أخبار القارة الأوروبية – تقارير
مع حلول الذكرى الأولى لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وهو ما يوافق نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تثار التساؤلات حول مدى صحة موقف البلاد من هذا القرار الذي تسبب في حالة من التوتر بين بروكسيل ولندن بشكل عام، كما تسبب في تجاذابات بشأن عدد من الملفات أبرزها العلاقة بين بريطانيا وفرنسا وكذلك مستقبل أيرلندا بشقيها الجمهوري والجزء التابع للتاج البريطاني.
البريطانيون الذين اتخذوا قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي كانت لديهم رغبة في عودة البلاد للتاثير العالمي على الساحة الدولية بدلا من الانضواء تحت اللواء الأوروبي، وهو ما جعل حكومة “بوريس جونسون” ترفع شعار بريطانيا العالمية، والتي كانت تحكم بحار العالم في يوم من الأيام في ظل رغبة قوية في الرجوع لهذا الوضع الامبراطوري السابق.
وفي مسعى منها لتعزيز هذا الإحساس أقرت الحكومة البريطانية ميزانية للدفاع بقيمة 18 مليار دولار- سيذهب جزء مهم منها للقوات البحرية من أجل العودة بقوة إلى البحار، بالتزامن مع تحريك القطع العسكرية البحرية نحو البحر الأسود، في عملية هي الأولى من نوعها منذ العدوان الثلاثي على مصر قبل أكثر من نصف قرن.
العلاقات مع الولايات المتحدة
وفيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن ورغم التوقعات بأن يساهم خروج بريطانيا من الاتحد الأوروبي في تعزيز العلاقات عبر الأطلسي إلا أن بريكست كان لها تأُثيرا غير محمود على هذا الملف من جوانب عدة.
الجانب الأول هو حرص الولايات المتحدة على وجود علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، وإعطائه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أولوية للتكتل الأوروبي، كما أن واشنطن متشددة إزاء ما يطلق عليه “اتفاق الجمعة العظيم” الذي أقر السلام في الجزيرة الأيرلندية برعاية أميركية.
كما أن بريطانيا لديها ضيق من تأخر الولايات المتحدة غير المفهوم في توقيع اتفاق التبادل الحر بين البلدين، والذي سيكون الأكبر في التاريخ، وكان الاتفاق على وشك التوقيع عليه بعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبل أن يأتي بايدن ويضعه على رف الانتظار.
العلاقات مع فرنسا
وفيما يتعلق بالعلاقات بين بريطانيا وفرنسا تأزمت العلاقة بين الجانبين بصفة عامة وهو ما بدى جليا خلال حرب اللقاحات، ومحاولة الاتحاد منع وصول اللقاحات إلى بريطانيا.
الأزمات بين باريس ولندن تدهورت على أصعدة عدة حتى انزلقت الأمور لما يشبه حربا باردة بين الجانبين حيث برزت أزمة المهاجرين الذين يعبرون بحر الشمال من فرنسا تجاه بريطانيا والاتهامات التي تبادلها الجانبان في هذه الأزمة
كما ساهمت أزمة الصيد البحري في تأجيج التوتر بين لندن وباريس في تفاقم التوتر ووصل الأمر للصراع حول جذب الاستثمارات الخارجية، فضلا عن الضربة الكبيرة التي تلقتها العلاقات بين الجانبي نبسبب سحب صفقة الغواصات الأسترالية من فرنسا لصالح بريطانيا وأميركا، حتى وصل الأمر بين الطرفين إلى رفض باريس استقبال وزيرة الداخلية البريطانية “بريتي باتيل” لمناقشة أزمة المهاجرين.
العلاقات مع روسيا
زاد التوجس البريطاني من روسيا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي وباتت تشكل سياساتها الخارجية من جديد بشكل تعتبر فيه موسكو من أبرز الأخطار المحدقة بها، وهو ما يظهر جليا في تصريحات القادة العسكريين والأمنيين في بريطانيا والتي تكشف عن حالة الاستنفار العالية تجاه روسيا، فرغم استبعاد المواجهة العسكرية المباشرة؛ فإن التقديرات الأمنية بأن حربا بالمعنى غير التقليدي باتت وشيكة بين الطرفين.
الاستثمارات الصينية
ترحب بريطانيا علنا بالاستثمارات الصينية لكنها لا تريد إغضاب الولايات المتحدة ما يجعلها ترفض دخول بكين في أي استثمار متعلق بالقطاعات الاستراتيجية، كما أنها لا تزال تنتقد ملف حقوق الإنسان في الصين لا سيما فيما يتعلق بوضع مسلمي الإيغور، حيث تعتبر بريطانيا من أكثر الدول الغربية انتقادا لأوضاع مسلمي الإيغور، وكذلك فهي ساحة للكثير من التحركات القانونية لإنصاف هذه الأقلية.
تركيا
تحسنت العلاقات البريطانية التركية بسبب توقيع الجانبين اتفاق التبادل التجاري الحر، فضلا عن تقوية العلاقات الثنائية، وهو ما يبدو جليا في اللقاءات والمراسلات بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ورئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”.
وفي وقت ما زالت العلاقات الأوروبية التركية تمر بحالة برود، فإن العلاقات مع بريطانيا في أفضل أحوالها، بحيث تغيب لندن عن أي بيان أوروبي ينتقد تركيا.
العلاقات مع الخليج
تركز بريطانيا جهودها لجذب الاستثمارات الخليجية إليها وهو ما يظهر جليا مع أول زيارة تقوم بها رئيسة الوزراء السابقة “تيريزا ماي” للخارج بعد البريكست نحو دول الخليج، حرصا على الاستثمارات الخليجية في بلادها، وهي الوجهة الأولى لها في أوروبا.
وتشتغل بريطانيا حاليا على توقيع اتفاقيات تعاون إستراتيجي مع دول المجلس، والتي من المتوقع أن يعلن عنها قريبا.
وتسابق بريطانيا الزمن، وهي تشاهد المزاحمة الفرنسية لجلب الاستثمارات نحو باريس، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دول الخليج وعاد منها بصفقات مهمة.
المساعدات الإنسانية
تعتبر المساعدات الدولية المقدمة من الدول الغنية ورقة من أوراق التأثير العالمي التي تسعى الدول لتعزيزها، إلا أن ما قامت به بريطانيا بعد البريكست هو العكس تماما، بتقليص المساعدات الإنسانية لأكثر من 4 مليارات دولار، وإلغاء وزارة التنمية الدولية وإلحاقها بوزارة الخارجية.
وكانت الدول العربية التي تعرف الكثير من المآسي الإنسانية الأكثر تضررا من هذا القرار، خصوصا سوريا واليمن، ومخيمات اللاجئين في لبنان، وهو ما يؤثر على صورة بريطانيا كدولة رائدة عالميا ويقلل من تأثيرها على عدد من الملفات لا سيما في الشرق الأوسط.