خلافات بين الكيانات الممثلة لمسلمي فرنسا والسبب “المجلس الوطني للأئمة”

أخبار القارة الأوروبية – فرنسا

بدأت تظهر للسطح شقوق في الصف الإسلامي داخل فرنسا وذلك بعد إعلان اتحادات إسلامية، على رأسها مسجد باريس الكبير، تشكيل المجلس الوطني للأئمة في فرنسا، والذي يهدف لتنظيم مسألة انتداب أئمة الدين الإسلامي من الدول العربية والمغاربية وتأهيلهم، وهو ما سلط الضوء على الانقسامات بين مسجد باريس الكبير و”المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” الذي ينظم شؤون عبادة المسلمين في البلاد.

الكيان الجديد ضم “مسجد باريس الكبير”، و”تجمع المسلمين في فرنسا” و”اتحاد مسلمي فرنسا” و”الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية من أفريقيا وجزر القمر وجزر الأنتيل”، وقد عقدت هذه الاتحادات أول مؤتمر لها، يوم الأحد الماضي، بحضور عدة وجوه تمثل الدين الإسلامي في فرنسا، واضعة حجر الأساس للمجلس.
رئيس اتحاد مسلمي فرنسا “أنور كبيبش” الذي وصف يوم إنشاء هذا الكيان بأنه “يوم تاريخي”، لأنه شهد ميلاد منظمة تعنى بالأئمة وتسعى لمعالجة مشاكلهم، على حد قوله.

من جانبه أكد عميد مسجد باريس الكبير “شمس الدين حفيظ”، أن مهمة المنظمة الجديدة تتمثل في تحسين وضعية الأئمة والمرشدات في كافة المحافظات الفرنسية، كما سينظم دورات تكوينية على كافة الأصعدة، وجاء ذلك أمام 200 من الأئمة ومديري المساجد من أنحاء فرنسا خلال تجمع لهم في العاصمة باريس.
وصوت رؤساء الهيئات الأربع والأئمة صباح الأحد على النظام الأساسي لـ”المجلس الوطني للأئمة” وانتخبوا بالإجماع الإمام “با أمادو” رئيسا له.

شمس الدين حفيظ رئيس مسجد باريس الكبير

هذا الكيان الجديد يعد خطوة استباقية مناوئة لنية الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إنشاء منظمة مماثلة تابعة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وهي المنظمة الرسمية في البلاد، حيث يسعى “ماكرون” إلى إحكام قبضته على الأئمة المسلمين في البلاد، عبر إجراءات من شأنها إبقاؤهم تحت سلطة “قيم الجمهورية” أو منعهم من العمل في المجال الدعوي.

جدل حول ميثاق تنظيم شؤون المسلمين

يعود الغضب المتبادل، إلى النقاشات حول قانون مكافحة “الانفصالية الإسلامية” وإلى المطالب التي فرضها “إيمانويل ماكرون” على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بصياغة ميثاق جمهوري للأئمة يكون شرطًا لممارستها في فرنسا، فلم يحظ النص الذي اقترحه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بالإجماع. فالرئيس الفرنسي منذ عام يسعى إلى إنشاء منظمة خاصة بالأئمة وإلزام جميع المساجد والاتحادات بالتوقيع على ميثاق خاص، وسط رفض واسع لهذه الخطوة، خاصة بعد الشروط والعقوبات التي طرحتها السلطات لرافضي التوقيع.

“ماكرون” يعتزم تشكيل مجلس وطني يكون مسؤولا عن إصدار الاعتمادات للأئمة المسلمين في فرنسا وسحبها منهم “إذا اقتضت الحاجة”، وذلك ما ينظر إليه من جانب أطراف إسلامية عدة على أنه تصعيد مستمر ضد الإسلام في البلاد، الأمر الذي دفع عددا من الاتحادات المنضوية في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لرفض التوقيع على ميثاق مبادئ لتنظيم شؤون المسلمين في فرنسا بصيغتها الحالية.

الاتحادات الرافضة أصدرت بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرتها فقرات وصياغات في النص من شأنها أن تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة، مضيفة أن بعض العبارات الواردة في الميثاق تمس شرف المسلمين ولها طابع اتهامي وتهميشي.

الميثاق الذي أثار الجدل ينص على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، وعلى توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ويشدد على رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية، وعلى ضرورة عدم تدخل دول أجنبية في شؤون الجالية، وفق رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المغربي “محمد موسوي”.

إقرار ميثاق المبادئ يمهد الطريق أمام إنشاء مجلس وطني للأئمة سيكون مكلفا بالإشراف على الأئمة في فرنسا، وبمقدوره سحب التراخيص الممنوحة لهم لمزاولة نشاطهم الديني في حال خرقوا مبادئ الشريعة.

محمد موسوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المغربي

“موسوي” وصف هذا التكتل الجديد بأنه بأنه “سطو على العمل المنجز برعاية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، حيث كان قد أعلن إنشاء “مجلس وطني للأئمة” في 12 ديسمبر المقبل، وأضاف أن مجلسه يحتفظ “بالحق في استعمال كل الوسائل القانونية لوضع حد لهذا الموقف غير المسؤول”.

الطريف، أن الطرفين المتصارعين يؤكدان أن إنشاءهما لذلك المجلس استجابة لدعوة الرئيس “ماكرون”، الذى كان قد طالب مسلمى فرنسا، فى ٢ أكتوبر ٢٠٢٠، بتقديم ميثاق، يحدّد طبيعة علاقة الإسلام بالجمهورية وقيمها، وعلى رأسها رفض العنف والتدخل الخارجي فى شئونهم وإنشاء مجلس وطني للأئمة، تكون مهمته الموافقة على تعيين الأئمة، بعد تأهيلهم.

الهدف: أئمة الخارج

عملية إنشاء مجلس وطني للأئمة سواء من هذا الجانب أو ذاك تهدف إلى إنهاء تأثير الأئمة من الخارج، حيث يوجد حالياً 300 إمام في فرنسا، يتم دفع أجرهم بموجب اتفاقيات ثنائية: 150 تركيًا، و 120 جزائريًا، و 30 مغربيًا، وبحسب التقديرات، فإن غالبية الأئمة من المتطوعين – حوالي ألفي إمام لـ 2500 مكان عبادة إسلامي في فرنسا.

وتتميز الكيانات المنشقة بأنها مقربة من جنسيات مختلفة، منها الموالية للجزائر، على غرار مسجد باريس الكبير بحكم التمويل، ومنها الموالية للمغرب على غرار “تجمع مسلمي فرنسا” المقرب من حزب العدالة والتنمية الذي هيمن على الحكومة المغربية لعهدتين، واتحاد المنظمات الإسلامية المستقلة، المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين العابر للحدود.

تمرد المنظمات الإسلامية يعيد الانقسام حول الإسلام إلى الواجهة

ومن شأن تمرد المنظمات الإسلامية على القرار الرسمي في فرنسا، أن يضع عقبات كبيرة في طريق سياسة “ماكرون” التي ينظر إليها على أنها معادية للجالية المسلمة، لا سيما أن المجتمع الفرنسي يعيش على وقع انقسام في التعاطي مع الإسلام ومعتنقيه، بين اليمين واليمين المتطرف المعروف بمعاداته للأجانب والمهاجرين بشكل عام، وكذلك اليسار الذي يطالب بترك الحريات للجاليات المسلمة في ممارسة شعائرها بدون تضييق أو استفزاز، إلى درجة أن هناك من اليمينيين من بات يتهم اليسار بمحاباة معتنقي الإسلام، ويصفونهم بـ”الإسلام اليساري”.

ولا يعتقد أن السلطات الفرنسية ستتدخل في صراع الأئمة قبل الانتخابات المقبلة لكن يخشى دخولها على خط هذه الأزمة واتخاذ إجراءات لصالح المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يعد مواليا لها ما يفتح الباب إلى انعزال جزء كبيرة من مسلمي فرنسا، ويخلق شقوقا واسعة في بنية المجتمع الفرنسي ويصعب كثيرا من فرص دمج المسلمين فيه بسبب ما يرونه سياسة عدائية من الحكومة تجاههم تستهدف عقيدتهم وهويتهم الثقافية بشكل مباشر.

Exit mobile version