أخبار القارة الأوروبية- متابعات
كان عام 2021 من أصعب الأعوام التي تفاقمت فيها أزمات المهاجرين في العالم، خاصة الراغبين في الوصول إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل، حيث بدأ العام بتسجيل تونس أولى مآسي حوادث غرق قوارب المهاجرين، وذلك بعد أن أعلنت انتشال جثة مهاجر وفقدان 22 آخرين بعد غرق قاربهم قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
في فبراير /شباط من 2021 توفي 41 شخصا غرقا أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقا من ليبيا حتى بات البحر المتوسط مقبرة لأحلام لاجئين كثر.
حوادث غرق القوارب التي تقل مهاجرين غير شرعيين تكررت خلال العام بشكل شبه أسبوعي، حتى أصبحت خبراً رئيسياً معتاداً في نشرات الأخبار.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قدرت عدد من لقوا حتفهم أو اختفوا في البحر المتوسط أثناء محاولتهم العبور لأوروبا خلال عام 2021 وحده بنحو ألف وست مائة شخص.
تزايد كبير في أعداد المهاجرين نحو إسبانيا
وشهدت أعداد المهاجرين القادمين من أفريقيا نحو أوروبا تزايد قياسي، ففي مايو/أيار، شهد جيبا سبتة ومليلية الخاضعين للسيادة الإسبانية – وصول أعداد قياسية من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المغرب عن طريق البحر، إما سباحة أو مشيا على الأقدام.
ووصل عدد المهاجرين غير الشرعيين ممن وصلوا للمدينتين الواقعتين على الساحل المتوسطي المغربي إلى نحو ثمانية آلاف شخص وهو العدد الأكبر من المهاجرين الذين يعبرون في يوم واحد في التاريخ.
أزمة المهاجرين هذه أثارت أزمة دبلوماسية على الجانب الآخر، فقد وجهت السلطات الإسبانية اتهامات لحرس الحدود المغربي بغض الطرف عن حركة العبور هذه وعدم توقيفها.
يؤكد “غونثالو فانخول” مدير مركز بور كاوسا لدراسات الهجرة في اسبانيا، أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا لإسبانيا وحدها هذا العام وصل لأكثر من 36 ألف شخص، أما المهاجرون الشرعيون فوصل عددهم إلى 200 ألف، وهو أقل بمرتين من الأعداد التي كانت تصل للبلاد قبل تفشي وباء كورونا.
كما أن المحيط الأطلسي شهد ارتفاع أعداد المهاجرين الغرقى الذين يحاولون الوصول إلى جزر الكناري الإسبانية انطلاقا من سواحل غرب أفريقيا، لا سيما المغرب.
فخلال العام المنصرم، استقبلت جزر الكناري نحو 20 ألف مهاجر، لكن عام 2021 يعد الأكثر دموية، ووفقا لآخر أرقام منظمة الهجرة الدولية، لقي 937 شخصا مصرعهم خلال الأشهر الـ12 الماضية، في رقم قياسي لم يكن له مثيل على مدى السنوات العشر الماضية على الأقل.
أما في أفغانستان، فقد شهدت البلاد أسوأ الأزمات الإنسانية لهذا العام، بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في البلاد في أغسطس/آب، حيث نزح أكثر من 600 ألف أفغاني هذا العام وحده، 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال، حسبما أفادت أرقام المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، نسبة كبيرة منهم اتجهت إلى أوروبا لتفاقم أزمة المهاجرين فيها.
الأزمة الكبرى
في نوفمبر/تشرين الثاني، اندلعت أزمة مهاجرين على حدود بيلاروسيا وبولندا، إذ سمحت بيلاروسيا لآلاف المهاجرين على حدودها بالعبور نحو أوروبا عبر الحدود البولندية، ما دفع بولندا للاستنفار وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، لتبرز بيلاروسيا كلاعب جديد في ملف الهجرة إلى أوروبا، ووجهت إليها اتهامات بتشجيع آلاف المهاجرين على القدوم إليها والعبور إلى جارتيها الأوروبيتيين ليتوانيا وبولندا.
أزمة المهاجرين بين بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وبيلاروسيا لا تزال مستمرة في حين تصر بولندا على عدم السماح لأي من المهاجرين بدخول أراضيها وتحصين حدودها عبر نشر قوات عسكرية وجدران حدودية.
وتتهم الدول الأوروبية مينسك بافتعال الأزمة ردا على عقوبات غربية فرضت على نظام الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو” بعد قمعه الاحتجاجات المعارضة له عام 2020.
اللاجئون الذين قدر عددهم بأكثر من 4 آلاف شخص عاشوا ظروفا غير إنسانية وسط عدم توفر أبسط مقومات الحياة لهم وبرد قارس ودرجات حرارة تحت الصفر، ما أدى لوفاة عدد منهم، في ظل معاملة ِإنسانية غاية في السوء على جانبي الحدود بين فرنسا وبريطانيا وكارثة المانش
انتهى العام مع كارثة إنسانية شهدها بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا هزت العالم، بعد أن غرق في بحر المانش ما لا يقل عن 27 مهاجرا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أثناء محاولتهم الوصول إلى المملكة المتحدة، كان معظم من تمكنت السلطات من التعرف على هوياتهم من الأكراد العراقيين وبعض الأفغان.
ومع تكشف تفاصيل غرق القارب، نفى كل من الطرفين الفرنسي والبريطاني استقبالهما لأي إشارات من قبل الضحايا أثناء غرق قاربهم، على الرغم من أن تقريراً لصحيفة لوموند الفرنسية كشف من داخل التحقيق السري الذي تجريه الشرطة الفرنسية أن فواتير الهواتف المفصلة للناجين تؤكد قيامهم بطلب النجدة من السلطات الفرنسية.
هذه الرحلة ليست الأولى عبر بحر المانش، ولكنها الأكثر ضحايا، ورغم ذلك، وبعد مرور شهر واحد، ورغم برودة الجو، ما زال المئات من المهاجرين يحاولون عبور بحر المانش اسبوعيا.
الظروف المعيشية المتدهورة في مخيمات شمال فرنسا، كانت سببا رئيسيا بحسب المنظمات الإنسانية، دفع المهاجرين إلى اتخاذ المزيد من المخاطر من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى، حتى لو كان ذلك عبر القناة البحرية الأكثر ازدحاما في العالم والتي لا تخلو من تيارات بحرية تزيد من تعقيد عملية الإبحار.
الجهات الحقوقية اعتبرت الحادثة الأخيرة بمثابة إنذار يحذر من تحول بحر المانش إلى مقبرة للمهاجرين كما هو الحال في البحر المتوسط.
وأدى ذلك إلى تصعيد اللهجة بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي، وتولّدت أزمة دبلوماسية بين البلدين لا سيما مع وجود خلافات حول ملفات أخرى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خطر غرق القوارب التي تقل مهاجرين غير شرعيين ورفض قد يواجهونه من قبل الدول المستضيفة، وحتى سيناريو إعادتهم لبلدانهم، كل هذه أسباب لم تمنع آلاف المهاجرين الذين ما زالوا يحاولون التوجه للدول الغربية بحثاً عن حياة أفضل ومستقبل أكثر استقرار بعيدا عن بلادهم التي تمزقها الحروب والنزاعات والفقر.
إحصائيات لمنظمة يوروستات الأوروبية أظهرت ايضاً ارتفاعا في أعداد طالبي اللجوء للاتحاد الأوروبي في الفترة بين يوليو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول من هذا العام بنسبة 38 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها في عام 2020. وأظهرت الإحصائيات أن أغلبية طلبات اللجوء لأشخاص من سوريا، أفغانستان وباكستان على التوالي.
للوصول إلى أوروبا، كان على المهاجرين سلك طريق وعر مليء بالعقبات في الأشهر الـ12 الماضية. واجه طالبو اللجوء مصاعب عدة على مشارف الدول الأوروبية، فيما نشبت خلافات وأزمات دبلوماسية واتهمات متبادلة بين دول عديدة على خلفية إدارة ملف الهجرة، وذلك على أمل أن تتحسن أحوال هؤلاء المهاجرين على الحدود ويقل عدد من يلقى حتفهم خلال رحلة اللجوء إلى القارة العجوز .