“باك أون تراك”.. مشروع تعليمي لتوجيه القادمين الجدد في ألمانيا

شارك في إعداد التقرير: رغد عيسى – جودي صالح – عبد الله الشعبو
تصوير: خالد خليفة رزق

بعد وصول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ألمانيا خلال السنوات الماضية، وجد الطلاب أنفسهم ضمن نظام تعليمي مختلف كليا، ولاسيما أن التعليم في ألمانيا يعد من بين أفضل دول العالم.

ويعد دمج التلاميذ اللاجئين في المدارس الألمانية الذين انقطعوا عن الدراسة قبل الوصول إلى ألمانيا، تحد كبير، إذ تساعد منظمة “باك أون تراك” التي تأسست منذ نحو خمس سنوات في العاصمة برلين، الطلاب السوريين ليكملوا طريقهم التعليمي بشكل أفضل وتعريفهم بجميع مناحي التعليم في ألمانيا.

“نور فليحان” التي تعمل مرشدة اجتماعية منذ نحو عامين قالت في تصريح لموقع “أخبار القارة الأوروبية”: “المنظمة أسستها الألمانية (بترا بيكر) التي عاشت قرابة 14 عاما مع عائلتها في سوريا” لافتة إلى أن “بيكر اضطرت لمغادرة سوريا كما هو الحال لملايين السوريين، ورأت مدى المعاناة والصعوبات التي تواجه الطلاب السوريين الذين وصلوا ألمانيا، ولاسيما أن النظام التعليمي مختلف كليا فضلا عن صعوبات اللغة”.

وأوضحت “فليحان” أن “بيكر كانت على دراية تامة بالوضع النفسي للاجئين ومدى اختلاف النظام التعليمي، وجاءت الفكرة في أن تؤسس منظمة لمساعدة السوريين بهدف تعريفهم أكثر عن النظام التعليمي الألماني، وكذلك تسليط الضوء على الفروقات بين التعليم في ألمانيا وبلدهم سوريا، ودعم الطلاب ليكملوا طريقهم التعليمي بشكل أفضل”.

إلى جانب ذلك، أكدت المرشدة الاجتماعية “فليحان” أن “المشروع بدأ منذ خمس سنوات وكان التأسيس في برلين، ويرغب القائمين في المنظمة لافتتاح فروع في عدد من المدن الألمانية التي تضم جالية سورية كبيرة”.

فكرة جماعية للمشروع..

وعن فكرة المشروع أوضحت “فليحان”: أن “أي مشروع يحتاج إلى أكثر من شخص لتأسيسه، وبيترا بدأت بالبحث أكثر في هذا الموضوع والتقت مع الأشخاص الذين يملكون نفس الرغبة والأهداف”، لافتة إلى أن “ما يميز منظمة باك اون تراك، أن كثير من العائلات التي كانت تأتي في البداية لتسجيل أبنائهم، بعد فترة أصبح لديهم رغبة في العمل مع المنظمة كمتطوعين في التدريس”.

المرشدة الاجتماعية نور فليحان

وكما هو في أي مشروع تعليمي فإن التنوع والاختصاصات مطلوبة، وهو ما تؤكده فليحان في حديثها مع “أخبار القارة الأوروبية” بالقول: “نحن فريق كبير ومتنوع على صعيد الاختصاصات والأعمار ومؤخراً حتى على صعيد الجنسيات”، لافتة إلى أنه “في البداية كان هناك عدد كبير من المدرسين والمدرسات السوريين أو الناطقين باللغة العربية في باك اون تراك، لكن الآن وبعدما توسعت المنظمة أصبح بعض الألمان متواجدين ضمن المنظمة”.

وحول أسباب تركيز المنظمة على التعليم باللغة العربية، أوضحت “فليحان” والتي بدأت منذ العام 2017 وحتى 2019 العمل بشكل طوعي في تدريس الانكليزية والعربية للأطفال السوريين في ألمانيا، “نحن في المنظمة نتبع منهاج منظمة (يونيسف) وهو مخصص لجميع الأطفال الذين عاشوا في نزاعات وحروب أو مناطق صراع”.

“فليحان” الحاصلة على ماجستير في مجال العمل الاجتماعي أكدت أن ” الطلاب الذين لا يتقون اللغة الألمانية يواجهون تحديات كبيرة، وهنا نتكلم عن فئة ولدت في سوريا وتعلمت في مراحل معينة ضمن المدارس السورية”، مشيرة إلى أن “بعض الطلاب، عندما يذهبون إلى المدرسة مثلاً، حتى لو كانوا متفوقا في مادة الرياضيات أو في الإنكليزية، لكن لأن تعليم المادة يتم من خلال اللغة الألمانية، تصبح صعبة جدا، والتعليم باللغة العربية مهم، إضافة لترميم الفراغات التي لديها علاقة في صعوبة تعلم اللغة الألمانية، التي تحتاج البعض لوقت طويل لتعلمها “.

أيضا فإن “المحافظة على الثقافة والجذور مهمة وتكون اللغة الخيط الذي يربط الإنسان بوطنه “، من هذا المنطلق تؤكد فليحان أن “الشخص إذا غادر وطنه مجبرا إلى مكان آخر لا يعني بأن يتم نسيان اللغة الأم، وهناك الكثير من الأطفال، خصوصا في مرحلة الروضة، بدأوا يفقدون لغتهم الأم حاليا، لهذا نحاول ومن خلال هذه المنظمة، خلق توازن بين تعلم اللغة الجديدة ونعمل عليها ولكن في نفس الوقت تدريس اللغة الأم”، مشيرة إلى أنه عندما يكون الشخص جيدا في لغته الأم، فإن هذا الأمر يساعده بشكل كبير على تعلم لغات أجنبية أخرى.

مشروع للشباب ضمن المنظمة..

لايتوقف عمل منظمة “باك اون تراك” على الأطفال، بل أيضا فئة لا تقل أهمية وهي فئة الشباب ضمن الفئة العمرية مابين 16 و21 عاما، أي ضمن المرحلة الاعدادية والثانوية حيث يتم دعم هذه الفئة على أكثر من صعيد تعليمي، والهدف دعم هذه الفئة على أكثر من صعيد، تعليمياً.

وبما أن الحصول على الشهادة الثانوية تتطلب علامات جيدة في المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة الألمانية وكذلك اللغة الإنكليزية، لهذا تعمل المنظمة لدعم التعليمي للطلاب من خلال توفير معلمين ومعلمات يمكنهم تدريس هذه المواد وتحضير الطلاب الى الامتحانات، أو يتابعوا الطلاب كل العام الدراسي أن كان لديهم وظائف او اختبارات قصيرة، ليساعدوهم على الشرح.

وهناك العديد من الطلاب الذين توجهوا إلى المدرسة على التدريب المهني وبعدها يفقد الطالب الثقة بالنفس مع أنه فعلا قادر على حصول شهادة الصف العاشر ويمكنه أن يكمل الدراسة وينجح في الثانوية لعامة “البكالوريا” ويكمل الى الجامعة. لهذا السبب مهم جداً أن يعرف ويفهم الطلاب والطالبات كيفية النظام التعلمي في ألمانيا وان الطلاب يمكنهم ان يختاروا طريقهم بنفسهم، تقول فليحان.

وتشرح في هذا السياق: “بالاضافة الى ذلك، تقدم المنظمة دعم على صعيدين الاجتماعي والمدرسي، الدعم الاجتماعي: بمعنى نحن نعرف جميعا بأن تجربة 10 سنوات الماضية لم تكن سهلة لمعظم السوريين، ليس فقط على صعيد التعليم، نحن عندما نذهب الي مكان جديد، خاصة عندما نذهب مرغمين أو فجأة، يصبح هناك الكثير من التحديات على الصعيد النفسي والاجتماعي، لهذا فإن الارشاد الاجتماعي هو من أجل خلق مساحة آمنة لهذه الفئة، من خلال فسح المجال لجميع استفساراته والحديث عن خياراته والصعوبات التي يواجهها واختار الملائم له”.

وتضيف:” يتم تقديم الدعم النفسي للطلاب من خلال مواعيد فردية بين الطالب وعائلته إضافة للمرشدين الاجتماعيين المسؤولين عنهم، بحيث تكون كل حالة على حدى، فبعض الحالات تكون بسيطة لكن في حال كانت هناك حالات نفسية صعبة فإن المهمة تنتقل لمنزمة أخرى متخصصة في هذا المجال. لاسيما أن دور منظمة (باك اون تراك) هو دور اجتماعي فقط أما الحالات النفسية مثل حالات الصدمات النفسية المعقدة، فهذه تحتاج الى تخصص طبيب نفسي”.

ورشات عمل مشتركة مع المؤسسات الألمانية..

رغم هذا العمل الكبير الذي تقوم به المنظمة إلا أنها تعاني الكثير من التحديات وفي مقدمتها التمويل حيث يتم العمل لتكون جهة قادرة لتمويل المنظمة بحيث يستمر المشروع مستقبلا.

ولدى المنظمة الكثير من ورشات العمل المشتركة مع المؤسسات الألمانية التي تقوم بها المنظمة وعلى أكثر من صعيد.

تقول “فليحان” إن المنظمة عملت خلال الفترة الماضية ولاتزال، ورشات عمل مشتركة مع المؤسسات الألمانية من بينها “مكتب رعاية الشباب” ومؤسسات اجتماعية أخرى، ليكون هناك نوع من التوازن، كما نحن نعطي الفئات المستهدفة التي نعمل لأجلها، فإنه في المقابل نحتاج للحصول على تمويل”.

وتضيف “لذلك هناك ورشات عمل، عن طرق التعليم، والتعاون مع الصدمة النفسية، وكل هذه المواضيع، هدفها ليكون الموظفين في المنظمة لديهم القدرة للتعامل بشكل صحيح الطلاب”.

البصمة التي تركتها المنظمة..

تركت المنظمة بصمة إيجابية بين فئة الشباب حيث استفادوا من المعلومات التي قدمتها لهم في كيفية الحصول على الفرصة من خلال الاستشارة التعليمية، ذلك أن الكثير من الطلاب هم بالأساس ليس لديهم فكرة عن النظام التعليمي بإلمانيا، فكان المنظمة بمثابة الموجه بعد شرح المعلومات الكافية لهم.

ويكون ذلك من خلال مساعدة الشباب في بناء القرار الصحيح، لأن أي خيار يتخذه الآن سيؤثر على حياته في المستقبل.

أما الأمر الآخر الذي تركته المنظمة هو الارشاد الاجتماعي، من خلال فسح المجال للشباب لمن لم يسعهم والبوح بما يجول في أنفسهم من طموحات وصعوبات ومخاوف، حيث من الضرروي جدا أن يعبر الشاب عن هذا سواء للأهل أو الأصدقاء المقربين وكذلك فإن دور المنظمة في الأساس سماع وجهات نظر الشباب حول صعوباتهم التعليمية.

ويكون هذا من خلال نظام المنظمة المختلف حيث يكون في الفصل طالب أو طالبين وليس 10 أو 20 طالب، لهذا فإن الطفل أو الشاب يشعر بنوع من الاهتمام والذي يؤثر بشكل إيجابي، فضلا عن عدم وجود أي نوع من الضغط كما هو الحال في المدارس التقليدية، ويكون ذلك من خلال التعليم الذاتي.

بقي أن تقول إن المنظمة يتواجد فيها عدد كبير من المتطوعين والمتطوعات وهي في ازدياد بشكل مستمر، ويأمل القائمون على المنظمة أن تتوسع قريبا بحيث تكون الملاذ الآمن لكل سوري أو غير سوري وصل ألمانيا حديثا لتوجيهه نحو بر الأمان سواء على الصعيد التعليمي أو الاجتماعي.

Exit mobile version