قنابل الأسد الموقوتة.. “أجنحة الشام” تطير بالمهاجرين من دمشق إلى بيلاروسيا

أخبار القارة الأوروبية – عواصم

أصبحت الحدود بين بيلاروسيا وبولندا مرتعا لآلاف المهاجرين العالقين، الذين يأملون الدخول إلى بولندا والوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وقبل أن يصطدم هؤلاء المهاجرون بالأسلاك الشائكة الحديدية وقوات حرس الحدود الشرطة المدججة بالأسلحة بهدف منعهم من دخول الأراضي البولندية كان عليهم قطع رحلة طويلة من دول الشرق الأوسط نحو بيلاروسيا ومنها التحرك سيراً على الأقدام إلى بولندا، وهي رحلة لطالما خلفت عدداً من الضحايا اذ توفي ٨ أشخاص في بيلاروسيا بسبب البرد القارص عند الحدود مع بولندا.

يشار إلى أن بيلاروسيا تقع على حدود الاتحاد الأوروبي، ولا تفصل بينها وبين دول الاتحاد إلا بولندا، ويتشارك البلدان في شريط حدودي يبلغ طوله نحو 271 كيلومتراً.

بداية الأزمة..

وفي شهر يونيو/حزيران 2021، فرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات على بيلاروسيا، استهدفت قطاعات اقتصادية في البلاد، رداً على تصاعُد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بيلاروسيا، وذلك بعد إعلان رئيس بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشينكو” فوزه بالانتخابات في أغسطس/آب 2020، لكن معارضيه اتهموه بالتزوير، وخرج محتجون بالشوارع وواجهتهم قوات السلطة بعنف شديد.

مهاجرون على الحدود البيلاروسية البولندية

كما تطور الأمر في مايو/ أيار من العام نفسه عندما أبلغ مراقبو الطيران في بيلاروسيا طاقم طائرة “ريان إير” بتهديد مزعوم بوجود قنبلة، وأجبروها على الهبوط في العاصمة مينسك، ليتم اعتقال المعارض “براتاسيفيتش” الذي كان على متن الطائرة.

وهنا خرج الرئيس البلاروسي “لوكاشينكو”، مهددا بورقة اللاجئين، وقال في يوليو/تموز 2021: “من يظن أن مينسك ستغلق حدودها مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا، وتغدو مقر إقامة للاجئين القادمين من أفغانستان وإيران والعراق وليبيا وسوريا وتونس “فهو على خطأ”.

أما في شهر يوليو/تموز 2021، كانت ليتوانيا جارة بيلاروسيا على موعد مع تدفق المهاجرين، الذين وصلوا عبر بيلاروسيا إلى الحدود، وحينها توترت علاقات البلدين، وحمّلت ليتوانيا مينسك المسؤولية، ثم اتجهت مينسك إلى تسهيل المهاجرين إلى بولندا، وهي الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي إذا اجتازها المهاجرون يكونون قد وصلوا إلى ألمانيا، ليحاول آلاف المهاجرين الذين ينحدر معظمهم من منطقة الشرق الأوسط عبور الحدود بين بيلاروسيا وبولندا.

وما زاد من حجم التوتر وكشف نوايا بيلاروسيا هو ظهور مقاطع مصورة تكشف مرافقة قوات حرس الحدود البيلاروسية للمهاجرين، وصولاً إلى الحدود البولندية.

دمشق نقطة الانطلاق المركزية..

ولم تكن طريقة وصول هؤلاء المهاجرون إلى بيلاروسيا من قبيل الصدفة، وإنما تم التلاعب بها كورقة سياسية منذ التوتر بين مينسك وبروكسل، الأمر الذي استفاد منه الراغبون في الهجرة، والذين ينطلقون بأعداد هائلة من مطار دمشق في سوريا عبر خطوط طيران شركة “أجنحة الشام” المملوكة لرجال اعمال مقربين من النظام السوري.

سفارة بيلاروسيا في العاصمة السورية دمشق كانت قد فتحت أبوابها لاستقبال طلبات الفيزا، بتكلفة لا تتجاوز 60 يورو، بحسب مصادر صحفية، فيما بدأت مينسك منذ سبتمبر/أيلول 2021، تستقبل مزيداً من رحلات الطيران القادمة من الشرق الأوسط.

وكشفت المواقع التي تقدم بيانات عن رحلات الطيران أن سوريا التي تعد من الدول الصديقة لبيلاروسيا زادت بشكل ملحوظ من أعداد رحلاتها الجوية إلى مينسك، عبر خطوط “أجنحة الشام”، التي فرضت أمريكا عقوبات عليها عام 2016 بسبب دعمها لنظام الأسد.

كما تشير أرقام الرحلات إلى أن هناك على ما يبدو اتفاقاً ضمنياً بين نظام “الأسد” والسلطات في “مينسك” على استقدام سوريين إلى الأراضي البيلاروسية، إذ انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من الإعلانات السياحية التي تروج للذهاب إلى بيلاروسيا، وبعض الإعلانات كانت تعود إلى مكاتب في دمشق.

وأجرت الطائرة Airbus A320-211 التابعة لـ”أجنحة الشام”، 18 رحلة من وإلى بيلاروسيا، بدءاً من تاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2021، وحتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أي في الفترة التي بدأت الدول المجاورة لبيلاروسيا تشهد مزيداً من التدفق للحدود.

اللافت أن هذه الطائرة لم تتوجه إلى بيلاروسيا منذ بداية العام 2021، ولم تبدأ أولى رحلاتها إلا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

أما الطائرة Airbus A320-212، والتابعة أيضاً لخطوط “أجنحة الشام”، فإنها أجرت 36 رحلة من وإلى العاصمة البيلاروسية مينسك، وانطلقت الرحلة الأولى يوم 10 سبتمبر/أيلول 2021، وآخر رحلة في يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ولم تنظم هذه الطائرة أي رحلة إلى بيلاروسيا منذ بداية العام الجاري.

وبذلك تكون خطوط “أجنحة الشام” قد أجرت 54 رحلة من وإلى بيلاروسيا منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2021 وحتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

يذكر أن موقع “أجنحة الشام” لا يزال ينظم المزيد من الرحلات، حتى أن موقعها يظهر أن الرحلات المقبلة إلى مينسك أصبحت ممتلئة بالكامل.

مهاجرون يحاولون اجتياز الحدود نحو بولندا

في المقابل، لا تنظم شركة “أجنحة الشام” الكثير من رحلات العودة حتى أن آخر رحلة عودة مجدولة في يوم 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وليس على جدول الشركة رحلات أخرى على الأقل حتى بداية الشهر المقبل، ما يشير إلى أن من سافر إلى بيلاروسيا من سوريا ويريد العودة للأخيرة سيبقى عالقاً لأيام.

تهريب وسماسرة..

وعلى أثر هذا النشاط الجوي الكثيف من سوريا إلى بيلاروسيا، أصبح مطار دمشق الدولي نقطة عبور مركزية نحو مينسك، كما تم إنشاء مجموعات كبيرة عبر فيسبوك بغرض الاستفسار عن السفر إلى بيلاروسيا، وتزامن تاريخ إنشاء بعضها مع بدء أزمة بيلاروسيا مع الاتحاد الأوروبي في الصيف الماضي، وتقدم هذه المجموعات كمّاً هائلاً من المعلومات حول السفر إلى بيلاروسيا، ومن ثم إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، كما احتوت المنشورات على شهادات قال أصحابها: إنها” تعود لأشخاص هاجروا إلى بيلاروسيا، وتحدَّث بعضهم فيها عن الوضع عند الحدود، وآخرون عن عنف قوات حرس الحدود، إضافة إلى بعض النصائح”.

ويتبادل أعضاء المجموعات أرقاماً لمهربين موجودين عند الحدود، إضافة إلى أرقام أشخاص يؤمّنون شققاً مفروشة في بيلاروسيا، اذ أكد عدد من أعضاء المجموعات عن أن الفنادق في بيلاروسيا يرفضون استقبال المهاجرين، كما ينشط عمل السماسرة الذين يعرضون مساعدة المهاجرين على الوصول إلى ألمانيا مقابل المال.

بدوره، قال ممثل إحدى شركات السفر في العاصمة دمشق، إن “بإمكان المواطنين السوريين الراغبين بالسفر إلى بيلاروسيا الحصول على تأشيرة وتذكرة لرحلة مباشرة من دمشق عن طريق تقديم المستندات المطلوبة”.

وأضاف الممثل في تصريحات لوسائل اعلام الروسية  “نعم يمكن للراغبين الحصول على تأشيرة سفر معنا سيكلفك ذلك 1850 دولارا أمريكيا بدون تذكرة وإقامة”.

وتبلغ التكلفة الرسمية للتأشيرة عند التقدم للحصول على تأشيرة في القسم القنصلي في سفارة بيلاروسيا في دمشق 60 يورو، وتكلف خدمات التأمين المواطنين الأجانب 120 يورو، مشيرا إلى أن شركتهم تقدم المساعدة فقط في الحصول على التأشيرة وشراء تذكرة بدون حجز مكان للإقامة.

إلى جانب ذلك، أكد ممثل شركة أخرى، بأن شركتهم، تعمل فقط مع الكيانات القانونية، وتكلف عملية السفر إلى بيلاروسيا 14 مليون ليرة سورية (حوالي 4.5 ألف دولار أمريكي) مضيفا أن هذه التكلفة تشمل التأشيرة والتأمين والتذكرة.

وأشار ممثل عن شركة “حبق الشام” في دمشق أنها تبيع كافة الخدمات المتعلقة بالسفر إلى بيلاروسيا مقابل 16 مليون ليرة سورية (حوالي 5.3 ألف دولا”، موضحاً أن ” الشركة تمنح تأشيرة دخول، وحجز فندق 4 نجوم في مينسك لمدة سبعة أيام، ولدى شركة سفر مسجلة رسميًا مع ترخيص، تسجيل رحلة بضمانات”.

وبحسب مصادر “أخبار القارة الأوروبية” يشكل العراقيون النسبة الأكبر من المهاجرين الذين يحاولون عبور هذا الطريق، بما في ذلك أعضاء الميليشيات السابقة – خاصة ميليشيا الحشد الشعبي-، والباقي يتألف إلى حد كبير من سوريين ولبنانيين وأفغان.

اللاجئون يدفعون مبالغ كبيرة لمحاولة السفر إلى ألمانيا، مستفيدين من شبكة راسخة من مهربي البشر والتي من المرجح أن تضمن استمرار تدفق المهاجرين في الأشهر المقبلة.

التأشيرة إلى بيلاروسيا..

يكلف الحصول على تأشيرة سياحة إلى بيلاروسيا حاليًا حوالي 1600 دولار أمريكي (حوالي 1380 يورو)، والتي تشمل الإقامة لمدة 3-7 أيام في فندق في مينسك.

يتم الحصول على التأشيرات من خلال الشركات المحلية في بلد منشأ اللاجئين والتي تعمل بالشراكة مع مشغلي السياحة في بيلاروسيا، ويتم إصدار التأشيرات إلكترونيًا ولا يُطلب من مقدم الطلب زيارة سفارة بيلاروسيا، أما متطلبات التأشيرة للسوريين فهي نسخة من أول صفحتين من جواز سفر ساري المفعول وصورة.

لا تشمل رسوم التأشيرة تذكرة طيران، والتي تكلف ما بين 500 دولار أمريكي (430 يورو) و 1000 دولار أمريكي (860 يورو) إضافية.

يسافر معظم اللاجئين إلى مينسك على متن شركة طيران بيلاروسيا “بيلافيا” أو “فلاي دبي”، التي تسير رحلات من تركيا. لا يتم تفضيل الخطوط الجوية التركية وبعض شركات الطيران الأخرى لأنها ترفض عمومًا نقل الركاب السوريين إلى بيلاروسيا، لأن التأشيرة البيلاروسية ليست ملحقة جسديًا أو ملتصقة داخل جوازات سفرهم. بالنسبة للسوريين الذين يسافرون من دمشق، هناك رحلة يومية بأجنحة الشام إلى مينسك.

جنود من الجيش البولندي يراقبون الحدود لمنع دخول المهاجرين

أما بالنسبة للاجئين الذين يستخدمون خدمات المهرب قبل بدء رحلتهم، تتراوح التكلفة من تركيا أو لبنان أو العراق إلى ألمانيا عادة بين 7000 و 9000 يورو، ولا تشمل الرحلات الجوية، ويدفع المسافر أيضًا تكلفة أي إقامة فندقية إضافية في بيلاروسيا حالة فشل محاولته الأولى للعبور إلى بولندا.

ويتلقى المهربون الدفع بإحدى طريقتين، الأول من خلال مكاتب الودائع الآمنة في منطقة أكساري بإسطنبول، أو في مكاتب “العساف وأهل الشام والشيماء”.

الطريق نحو ألمانيا..

وأكدت مصادر خاصة لـ”أخبار القارة الأوروبية” أن “غالبية الوافدين إلى مينسك كانوا عراقيين، بما في ذلك خلال الموجة الأخيرة من الوافدين والتي ضمت عدداً من مقاتلي لجنة الحشد الشعبي السابقين. كما تشير التقارير إلى أن بعض اللاجئين العراقيين واللبنانيين يسافرون بجوازات سفر سورية”.

ومن بين السوريين الذين وصلوا إلى بيلاروسيا، سافر معظمهم من مناطق سيطرة النظام، وخاصة دمشق، وهم من أنصار النظام، لكن الموجة الأخيرة من الوافدين شملت أيضًا العديد من السوريين من محافظة درعا الذين سبق لهم التوقيع على ما يسمى “باتفاقات المصالحة” مع النظام السوري.

يبلغ طول الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا حوالي 420 كم، ومع ذلك تتم معظم محاولات العبور على طول الامتداد الشمالي للحدود بطول 150 كم؛ وذلك لأن المنطقة الواقعة إلى الجنوب يصعب عبورها بسبب طبيعة تضاريسها، وهي غابات وتنتشر فيها البحيرات، بدأت السلطات البولندية نصب الأسلاك الشائكة على طول الجزء الشمالي من حدودها مع بيلاروسيا في محاولة لتثبيط اللاجئين، حتى الآن  تم الانتهاء من حوالي 100 كيلومتر.

وتؤكد المصادر أن “الجيش البيلاروسي ينقل المهاجرين من مينسك إلى الحدود بشكل يومي، بالإضافة إلى ذلك، قام الجنود بإحداث ثقوب في سياج الأسلاك الشائكة على طول الحدود لمساعدة اللاجئين على دخول بولندا”، بينما ذكرت التقارير أن تواطؤ من جانب الجيش البولندي، الذي قام في بعض الأحيان بنقل مهاجرين في سيارات من القرى الحدودية البيلاروسية إلى نقاط العبور على الطرف المقابل.

يشار إلى أن أزمة المهاجرين زادت من حدة التصعيد بين بولندا ومن خلفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جانب، وكذلك بيلاروسيا ومن خلفها روسيا، في أزمة قد تكون لها تبعات غير محمودة العواقب بدأت بتواطؤ نظام الأسد في الشرق الأوسط وتمدد حصداها إلى كافة أوروبا والعالم.

Exit mobile version