البوسنة والهرسك.. “قنبلة مهاجرين” قد تنفجر في قلب أوروبا

البوسنة والهرسك.. "قنبلة مهاجرين" قد تنفجر في قلب أوروبا

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

تعد الهجرة واحدة من الأزمات التي عصفت بأوروبا في السنوات الأخيرة الماضية، ورغم محاول دول التكتل احتواء الأزمة، إلا أن ما يجري في البلقان قد يشكل خطرا داهما على استقرار القارة العجوز برمتها ويعيد عقارب الساعة نحو مأساة تسعينيات القرن الماضي، وحينها ستتفاقم أزمة اللجوء والهجرة بشكل أعمق من الوضع الحالي.

فالبوسنة والهرسك تعاني من أزمة سياسية خانقة أصبحت كقنبلة موقوتة تنذر بإعادة أحداث الحرب الأهلية التي أودت بحياة الآلاف وشهدت تطهيرا عرقيا ضد المسلمين فيها، والسبب لم يتغير بعد وهو رغبة الصرب في الانفصال عن البوسنة والهرسك.

خطر الانهيار..

الممثل السامي للمجتمع الدولي في سراييفو، “كريستيان شميت”، حذر من أن اتفاقية السلام التي وُقعت في نهاية الحرب بوساطة أمريكية تواجه خطر الانهيار إذا لم تُتَّخذ إجراءات لوقف ضغوط الانفصاليين الصرب الرامية للانفصال، وذلك بسبب تهديد الزعيم الصربي “ميلوراد دوديك”، أحد أعضاء المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك المكون من ثلاثة أشخاص، مراراً بالانفصال عن بقية البلاد، التي كانت منذ الحرب تتألف من منطقتي حكم ذاتي مرتبطتين بحكومة مركزية، عن طريق سن تشريع يمكن أن يؤدي إلى انفصال جمهورية صرب البوسنة عن المؤسسات المشتركة للدولة، مثل القوات المسلحة والهيئات القضائية، وهو ما قال “شميت” إنه :”مُعادلٌ للانفصال بدون الإعلان”.

ما يجري في البوسنة والهرسك يثير الارتباك خاصة وأن مجلس الأمن قد اجتمع هذا الأسبوع لإعادة تفويض قوة الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك (EUFOR) الباقية في البلاد منذ أمد طويل.

وكانت التوترات الطائفية قد استمرت في البوسنة والهرسك بين المجتمعات منذ نهاية الحرب ومنذ توقيع اتفاقية دايتون بوساطة أمريكية، وهي الاتفاقية التي أنهت حرباً استمرت لثلاثة أعوام ونصف عن طريق تقسيم الدولة على طول الخطوط العرقية، إلى جمهورية الصرب والاتحاد البوسني الكرواتي، الذي يتشارك فيه البوسنة والكروات، وترتبط المنطقتان بمجلس رئاسي مكون من ثلاثة أشخاص، ومبعوثين دوليين، وحكومة مركزية.

“دوديك” كان قد أبدى رفضه لتشريع جديد سُنّ مؤخراً عن طريق مكتب المفوض السامي، يمكن أن يُعاقَب بموجبه بالسجن أيُ شخصٍ ينكر الإبادة الجماعية التي ارتُكبت، وهو ما وصفه “دوديك” بمسمار في نعش البوسنة.

“أرمينكا هيليتش”، السياسية البريطانية المولودة في البوسنة وعضو مجلس اللوردات البريطاني والمستشارة الخاصة السابقة لوزير الخارجية البريطاني قالت: “المواطنون في أنحاء البوسنة والهرسك -بمن فيهم الموجودون في كيان جمهورية صرب البوسنة- يخشون العنف، أي خطوة أبعد نحو الانفصال سوف تؤدي على الأرجح إلى ردة فعل،  ليس هناك طريقة يمكن أن تؤدي إلى جعل انفصال البوسنة والهرسك يحدث في سلام”.

أزمة لاجئين مرتقبة..

الصراع العنيف سوف يؤدي إلى أزمة لاجئين وأناس نازحين، وهو ما حدث في التسعينيات من القرن الماضي وفي العقد الأول من القرن الحالي حيث فر أشخاص من البوسنة إلى البلاد المجاورة، مثل الجبل الأسود، وهو ما قد يشكل كارثة للاتحاد الأوروبي والمجتمع الأطلسي الأوسع، نظراً إلى أنها ستكون أزمة أمنية أخرى في جنوب شرق أوروبا المتقلب للغاية فعلياً، وبالتالي فإن حدوث تدهور كبير في أمن واستقرار البوسنة هو شيء لا يمكن تحمله من جانب الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة.

ما يزيد من المخاوف من تفاقم الوضع في البلقان هو تربص روسيا بالموقف خاصة وأن تضحية المجتمع الدولي بالصرب، قد تدفعهم أكثر وأكثر نحو أحضان روسيا، بالبلقان تقع عند عتبة الاتحاد الأوروبي، والنفوذ الروسي المتزايد في المنطقة يعطيهم موطئ قدم إذا أرادوا زعزعة الأمور أكثر من ذلك.

إخفاق أوروبي ودور مرتقب..

مصادر عديدة في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الناتو وفي المجتمع الدبلوماسي الأوروبي الأوسع أعربت عن الندم من إخفاق الغرب التاريخي في فرض عقوبات أو التحرك ضد الأشخاص الذين يذكون نيران الفتنة في البوسنة والهرسك، مثل “دوديك” وجماعته من الانفصاليين ومنكرو الإبادة الجماعية الذين جرى استرضاؤهم باستمرار على مدى 15 عاماً عن طريق المجتمع الدولي، رغم حديثهم عن الانفصال وتحركهم نحوه منذ عام 2006، فصربيا وروسيا هما المدبرتان الرئيسيتان لهذه الأزمة، لكن رفض المجتمع الدولي -ولا سيما دول حلف الناتو- للتحرك بحسمٍ من أجل القضاء على هذا الأمر في مهده منذ سنوات تَسبب في تجرؤ “دوديك ومؤيديه”، لاسيما وان الاتحاد الأوروبي تعامل بشكل مخيب للآمال مع الأزمة وبطرق غير فاعلة في حلها.

من جانبه قال مسؤول كبير لدى الاتحاد الأوروبي إن هناك إرادة سياسية بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لفعل شيء أكثر أهمية، لكنه اعترف بأنه سيكون صعباً للغاية اجتماع جميع الأعضاء الـ 27 على الطاولة بدون تقديم تنازلات كبيرة لدول الكتلة فيما يتعلق بالقضايا الأخرى.

الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمكنها “تفعيل العقوبات الأحادية ضد” دوديك وحاشيته، وهو شيء يعتقد أنه سيحمل بعض التأثير، لكن الدبلوماسية لم تنجح في تسعينيات القرن الماضي، وتسبب النهج الأوروبي الفاشل في  هلاك أكثر من 100 ألف شخص، وأكثر من مليون لاجئ.

انتظار أوروبا لسنوات قد يعيد الأحداث في البوسنة للمربع الأول ولذلك فإن النهج الأشد يمكن أن يكون فرض العقوبات، مصحوباً بالتعامل مع تحركات الانفصاليين على أنها “تحد أمني أوروبي”، وكلما حد ذلك في وقت أقرب، كان أفضل وأيسر.

ساحة نفوذ..

من جانبه  قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إن تركيا لا تريد أن تتحول البوسنة والهرسك إلى ساحة نفوذ وتنافس للأطراف التي لديها حسابات بشأن هذه المنطقة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن بلاده كثّفت من جهودها الدبلوماسية عقب التوترات الأخيرة، وقال: “مهما يفعل الآخرون سنواصل احتضان الصرب والكروات والأرناؤوط والمقدونيين إلى جانب أشقائنا البوشناق”.

وبحسب أردوغان، من المقرر أن تدعو تركيا قريباً مسؤولين من البوسنة والهرسك للقاء في أنقرة، بمن فيهم الزعيم الصربي “ميلوراد دوديك”، إلى جانب “شفيق جعفروفيتش” ممثل البوشناق و”زليكو كومسيك” ممثل الكروات في المجلس.

الدول الغربية تعاني بما يكفي لإيلاء الاهتمام الكافي إلى دولة ليست على رأس قائمة أولوياتها في الوقت الراهن، وحتى إذا كانوا عازمين على التصرف، فهم لا يرون الوقت مناسبا لذلك، لكن الأزمة في البلقان قد تجبر دول التكتل على الالتفات لها خوفا من موجة أعتى من المهاجرين وعدم استقرار يلوح في الأفق.

Exit mobile version