لماذا يثير قانون الجنسية الجديد مخاوف الأقليات في بريطانيا؟

لماذا يثير قانون الجنسية الجديد مخاوف الاقليات في بريطانيا؟

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

حالة من الخوف تسيطر على الأقليات في بريطانيا بعد تمرير حكومة “بوريس جونسون” مشروع قانون الجنسية والحدود المثير للجدل، فى مجلس العموم، بـ298 صوتًا مقابل معارضة 231 آخرين.

وبعد ما إقراره من مجلس العموم للقانون يعكف مجلس اللوردات البريطاني حاليًا على مناقشة بنود قانون الجنسية والهجرة الجديد، وسط توقعات بإقراره من اللورات خلال أيام، والسماح ببدء سريان العمل به، لكن كواليس النقاشات حول القانون الجديد داخل مجلس اللوردات تؤكد أن هناك بعض الخلافات بين أعضاء المجلس حول بعض البنود، ما يعنى أنه ربما تجرى بعض التعديلات الطفيفة عليه قبل بدء سريان العمل به.

تفاصيل القانون

القانون الجديد، الذى يشتمل على عدة بنود، يثير قلق الأقليات والمهاجرين، خاصة أن أحد بنوده يجرم الهجرة غير الشرعية بطريقة تصل إلى سجن المهاجر غير الشرعي لعدة سنوات، رغم أنه قد يكون ضحية لعصابات الاتجار بالبشر الذين يدفعون هؤلاء الشباب بقوارب صغيرة نحو الموت.

أيضًا بموجب قانون الجنسية وحماية الحدود، كما يُسمى، وتحديدًا البند رقم 9 من القانون، تسعى الحكومة البريطانية للحصول على تشريع يخوّلها بسحب الجنسية من شخص ما دون إخباره فى ظروف استثنائية، إن كان يشكل خطراً كبيراً على المملكة المتحدة.

هذه الفقرة حاولت وزيرة الداخلية “بريتى باتيل” تبريرها لكنها قوبلت باحتجاجات واعتراضات ليس عليها فقط وإنما على بنود أخرى فى القانون، حيث يخشى البعض من أن الأقليات العرقية قد تُعامل وفق هذا القانون بشكل مختلف عن البريطانيين البيض لدى ارتكابهم نفس الجريمة.

موقف الحكومة

موقف الحكومة البريطانية من القانون يتخلص في اعتبارها أن الإرهابيين ومجرمي الحرب والجواسيس هم الذين تستهدفهم بتعديل قانون الهجرة، لكن هذا التأكيد الحكومي لم ينجح فى إزالة مخاوف الأقليات، خاصة أن مشروع القانون يعفي الحكومة من شرط إبلاغ الناس عند سحب الجنسية منهم، وهو ما أثار مخاوف العديد من المجموعات المعبرة عن أقليات عِرقية أو دينية ودفعهم للخروج إلى الشارع للتعبير عن غضبهم من الحكومة ورفضهم للقانون.

 ففى شهر ديسمبر الماضي نظم نحو عشرين مجموعة تمثل أقليات فى بريطانيا مظاهرات أمام مقر الحكومة فى داونينج ستريت، اعتراضا على صيغة القانون الجديد، أبرزهم كانت مجموعات تمثل مجلس السيخ والرابطة الإسلامية وويندراش لايفس، وهى كلها مجموعات تدافع عن حقوق عدد كبير ممن تم تجريدهم من الجنسية فى وقت سابق.

وتقدر بعض الإحصائيات عدد من جُردوا من جنسيتهم خلال السنوات الماضية بالمئات، ويقول مختصون إنه لا توجد جهة رسمية تصرح بهذا العدد بشكل دوري.

ومع اقتراب خروج القانون من أروقة مجلس اللوردات لبدء تنفيذه فعليًا على الأرض، تزداد المخاوف بشأن احتمالية تعرض العديد من المواطنين لفقد جنسيتهم بذرائع الأمن القومي أو الاحتيال.

انقسام في الشارع البريطاني حول القانن

القانون تسبب في حالة من الانقسام بين مؤيديه وومعارضيه، فالمؤيدون يرون أن الصيغة الجديدة لقانون الجنسية والحدود هدفها وضع بعض النقاط على الحروف، وسيتم سحب الجنسية فى ظروف استثنائية نادرة وبناءً على تقارير أمنية موثقة، تؤكد خطر استمرار هؤلاء الأشخاص وضرورة تجريدهم من جنسيتهم.

ويرى مراقبون أن هناك بند آخر مهم فى القانون الجديد يتعلق بالتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، لأن هناك موجات من الهجرة غير الشرعية تجتاح البلاد وتنظمها عصابات من تجار البشر، ثم يدخل المئات بشكل غير شرعى وبعدها يذهبون للمحامين لعمل أوراق لجوء سياسى، كل هذا سيصبح من الماضى، لأن القانون الجديد سيجرّم هذه الأفعال ويقنن مسألة اللجوء، سواء لجوءً سياسيًا أو لجوءً إنسانيًا، حيث سيتعين على طالب اللجوء تقديم طلبه أولًا قبل دخوله البلاد، وبعد موافقة السلطات عليه يستطيع المجىء، أما من يحاولون الدخول بشكل غير شرعى عبر البحار، فستتم معاقبتهم بالسجن والترحيل.

من بين المعارضين لصيغة القانون الجديد السياسي البريطاني فلسطيني الأصل، كايد عمر غياظة، المرشح لانتخابات البلدية لعام 2022 عن حزب العمال البريطاني، والذى أكد، في تصريحات صحفية، أن حزب العمال لا يشعر بارتياح تجاه القانون الجديد، خاصة أن وزيرة الداخلية “بريتي باتيل”، التى شاركت فى صياغته، معروفة بتشددها تجاه الأقليات وخاصة العرب والمسلمين.

ويرى غياظة أن “هناك تكتم رهيب من قبل الحكومة على خطط ينوون تنفيذها بشأن المهاجرين، ومن بين تلك الخطط، إنشاء مخيمات للاجئين خارج بريطانيا، بإحدى دول شمال إفريقيا، ولدينا معلومات أن ليبيا هي الدولة المرشحة لعمل ذلك، صحيح أن ذلك لم ينفذ حتى الآن، لكن حزب المحافظين الحاكم يخطط لإنشاء مراكز إيواء للمهاجرين فى ليبيا ووضعهم هناك، استعدادا لترحيلهم بعد ذلك إلى بلدانهم الأصلية، وهذا سيكون ضد مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير”.

ويبين كايد أن “القانون الجديد يتضمن عدة بنود مثيرة للجدل، أبرزها بند 9 المتعلق بالتجريد من الجنسية، وهناك بند آخر يجرم المهاجرين عبر البحار ويطالب بسجنهم، رغم أنهم قد يكونون ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر الذين زجّوا بهم فى مراكب صغيرة وعرّضوا حياتهم للخطر دون اكتراث، وليس إنصافًا أن نضع قانونًا يوصى بسجن الناجين منهم”.

دراسة تكشف عن فقدان مئات الأشخاص جنسيتهم

قانون الهجرة الجديد سيكون وفقًا لمراقبين أكثر صرامة من نظيره الحالي، ورغم ذلك وجدت دراسة أعدتها حركة «فرى موفمنت» أن مئات الأشخاص فقدوا جنسيتهم منذ عام 2006 حتى الآن، لأسباب تراوحت بين قضايا الإرهاب والأمن القومى وقضايا الاحتيال.

إقرأ أيضا: الإسلاموفوبيا.. جدل في بريطانيا بعد استبعاد نائبة مسلمة من منصب وزاري

الدراسة ذكرت أن نحو 464 شخصًا على الأقل تم تجريدهم من جنسيتهم خلال 15 عامًا، منهم 175 شخصًا فقدوا جنسيتهم لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي وصلة هؤلاء الأشخاص بقضايا إرهاب، فيما فقد نحو 289 شخصًا آخرين جنسيتهم بسبب الاحتيال.

لكن المتخوفين من القانون الجديد يحذرون من تضاعف هذه الأعداد إذا ما تم السماح بتطبيق ذلك القانون المثير للجدل.

وفى السنوات الأخيرة، تم ربط عملية سحب الجنسية بقضايا الإرهاب وخاصة التى لها علاقة بالعناصر الإسلامية المتشددة، مثل “شميمة بيغوم”، المولودة فى بريطانيا والتى سافرت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية فى عام 2015، وسُحبت جنسيتها فى عام 2019 لأسباب أمنية.

 يقول منتقدو مشروع القانون الجديد: إن سحب الجنسية، كما فى حالة “شميمة بيغوم” التى فرت من بريطانيا عندما كانت تلميذة للانضمام إلى تنظيم داعش في سوريا، سيجعل سلطات وزارة الداخلية أكثر قسوة، مما سيؤدي إلى خلق خلاف حول صلاحياتها.

 قبل أيام نشرت صحيفة «الأوبزرفر» تقريرا حول تجريد شخص من جنسيته البريطانية، رغم أنه مولود فى لندن لأبوين من بنجلاديش، وقالت السلطات إنه متطرف إسلامي، تم سحب الجنسية منه لاعتبارات الأمن القومي.

تجريد الجنسية الهاجس الأكبر

مخاوف الجمعيات الحقوقية من تجريد مزيد من المواطنين من جنسيتهم وما يترتب على ذلك من ضياع لحقوقهم الأساسية، ردت عليها وزارة الداخلية، على لسان المتحدث الرسمي لها، بأن الوزارة ملتزمة بتقرير الشفافية لعرض تفاصيل وأسباب التجريد من الجنسية، والتى تنحصر أغلبها فى أسباب تتعلق إما بالاحتيال أو الأمن القومي والإرهاب.

 يُذكر أنه تم توسيع سلطات وزارة الداخلية لتجريد الرعايا البريطانيين من جنسيتهم بعد تفجيرات لندن عام 2005، لكن استخدامها زاد فى عهد “تيريزا ماي” كوزيرة للداخلية من عام 2010، وتم توسيعها مرة أخرى فى عام 2014، حيث تم بالفعل إضعاف شرط إرسال الإشعار فى عام 2018، مما سمح لوزارة الداخلية بتقديم الإشعار عن طريق وضع نسخة منه فى ملف الشخص، ولكن فقط فى الحالات التى يكون فيها مكان وجودهم غير معروف.

Exit mobile version