أخبار القارة الأوروبية – بريطانيا
تعتبر بريطانيا من الدول التي يقصدها المهاجرون ويعتبرونها حلما لا بديل عنه، ويخاطرون بحياتهم عابرين بحر المانش الذي يفصلها عن فرنسا من أجل الوصول إلى حلمهم المنشود، لكن الكثير منهم قد يفاجأ بأن الأمور ليست بالسهولة التي يتصورها.
وخلال الأيام القليلة الماضية استمر توافد المهاجرين على المملكة المتحدة حيث أكدت وزارة الداخلية البريطانية عبور أكثر من 270 مهاجرا إلى المملكة المتحدة انطلاقا من سواحل كالية الفرنسية أمس الأحد 19 كانون الأول/ديسمبر، ونحو 900 مهاجر يومي الخميس والجمعة 16 و17 كانون الأول/ديسمبر.
فبعد عبور نحو 900 مهاجر إلى المملكة المتحدة انطلاقا من سواحل كاليه الفرنسية، يومي الخميس والجمعة الماضيين 16 و17 كانون الأول/ديسمبر، أكدت وزارة الداخلية البريطانية وصول نحو 274 مهاجرا إلى ميناء دوفر البريطاني على متن 11 قاربا أمس الأحد 19 كانون الأول/ديسمبر، فيما ضافت الهيئة العامة للإذاعة البريطانية “بي بي سي” إنقاذ القوات الفرنسية لنحو 57 آخرين في اليوم نفسه.
وأوضحت أنه تم وصول 559 مهاجرا يوم الخميس 16 كانون الأول/ديسمبر إلى ساحل كينت البريطاني على متن 19 قاربا، و358 يوم الجمعة 17 كانون الأول/ديسمبر على متن 10 قوارب، مؤكدة إنقاذ السلطات الفرنسية لأكثر من 178 مهاجرا.
من جانبه أكد قائد وحدة مواجهة “التهديد غير القانوني في القناة الإنجليزية“ “دان أوماهوني”، عزمه على مواجهة الشبكات التي تقف وراء تسهيل عبور المهاجرين، بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين، مشيرا إلى وجوب تقديم طلب اللجوء في أول بلد آمن يصل إليه المهاجرون.
لم تتوقف محاولات عبور المهاجرين إلى المملكة المتحدة بحثا عن ملاذ آمن، على الرغم من التعزيزات الأمنية والعسكرية و لحوادث المأساوية أثناء العبور، إذ شهد الشهر الماضي غرق 27 مهاجرا بينهم ثلاثة أطفال في بحر المانش بالقرب من كاليه.
وفي ضوء الحادثة رفعت جمعية ”يوتوبيا 56“ المعنية بمساعدة المهاجرين شكوى بتهمة القتل غير العمد وإغفال المساعدة، بحق المحافظة البحرية للمانش وبحر الشمال، لاسيما المحافظ “فيليب دوتريو” ، ومدير مركز المراقبة والإنقاذ التشغيلي الإقليمي “مارك بونافو” ومديرة الإنقاذ البحري الإنجليزي “كلير هوغز”.
دور اتفاقية “دبلن”
الوضع ليس وليد اليوم، فموضوع الهجرة غير النظامية سواء عبر القناة أو مرفأ المانش مطروح منذ عام 1990، ولا يزال يشكل مشكلا بسبب سياسة الهجرة التي تنقصها الإرادة سواء من الجانب الفرنسي أو البريطاني”.
الأسباب الرئيسية التي تدفع الكثير من المهاجرين للمخاطرة بحياتهم وركوب الموج للوصول إلى البر البريطاني، أن اتفاقية دبلن، لا تمكن للمهاجرين المسجلين في دولة أوروبية أخرى التقدم بطلب للحصول على اللجوء في فرنسا وبالتالي يجب إعادة توجيههم إلى البلد الأول الذي وصلوا من خلاله، وبالتالي يفضلون الذهاب إلى بريطانيا التي عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، لم تعد ملزمة باتفاقية دبلن، ومباشرة يصبح المهاجرون الذين يصلون إليها تحت مسؤوليتها بشكل تلقائي، وحتى عندما كانت الدولة لا تزال في الاتحاد الأوروبي، لم تكن تخضع لنظام اللجوء الأوروبي المشترك”.
وبلغ عدد الذين تمت إعادتهم من قبل السلطات البريطانية العام 2019 قليلا جدا لا يتجاوز 263 شخا، بينما نقلت فرنسا أكثر من 5300 مهاجر وألمانيا أكثر من 8400 مهاجر.
من جانبه يؤكد “يان مانزي” مؤسس جمعية “يوتوبيا 56” أن “أغلب المهاجرين يتقنون اللغة الإنجليزية، بحكم أنها الأكثر انتشارا في العالم أو لأنهم ينحدرون من مستعمرات بريطانية سابقة، كما أن الكثير منهم يريد الانضمام إلى أحد أفراد عائلته المتواجدين في بريطانيا”.
صعوبات تواجه المهاجرين في بريطانيا
لا يُسمح للمهاجر غير النظامي بالعمل في المملكة المتحدة، تماما مثل أي مكان آخر في أوروبا، لكن “السوق الرمادية للعمل غير القانوني كبير نسبيا في بعض الأماكن كما هو الحال في فرنسا عموما، إذ يشتغل بعضهم في أعمال البناء ومجال المطاعم وغيرها، لكن هذا لا يعني أن بريطانيا تشجع على ذلك رغم أن اقتصاد المملكة المتحدة متهم دائما بأنه أقل تنظيما بكثير مما هو عليه في القارة”.
بريطانيا لم تعد الوجهة الرئيسية لطالبي اللجوء منذ زمن بعيد، فعلى الرغم من تدفق المهاجرين إلى الشواطئ البريطانية، تشير الأرقام إلى أن طلبات اللجوء أقل بكثير من تلك الخاصة ببعض الدول الأوروبية.
كما أن المتحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية قد صرح مؤخرا أن خطة بلاده الجديدة للتعامل مع المهاجرين، بعد أن يقرها البرلمان، سوف تصلح نظام اللجوء وتقلل العديد من عوامل جذب المهاجرين غير النظاميين، بجعلها أكثر صرامة حتى تنصف الكفاءات المهاجرة التي تأتي بشكل قانوني.
وينص القانون الجديد على عقوبة السجن لـ”الدخول غير القانوني” إلى البلاد من 6 أشهر إلى 4 سنوات، كما تمنح لندن نفسها الحق في تقييد إصدار التأشيرات للدول التي ترفض التعاون في قبول عودة رعايا اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، ويمنح خفر السواحل المزيد من الصلاحيات لرد قوارب المهاجرين إلى الساحل الفرنسي “بشرط اتفاق مع فرنسا”، بالإضافة إلى ذلك، سيتم طرد طالبي اللجوء المرفوضين “بسرعة” من البلاد.
“اتفاقيات توكيه”
من جهة أخرى، تخضع قضية المهاجرين بين باريس ولندن منذ ما يقرب من 20 عاما لاتفاقيات “توكيه”، التي تهدف إلى إعاقة الهجرة غير النظامية إلى بريطانيا من خلال تعزيز الضوابط على المغادرة من فرنسا.
وتعود ظروف توقيع اتفاقيات “توكيه”، إلى إغلاق مركز الصليب الأحمر بمدينة سانجات الفرنسية نهاية عام 2002 بناء على طلب بريطاني، ورغبة لندن حظر عبور حدودها من غير مواطني الاتحاد الأوروبي الذين ليس لديهم تأشيرة دخول، كما نصت الاتفاقيات على تعزيز الرقابة على الحدود.
وهكذا، تم إنشاء مكاتب مشتركة لمراقبة الهجرة في موانئ القناة وكاليه على الجانب الفرنسي، ودوفر على الجانب الإنجليزي، بحيث يتعين على الأشخاص الذين مُنعوا من الوصول إلى الأراضي الإنجليزية، أن يظلوا في فرنسا.
من جانبه طالب “بيير غوك” منسق جمعية “أوبيرج دو ميغران” في كاليه، بمراجعة بنود معاهدة “توكيه” التي وقعت عام 2003 خلال القمة الفرنسية البريطانية الخامسة والعشرين، و”العودة إلى طاولة الحوار والتفكير في حلول إنسانية تمنع فقدان المزيد من الأرواح”.
وسبق أن انتقدت بنود اتفاقيات “توكيه”، لذا في محاولة لتحسينها وقعت اتفاقيات ثنائية أخرى أعوام 2009 و2010 و2014، تنص على تمويل بريطانيا مراقبة الحدود وتأمين مواقع العبور في كاليه، حتى لا يصبح الأمر متروكا بشكل متزايد للسلطات الفرنسية للسيطرة على الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.
وعام 2018، وبعد 9 أشهر من وصوله إلى الإليزيه، وقع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” ورئيسة الوزراء البريطانية آنذاك “تيريزا ماي”، اتفاقيات “ساندهيرست”، التي تهدف أساسا إلى تسوية قضية القاصرين غير المصحوبين بذويهم، فتم تخفيض المدة النهائية للم شملهم مع عائلاتهم في المملكة المتحدة من 6 أشهر إلى 30 يوما، بالإضافة إلى ذلك تعهدت لندن بدفع مبلغ بقيمة 50 مليون يورو لتمويل المراقبة في كاليه.
Comments 1