البريطاني “تشارلز شرينغتون” رائد علم الأعصاب ووظائف الأعضاء

أخبار القارة الأوروبية- بورتريه

يعد السير “تشارلز سكوت شرينغتون” واحدا من أهم العلماء  في مجالات الفزيولوجيا العصبية وعلم الأنسجة وعلم الأحياء الدقيقة وعلم الأمراض.

ولد “شيرنغتون” في “إزلنغتون” بالعاصمة البريطانية لندن في 27 نوفمبر/تشرين 1857، وقد ورث حبه للفن من أبيه “كاليب”، الذي كان مهتماً بفن مدرسة نورويتش الفنية الإنجليزية، كما كان كاليب مهتماً بالثقافة وشهد تشارلز العديد من لقاءات كاليب بالمثقفين في المنزل.

التحق بمدرسة “إبسويتش” في مدينة “إبسويتش” بمقاطعة “سوفولك” سنة 1871، وكان الشاعر الإنجليزي الشهير “توماس آش” يعمل بهذه المدرسة، فساهم هو الآخر في إلهام “شيرنغتون” وتحبيبه في الكلاسيكيات وحب السفر.

دفع “كاليب روز بربيبه” “شيرنغتون” إلى دراسة الطب، فدرس في البدء في كلية الجراحين الملكية، كما تطلع للدراسة في كامبردج، ثم التحق بمستشفى “سانت توماس” في سبتمبر 1876 بصفة “تلميذ دائم”، وفي تلك الكلية تخصص “شيرنغتون” في علم وظائف الأعضاء وتتلمذ على البروفيسور سير “مايكل فوستر”، الذي يلقب بأبي الفزيولوجيا البريطانية.

حصل “شيرنغتون” على عضوية كلية الجراحين الملكية في 4 أغسطس 1884، وفي سنة 1885 حصل على الدرجة الأولى في العلوم الطبيعية مع درجة التميز، وفي السنة ذاتها حصل على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة كامبردج، ثم حصل سنة 1886 على رخصة الكلية الملكية للأطباء.

في سنة 1881 عقد المؤتمر الطبي الدولي السابع في لندن، وكان هذا المؤتمر هو بداية اهتمام شيرنغتون بالأبحاث في مجال الأعصاب، بعد أن شهد جدلاً علمياً عن وظائف القشرة المخية بين اثنين من العلماء البارزين المشاركين في المؤتمر، وشكلت لجنة لحسم هذا الجدل كان دور شيرنغتون فيها ـ كمساعد لأستاذه جون نيوبورت لانغلي ـ هو فحص أنسجة المخ مجهرياً، ونشر لانغلي وشيرنغتون نتائج هذا البحث في ورقة علمية نشرت سنة 1884، لتكون أول ورقة علمية تنشر لشيرنغتون.

عمله بمعهد “براون”

في سنة 1891 عين شيرنغتون مشرفاً على معهد “براون” للأبحاث الفسيولوجية والباثولوجية المتقدمة بجامعة لندن، وهو مركز مختص بدراسة علم وظائف الأعضاء وعلم الأمراض في كل من الإنسان والحيوان، وفي سنة 1895 عين شيرنغتون لأول مرة أستاذاً كامل الصلاحيات، وذلك عندما تولى في ذلك العام كرسي “هولت” لعلم وظائف الأعضاء في ليفربول، خلفاً لــ”فرانسيس غوتش”، وبدأ شيرنغتون أبحاثه حول المنعكسات والتعصيب المتبادل (بالإنجليزية: reciprocal innervation). وقد جمع شيرنغتون نتائج الأوراق البحثية التي نتجت عن هذه الأبحاث في محاضرة ألقاها سنة 1897.

وضح “شيرنغتون” أن درجة استثارة عضلة ما تتناسب تناسباً عكسياً مع درجة استثارة العضلات ذات الفعل المعاكس لها، وقد واصل شيرنغتون أبحاثه حول التعصيب المتبادل أثناء عمله في لبفربول، وبحلول عام 1913 كان بإمكان “شيرنغتون” أن يقول إن: “عمليتي الاستثارة والتثبيط قد ينظر إليهما كمتقابلين يقع كل منهما على طرف نقيض من الآخر…. ويمكن لإحداهما أن تحجّم أثر الأخرى”، وقد كانت أبحاث شيرنغتون عن التعصيب المتبادل مساهمة بارزة في فهم العلم الحديث للحبل الشوكي.

سعى “شيرنغتون” منذ سنة 1895 للعمل بجامعة أكسفورد، ولكن ذلك لم يتحقق إلا سنة 1913، عندما عرضت جامعة أكسفورد عليه منصب أستاذ كرسي وينفليت لعلم وظائف الأعضاء، وقد فاز شيرنغتون بهذا الكرسي “بالتزكية”؛ إذ لم ترشح الجامعة للكرسي أحداً غيره..

وفي مارس/آذار 1916 وقف شيرنغتون مدافعاً عن حق النساء في الالتحاق بمدرسة الطب بجامعة أكسفورد، ثم حصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1932 مناصفة مع مواطنه “إدغار أدريان”.

تقاعد “شيرنغتون” من جامعة أكسفورد سنة 1936، ثم رحل إلى مدينة “إبسويتش” التي عاش فيها صباه، فبنى بيتاً، وظل مع ذلك على علاقة مراسلة مع تلاميذه وغيرهم المنتشرين في أنحاء العالم، كما واصل ممارسة اهتماماته بالشعر والتاريخ والفلسفة، وتولى رئاسة متحف إبسويتش منذ سنة 1944 وحتى وفاته.

ظلت ملكات “شيرنغتون” الذهنية متوقدة حتى وفاته، إلا أن صحته الجسدية وهنت في شيخوخته، وكانت معظم معاناته الصحية راجعة إلى إصابته بالتهاب المفاصل الرثياني (الروماتويد)، الذي أدى في النهاية إلى إلحاق شيرنغتون بمصحة سنة 1951.

كما حصل “شيرنغتون” على درجة الدكتوراه الفخرية من 22 جامعة هي جامعات أكسفورد وباريس ومانشستر وستراسبورغ ولوفان وأوبسالا وليون وبودابست وأثينا ولندن وتورنتو وهارفارد ودبلن وإدنبرة ومونتريال وليفربول وبروكسل وشيفلد وبرن وبيرمنغهام وجامعة غلاسكو وجامعة ويلز.

في 27 أغسطس/ آب 1891 تزوج شيرنغتون من إثيل ماري رايت، ورزق منها بابن وحيد ولد سنة 1897 هو كار شيرنغتون، وتوفي “شيرنغتون” في “إيستبورن” بمقاطعة “شرق ساسكس” في 4 مارس/ آذار 1952 من جراء فشل مفاجئ في القلب.

Exit mobile version