اختفاء الاتحاد السوفييتي.

تصاعد القوة العسكرية

كما يشكل تصاعد القوة العسكرية الروسية هاجسا مقلقا لدول الاتحاد الأوروبي، حيث أصبحت روسيا تمتلك أسلحة غاية في التطور مثل مقاتلة Su-57 ودبابات T-14 Armata ومنظومة الدفاعات الجوية S-400، ناهيك عن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والأسلحة النووية التكتيكية، يمثل تهديداً شديد الخطورة وجديداً بالكامل للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ووفقاً لموقع globalfirepower.com  “غلوبال فير باور”، يملك الجيش الروسي ما يقرب من مليون فرد في الخدمة الفعلية وحوالي مليوني جندي احتياطي.

والجيش الروسي مصنّف بأنه يمتلك أكثر من 4000 طائرة و1500 طائرة مروحية/ وعلى الأرض، يقول موقع Globalfirepower.com إن روسيا لديها 13 ألف دبابة و27 ألف عربة قتال مدرعة وحوالي 6 آلاف مدفع ذاتي الحركة في المدفعية، كما تحرص روسيا على تحديث وصيانة أجزاء من أسلحته ومنظوماته الآلية/ على سبيل المثال، طوَّر الجيش الروسي الدبابة الروسية T-72 مرات عديدة منذ ابتكارها لأول مرة في السبعينيات.

الأمر الأكثر إثارة للقلق، خاصة بالنسبة للأمن الأوروبي، هو نشر روسيا لصاروخ كروز جديد متوسط المدى يتم إطلاقه من الأرض في انتهاك لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987، وتحديثها لمجموعة من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية الأخرى، وما هو واضح.

عقيدة التصعيد الروسية

كما تشكل عقيدة “التصعيد لنزع التصعيد” الروسية الرسمية هاجسا مقلقا كذلك، وهي تقترح أن تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية في حالة استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى ضد روسيا أو أي حليف لها، أو في حالة هجوم تقليدي على روسيا يكون فيه وجود الدولة الروسية على المحك، ومع ذلك، كانت هناك اقتراحات بأن موسكو قد تفكر في فكرة أنه يمكنها استخدام الأسلحة النووية “لتهدئة” نزاع تقليدي لم يتضمن هجوماً على الأراضي الروسية، على سبيل المثال، بعد هجوم تقليدي روسي على دولة أخرى.

وأخيراً، فيما يتعلق بالقوة البحرية، يقدر موقع Globalfirepower.com أن البحرية الروسية تملك 600 سفينة، تضم حاملة طائرات و15 مدمرة و63 غواصة. ويعد البحر الأسود منطقة ذات أهمية استراتيجية لروسيا من حيث الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية حيث يضمن وصول موسكو إلى البحر المتوسط.

توغل روسيا في حوض البحر المتوسط

ويعد البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لموسكو ساحة لمنافسة القوى العظمى مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من خلال التعزيز الذكي للأصول البحرية، وكذلك من خلال عملاء مثل جيش النظام السوري، حيث اختبرت روسيا في سوريا أكثر من 200 سلاح جديد،  ويسعى الكرملين جاهداً لمواجهة وجود الناتو في المنطقة وحماية الجناح الجنوبي لروسيا، كما زود مزيج من القوات الجوية الروسية والمتعاقدين العسكريين الخاصين الكرملين بنفوذ جيوسياسي كبي.

كما أن دول غرب البلقان  ودول البلطيق لا تزال، في مرمى عمليات النفوذ الروسية،  خاصة وأن احتمال نشوب صراع عرقي كامل في البلقان مرتفع للغاية، وهي دول مرتبطة تاريخياً بروسيا ولا تحمل الكراهية التقليدية لها وتقع دول غرب البلقان خارج الناتو وبالتالي “تمثل فرصة لروسيا”.

مقارنة بين موازين القوى

ويضم أعضاء الناتو الأوروبيون أكثر من 500 مليون شخص. يبلغ عدد سكان روسيا 145 مليون نسمة فقط/  كما يتمتع الأوروبيون بصحة أفضل: يبلغ متوسط العمر المتوقع في أوروبا حوالي 82 عاماً، بينما يبلغ 72 عاماً في روسيا فقط (وحتى أقل بالنسبة للرجال).

الناتج المحلي الإجمالي لحلف الناتو في أوروبا يبلغ أكثر من 15 تريليون دولار/ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا 1.7 تريليون دولار فقط، وهو أقل من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا وحدها، حسبما وردالفي تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

والأمر الأكثر أهمية هو أن أعضاء الناتو الأوروبيين ينفقون ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تفعله روسيا على الدفاع كل عام، في الواقع، تنفق ألمانيا وفرنسا معاً أكثر مما تنفقه روسيا، وتوجه روسيا بعض ما تنفقه للدفاع على شرق الأقصى، وترسانتها النووية الكبيرة، ومشاركتها في أماكن مثل سوريا.

القوة البرية

ولدى  الاتحاد الأوروبي: 6700 دبابة، و48971 عربة قتال مصفحة، و5804 مدافع و1069 نظام إطلاق صاروخي متعدد.

بينما لدى روسيا: 15400 دبابة ، 31300 عربة قتال مصفحة، و10597، و3793 نظام إطلاق صاروخي متعدد، حسب احصاءات 2017.

لدى الاتحاد الأوروبي: 6751 طائرة من بينها مجموعة من الطائرات المقاتلة الرائدة مثل الرافال والتايفون يورو فايتر، والإف 16 إضافة إلى بدء بعض الدول في شراء مقاتلات إف 35.

لدى سلاح الجو الروسي: 3100 طائرة مقاتلة من بينها مقاتلة متعددة الأدوار من طراز Sukhoi-35 وطائرة اعتراضية من طراز MiG-31.

تظهر هذه الأرقام أن الاستعدادات الدفاعية لأوروبا لديها القدرة الأولية للدفاع عن نفسها، بدون حتى الدور الأمريكي.

هناك نوع من التكافؤ بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، حيث تتفوق روسيا في المدرعات وتتفوق أوروبا في الطيران، خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية في أوروبا والشراكة المفترضة مع أوكرانيا، لكن المعضلة تكمن في أن المناطق الأوروبية المتاخمة لروسيا هي الأضعف، منطقة البحر الأسود حيث أكبر دولها أوكرانيا أرضها محتلة بالفعل من قبل موسكو، ومنطقة البلقان مفتتة ويوجد فيها نفوذ روسي تاريخي يتجدد، ولكن نقطة الضعف الرئيسية هي منطقة البلطيق، التي تضم نحو 6 ملايين نسمة مقابل نحو 150 مليوناً لروسيا، وهنا يمكن لروسيا غزو دول البلطيق الضعيفة حت في حال تدخل الناتو جوا، في المقابل، فإن الدول الأوروبية الكبيرة نسبياً والقوية عسكرياً، وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا بعيدة نسبياً عن روسيا.

ففي حال أي غزو روسي لأوروبا سواء استهدف الاتحاد الأوروبي أو أوكرانيا، فإذا لم تتدخل الولايات المتحدة التي بدأت تتوجه بالفعل نحو آسيا لمنافسة الصين، فإنه من المستبعد أن تحارب الدول الأوروبية الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا من أجل الدول الصغيرة المتاخمة لروسيا، والتي بدورها كلها أضعف كثيراً من روسيا ولو تحالفت معاً، وحتى لو انضمت بولندا إليها وهي دولة متوسط القوة والحجم ومتاخمة لجيب كالينغراد الروسي، ولديها مخاوف تاريخية من روسيا.

مصالح برلين وباريس مع موسكو

كما أن لكل من ألمانيا وفرنسا مصالحهما مع روسيا، فألمانيا لديها مصالح في مجال الطاقة كما أنها تخشى من حساسية تاريخية بشأن إعادة بناء قواتها العسكرية، بينما تترك فرنسا الساحة فعليا لروسيا ودعمها في بعض المناطق بل وتختلق عداوات مع تركيا، وتتعاون مع باريس في دعم حفتر في ليبيا جنوب القارة الأوروبية.

مأزق أوروبا في مواجهة روسيا

ومع تقارب القوى العسكرية لن يكون هناك في الأغلب غزو روسي لأوروبا، بل التلويح بهذه الورقة من قبل الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين”، إضافة لورقة الطاقة لتحقيق نفوذ ومكاسب لروسيا في أوروبا، لا سيما وأن السكوت الأوروبي  قد يؤدي لتمادٍ روسي، في المقابل فإن أي محاولة للتصدي للدب الروسي، قد تؤدي إلى محاولة موسكو استخدام ورقة التهديد بغزو بعض الدول الأوروبية، وهو تهديد قد يخرج عن السيطرة.

Exit mobile version