أزمة الطاقة.. الحل النووي يعمق الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي

أزمة الطاقة.. الحل النووي يعمق الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

شهد العام 2021 أزمة كبيرة في ارتفاع أسعار الطاقة، وهي الأزمة التي بدت بوادرها حتى قبل حلول فصل الشتاء  والذي شهد تفاقما للوضع مع الارتفاع التقليدي في الطلب على الطاقة في القارة.

وكان الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة في أوروبا خلال الشهر الماضي قد دفع بعض الشركات الصناعية إلى تخفيض إنتاجها وطلب الحصول على مساعدة حكومية، وهو نذير لما يمكن أن يحدث في أوروبا على نطاق واسع، في الوقت الذي تكافح فيه القارة للتغلب على تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.

المفوضية الأوروبية تسعى لحل الأزمة بشكل جذري، لكن الحلول التي تبنتها بتصنيف الطاقة النووية وتلك المولدة من الغاز الطبيعي من بين مصادر الاستثمار “الخضراء”، تعيد فتح الانقسامات بشأن المشاريع البيئية داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومدى “نجاعة” مشاريع المفوضية التي تشترط بعض دول التكتّل أن تكون ” خيارات مستدامة”.

هذه الخطة التي تتعلق ب”ـصنيف الطاقة النووية” رفضتها الكثير من الحكومات الأوروبية التي رأت في القرار خطوة خاطئة وقد تؤدي إلى كارثة بيئية حقيقية بسبب “المخلفات النووية وتلوث الغاز”.

خطة المفوضية تقوم على دعم تحول التكتل الأوروبي بدوله السبع والعشرين نحو مستقبل حياد الكربون، بحيث تكون بين واضعي معايير محاربة التغير المناخي.

 ويتم ذلك -حسب رؤية المفوضية الاوروبية- من خلال طرح الاتحاد الأوروبي الذي كشفت عنه المفوضية الأوروبية في نيسان/أبريل، ضمن حزمة ضخمة من المقترحات المتعلقة بإمدادات الغاز الأكثر حفاظا على البيئة، وخفض انبعاثات غاز الميثان، هي مقترحات تهدف جميعها لدفع الدول الأعضاء في طريقها إلى حيادية تامة للانبعاثات بحلول عام 2050.

الاقتراح وبخاصة القسم المتعلق بالطاقة النووية وتلك المولدة من الغاز، يعتبر من وجهة نظر المفوضية وسيلة ” ستسرّع التخلص التدريجي من مصادر أكثر ضررا، مثل الفحم، وتعمل على تقريبنا من “مزيج طاقة” أقل انبعاثا للكربون وأكثر مراعاة للبيئة”. شهد التصنيف مواجهة قوية بين ألمانيا الراغبة في التخلي عن الطاقة النووية، وفرنسا التي تدافع عنها وتطالب بضمها إلى الطاقة الخضراء.

يدعو الاقتراح الذي تبنته المفوضية الأوروبية لأن يكون بناء منشآت جديدة للطاقة النووية مشروطا بتراخيص تمنح قبل 2045، وأن يتم إعطاء أذون تمديد عمل المنشآت القائمة قبل 2040.

وجاء في اقتراح المفوضية أنه “من الضروري الاعتبار أن قطاعي الغاز الأحفوري والطاقة النووية يمكن أن يساهما بإزالة الكربون من اقتصاد الاتحاد”.

 وأضاف أنه بالنسبة إلى الطاقة النووية، “يتعين وضع تدابير مناسبة لإدارة النفايات المشعة والتخلص منها”. وأمام الدول الأعضاء والخبراء الذين استشارتهم المفوضية أسبوعان لطلب مراجعة الاقتراح، قبل نشر النص النهائي منتصف الشهر الحالي. وسيكون أمام البرلمان الأوروبي عندئذ أربعة أشهر للموافقة على النص أو رفضه عبر التصويت

لكن الدول الأوروبية اختلفت في تعاطيها مع هذا الحل فهناك من رأى ضرورة أن تلعب الطاقة النووية دورا في عملية تحول الطاقة مثل فرنسا، وهناك من لا يعتبر الطاقة النووية طاقة خضراء مثل ألمانيا، وتتبنى كل من النمسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال مواقف متبانية من هذا الملف.

فرنسا

تقود فرنسا إذن، الجهود بشأن ضم الطاقة النووية، مصدرها الرئيسي للطاقة، على الرغم من معارضة قوية من النمسا وتشكيك من ألمانيا التي ترفض تصنيف الطاقة النووية على أنها طاقة خضراء، وتمضي قدمًا في تفكيك محطاتها النووية.

وتعدّ فرنسا واحدة من عدد قليل من الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على محطات الطاقة النووية، إذ يأتي أكثر من 70% من الكهرباء من محطات الطاقة النووية.

 كانت الطاقة النووية المصدر الرئيسي للطاقة في فرنسا في عام 2019، بنسبة استخدام طالت 41.1٪، وجاء الغاز الطبيعي في المرتبة الثالثة بنسبة 14.8٪ بعد المنتجات البترولية مثل النفط الخام الذي يمثل 31.2٪ من “مزيج الطاقة” في البلاد.

كان الوقود الأحفوري الصلب، مثل الفحم ، الأقل استخدامًا بنسبة طالت 3.6 ٪ ، يأتي تباعا بعد استخدام مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 11.2 ٪. من بين المشاريع التي يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحقيقها في إطار خطة إنعاش قطاعي الصناعة والتكنولوجيا ببلاده مع حلول 2030 والتي خصص لها 30 مليار يورو، صناعة مفاعلات نووية متطورة وذات حجم صغير.

ألمانيا

ألمانيا من جهتها لا تعتبر الطاقة النووية طاقة خضراء، ويطمح التحالف الحاكم المؤلف من الحزب الاشتراكي الديموقراطي والخضر والليبراليين إلى أن يكون 80 في المئة من الكهرباء في ألمانيا منتجة عبر مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2030.

 وقالت وزيرة البيئة الألمانية السبت، إنه سيكون من “الخطأ” تصنيف الغاز والطاقة النووية بين المصادر “الخضراء”، معتبرة أن الطاقة الذرية “يمكن أن تؤدي إلى كوارث بيئية مدمرة”.

يمثل استخدام الغاز الطبيعي في ألمانيا نسبة 24.4٪ من “مزيج الطاقة” في البلاد في عام 2019 ، وهو يأتي بعد المنتجات البترولية بنسبة (36٪). وتعتبر الطاقة النووية المصدر الأقل استخدامًا في ألمانيا بنسبة بلغت (6.2٪) بينما تأتي الطاقات المتجددة في المرتبة الرابعة (14.6٪) بعد استخدام الوقود الأحفوري الصلب الذي يبلغ مدى استعماله نسبة (19.6٪).

في نهاية عام 2022، ستوقف ألمانيا آخر ثلاث محطات نووية في البلاد عن العمل، وهي نيكارفيستهايم وإيزار 2 وإمسلاند، ولتعويض نقص الطاقة النووية، وفي انتظار أن تملأ الطاقات المتجددة هذه الفجوة تماماً، ستحصل ألمانيا على إمداداتها بشكل كبير من الوقود الأحفوري خصوصاً الغاز.

بدورها، انتقدت وزيرة البيئة النمساوية “ليونور غيفيسلر” الاقتراح، معتبرأن الطاقة النووية باتت “من الماضي” وهي “مكلفة للغاية وبطيئة للغاية” لمكافحة تغيرالمناخ.

إيطاليا

أما إيطاليا فتحصل إيطاليا على جزء من الكهرباء التي تحتاجها من الخارج، ويشكل الغاز الطبيعي أكثر من ثلث إجمالي الطاقة في إيطاليا بنسبة استخدام بلغت (38.6٪) في عام 2019 ، كما تعدّ من الدول المستخدمة الرئيسية لهذا المصدر من الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

إيطاليا  كانت تخلصت تدريجياً من الطاقة النووية في أواخر ثمانينات القرن الماضي في أعقاب كارثة تشيرنوبل، ومن ناحية أخرى، تمثل الطاقات المتجددة 18.7٪ من استخدامات إيطاليا، وهي نسبة أقل بكثير من المنتجات البترولية التي شكلت 35.9٪ من “مزيج الطاقة” في إيطاليا .

وفي هذا السياق، قال زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف إن هناك احتمالية لبناء محطات طاقة نووية أخرى على الأراضي الإيطالية مشددا الأحد على أنه “لا يمكن لإيطاليا أن تقف مكتوفة الأيدي حزب الرابطة مستعد أيضا لجمع التوقيعات من أجل استفتاء يقود بلادنا إلى مستقبل طاقة نظيفة وآمنة ومستقلة”.

إسبانيا

تعارض مدريد تمامًا خطة بروكسل لإدراج الطاقة النووية والغاز الطبيعي في تصنيفها الأخضر وتعتقد أن الخطة تقوّض المشاريع الصناعية النظيفة و تهدد “الاتفاق الأخضر الأوروبي”.

شكّل هذان المصدران نسبة استخدام بلغت 11.4٪ في البلاد و 23.1٪ على التوالي في عام 2019. لكن إسبانيا تخطط للتخلص التدريجي من الطاقة النووية بحلول عام 2035 وزيادة استخدام الطاقات المتجددة، والتي مثلت 13.7 في عام 2019. وتسعى إيطاليا إلى تقليل اعتمادها على المنتجات البترولية مثل النفط الخام، والتي مثلت ما يقرب من نصف “مزيج الطاقة” بنسبة بلغت (47.2٪) في العام نفسه.

البرتغال

تماما كما هو الحال بالسنبة لإيطاليا، لا تمتلك البرتغال مفاعلات نووية وتظل تعارض جميع المشاريع الجديدة التي تستخدم هذه التكنولوجيا. مثّل استخام البرتغال للغاز الطبيعي أكثر من خُمس ميزانية الطاقة في البلاد في عام 2019، أي بنسبة بلغت (21.3٪)، ذلك أن استخدام الطاقات المتجددة يمثّل ما يقرب من (24.4٪) في البلاد .

في حين كان استخدام المنتجات البترولية مهما بشكل خاص حيث بلغت نسبة استعماله (47.4٪).

Exit mobile version