الجائحة تؤخر خسائر لندن كسوق مالي عالمي

أخبار القارة الأوروبية – بريطانيا

منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والأسئلة تدور عن مدى تأثر العاصمة لندن كمركز مالي عالمي بعد هذا الانفصال.

الأحصاءات كشفت أن تأثر لندن بترك التكتل الأوروبي كان محدودا للغاية من هذه الزاوية، فمن ناحية الوظائف خرج عدد قليل منها إلى دول الاتحاد الأوربي، وذلك رغم التحذيرات خلال عام 2018 وسط تعثر المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حيال تأثير الخروج على لندن كمركز مالي أوروبي.

مؤشر المراكز المالية العالمية لعام 2021 ذكر أن لندن لا تزال ثاني أكبر مركز مالي في العالم بعد مدينة نيويورك الأمريكية عند الأخذ في الاعتبار معايير البنية التحتية والسمعة وبيئة الأعمال.

“مارك بوليت ” الرئيس السابق لمؤسسة الحي المالي في لندن أو “سيتي أوف لندن كوربوريشن” قال إنه يخشى مما أسماه “السيناريو النووي” الذي يشمل إجبار البنك المركزي الأوروبي على نقل التعاملات المالية التي تتم باليورو من لندن إلى منطقة اليورو مع احتمال خسارة قرابة 230 ألف وظيفة.

ومع مرور الأعوام، خرجت المجموعة المالية “إرنست آند يونغ” لتقول إنه بنهاية العام الماضي، بلغ إجمالي تحويلات الأصول 1.3 مليار جنيه إسترليني.

وقد تزامن هذا مع إقدام أكبر البنوك الاستثمارية ومقرها المملكة المتحدة على تعديل عدد الموظفين، الذين سيتم نقلهم إلى الاتحاد الأوروبي ليصبح أقل من 7400 وظيفة.

ويشكل هذا الأمر نسبة ضئيلة من عدد موظفين يصل إلى 1.1 مليون شخص يعملون في القطاع المالي بينهم 400 ألف موظف في لندن.

يشار إلى أن قطاع الخدمات المالية يمثل حوالي 12 % من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا.

توقعات متشائمة بشأن البريكست

وكانت تحذيرات قد توقعت خسارة لندن 75 ألف وظيفة ونحو عشرة مليارات جنيه إسترليني أي ما يعادل 11.1 مليار يورو من العائدات الضريبية السنوية.

الحي المالي في لندن لم ينجو حتى الآن بشكل نهائي من تداعيات الخروج البريطاني إذ ذكرت “إرنست آند يونغ” أن قرابة 44 % من الشركات العاملة في مجال الخدمات المالية ومقرها المملكة المتحدة تعتزم أو تخطط لنقل عملياتها والموظفين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وربما ستكون دبلن ولوكسمبورغ مقصدا لإدارة العمليات، فيما قد يُنقل الموظفون إلى باريس.

سيبو كلوبال ماركت “Cboe Global Markets” التي تعد واحدة من أكبر شركات التبادل المالي، أفادت بانخفاض التداول في سوق الأوراق المالية في لندن بنسبة 40 بالمائة مطلع العام الماضي بالتزامن مع حرمان لندن من تقديم عروض للأسهم المدرجة في الاتحاد الأوروبي للعملاء خارج المملكة المتحدة.

وقالت المجموعة إن هذا الأمر صب في صالح بلدان أوروبية إذ استغلت أمستردام الأمر لتتجاوز لندن وتصبح أكبر مركز في أوروبا على صعيد حجم الأسهم.

“كاثرين ماكجينيس” عضو المجلس السياسي لمؤسسة الحي المالي في لندن اعتبرت أنه على الرغم من أن “بعض الشركات والأنشطة المالية انتقلت إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، إلا أن التوقعات بهروب عشرات الآلاف من الوظائف من الحي المالي في لندن لم تتحقق”.

وأضافت أن هذا الأمر تزامن مع انتقال شركات أوروبية إلى الحي المالي في لندن لكي تمضي قدما في العمل في السوق البريطاني، مضيفة “ساعد هذا في خلق آلاف الوظائف الأخرى”، مبينة أنه: “لقد رأينا عددا من المطورين والمستثمرين يظهرون الثقة في إمكانيات حي المال في لندن من خلال الخطط المستقبلية. ففي عام 2021، تمت الموافقة على توسعات في المكاتب الجديدة بزيادة قدرها 70 بالمائة سنويا”.

كورونا أفاد لندن كمركز مالي

ويرى خبراء اقتصاديون أن لندن لم تتعرض بعد للتداعيات الكاملة لخروجها من الاتحاد من الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب وباء كورونا الذي جعل انتقال الناس أكثر صعوبة، وذلك بحسب “روس مولد” مدير الاستثمار في شركة ” أيه.جيه بيل ” الاستثمارية.

رئيس الخدمات المالية في “إرنست آند يونغ” “عمر علي” قال على موقع الشركة: “بالنسبة للعديد من شركات الخدمات المالية، لا نزال بعيدين عن الأثار للخروج الكامل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لم ينفذ بعد الإطار التنظيمي الجديد للتعامل مع المملكة المتحدة في مجال الخدمات المالية الذي تم الاتفاق عليه من حيث المبدأ في ديسمبر / كانون الأول الماضي.

اقرأ أيضا: الكهربائية تشكل 60% من مبيعات السيارات في السويد

وذكرت تقارير صحافية بأن هذا الأمر يعد عاملا أساسيا لإعادة بناء الثقة بعد أن ضغط البنك المركزي الأوروبي على البنوك في لندن “لتوظيف عدد كاف من الموظفين” في مراكزها الجديدة في الاتحاد الأوروبي بعد التأخير جراء قيود كورونا.

في هذا السياق، لا يزال التكتل الأوروبي منخرطا لحسم النقاط الخلافية مع المملكة المتحدة حول البروتوكول المتعلق بإيرلندا الشمالية في مرحلة ما بعد الخروج البريطاني.

مزايا لندن

يرى “روس مولد” أن لندن لا تزال تمتلك مزايا تصب في صالحها، فالمدينة بحسب رأيه: “توفر سيادة القانون ونظاما مصرفيا مركزيا مستقلا بالإضافة إلى لغة تُستخدم في الأنشطة التجارية في جميع أنحاء العالم. “

من جانبه، قال لي وايلد، رئيس إستراتيجية الأسهم في انتراكتيف انفستو إن الخروج وفقدان الشركات البريطانية حقوقها في أوروبا “يشبه حوم الطيور للحصول على حصتها، لكن لندن بمثابة وحش كبير وأي جروح لن تكون مميتة”.

وأضاف “كان الانتقال الحتمي لبعض الوظائف إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بعد الخروج امرا هزيلا ولم يكون بمثابة موجات تسونامي كما توقع البعض. ومن غير الواضح إذا كان سيستمر الأمر على هذا المنوال في السنوات المقبلة خاصة مع رفع قيود كورونا، لاسيما قيود السفر”.

وشدد “وايلد” على أن لندن تمتلك الكثير من الأسباب لكي تمضي قدما في الاحتفاظ بكونها “مركز مالي رئيسي في أوروبا”، مشيرا إلى أن هذه المزايا تتعلق “بالأسعار التنافسية والسيولة وانتشار السلع والخدمات المالية. كل هذا سيجعل من الصعب على أي شخص غض النظر عن لندن”.

الجدير بالذكر أن الحي المالي في لندن لا يزال يتمتع بقوة خاصة في تداول العملات الأجنبية والمشتقات المالية ويهيمن على أسواق التأمين التجاري فيما سجلت لندن رقما قياسيا في عدد الشركات التي طرحت أسهمها للاكتتاب لأول مرة العام الماضي. وقد بلغت القيمة السوقية للعروض العامة الأولية لقرابة 122 شركة 16.8 مليار جنيه إسترليني وهو يعد أعلى رقم منذ 2007.

ورغم ذلك، يرى “وايلد” أن نصيب المملكة المتحدة في سوق الاكتتابات الأولية على مستوى العالم يتضاءل أمام الخدمات المالية المربحة الأخرى، لافتا إلى أن بورصة “يورونكست” سجلت عاما قياسيا من حيث حجم الاكتتاب العام.

وأضاف “من غير المحتمل أن يشهد العام الجاري تكرارا لظروف السوق الجيدة التي حدثت العام الماضي، لكن لندن ستظل وجهة رئيسية للشركات التي ترغب في جمع الأموال.”

Exit mobile version