“إيمانويل كانت”.. آخر فلاسفة عصر التنوير

"إيمانويل كانت".. آخر فلاسفة عصر التنوير

"إيمانويل كانت"

أخبار القارة الأوروبية – بورتريه

يعد “إيمانويل كانت” آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية، وهو آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين “جون لوك” و”جورج بيركلي” و”ديفيد هيوم.”

ولادته ونشأته..

ولد إمانويل في 22 أبريل عام 1724 في مدينة كونيغسبرغ عاصمة مملكة بروسيا ذلك الوقت في القرن الثامن عشر، التي أصبحت تسمى اليوم كيلننغراد وتتبع لدولة روسيا.

لما نضج “كانت” برزت قدراته وبرز تفوقه/ ولاحظ ذلك القس “فرانز شولتز” الذي كان مقربا لعائلته، وما كان من القس الذي ذهل لنضوج كانت المبكر إلا أن أقنع العائلة بإرسال ابنهم إلى الدراسة في المدرسة الفردركية أقوى وأجود المدارس في مملكة بروسيا.

 وكان القس “شولتز” يعمل في تلك المدرسة، هناك قضى “كانت” ثمان سنوات من الدراسة الجادة، كان يدرس ستة أيام في الاسبوع يبدأ يومه الدراسي في السابعة صباحا وينتهي في الرابعة مساء، درس فيها كل لغات ذلك الزمان من اللاتينية واليونانية إلى العبرية والفرنسية، ودرس الرياضيات واللاهوت.

بعد تخرجه بترتيب الثاني على صفه تخرج كانت ابن السادسة عشرة من المدرسة الثانوية، فالتحق بجامعة كونيغسبرغ حيث تغيرت اهتماماته وولع بالفلسفة والعلوم، وتأثر تأثرا شديدا بأستاذه “مارتن كنوتزن” وكان أستاذه من أتباع المدرسة العقلية أو العقلانية.

قضى “كانت” سبع سنوات في الجامعة لكنه لم يتخرج بسبب ضائقة مالية ألمت به حيث توفيت والدته سنة 1737 ثم توفي والده سنة 1746.

كان على كانت أن يدبر أموره المالية بنفسه، فترك الكلية وأصبح مدرسا خصوصيا لأطفال الأسر الثرية التي تسكن قريبا من مدينته كونيغسبرغ، أثناء هذه السنوات كرس وقت فراغه الطويل في الدراسة الذاتية وكتابة أطروحته التي سيقدمها للجامعة.

وفي عام 1755 عاد كانت إلى الجامعة مرة أخرى وقدم بحثه وأطروحته، وأعطته الجامعة وظيفة مساعد أستاذ.

“جورج ستوكس”.. مبدع قل نظيره في عالم الفيزياء والرياضيات

طوال ستينات وسبعينات القرن الثامن عشر كان “كانت” نشيطا جدا في مجال الكتابة فنشر كتبا عديدة وكتب مقالات كثيرة في موضوعات مختلفة، وكتب عن العلم وعن الفلسفة والأخلاق والجمال وكتب عن الفلك والمنطق والميتافيزيقا.

كان “كانت” مدرسا محبوبا وله شعبية بين طلابه فقد كانوا يرون أن محاضراته ممتعة فقد كان يلقي كثيرا من النكات المرحة أثناء الدروس، وأخيرا في 1770 أسس كرسي المنطق والميتافيزيقا وأعطته الجامعة راتبا يمكن أن يعيش به عيشة كريمة.

فلسفة كانت..

طرح “إيمانويل كانت منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تأثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.

أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره.

 يبحث “كانت” في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته، قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقيا التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية، وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته، منها كتابه نقد العقل العملي الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني، وكتابه نقد الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية.

تطرح الميتافيزيقا أسئلة عديدة حول الحقيقة المطلقة للأشياء، اعتقد “كانت” أن بالإمكان إصلاح وتهذيب الميتافيزيقا الكلاسيكية عن طريق تطبيق نظرية المعرفة عليها، حيث زعم أنه يمكننا باستخدام هذه الطريقة مواجهة الأسئلة التي تطرحها الميتافزيقا، والأهم من ذلك أن نعرف المصادر التي نستقي منها معرفتنا وأن نعرف ماهية حدود المعرفة التي يمكن الوصول إليها.

اقترح “كانت” أنه بعد أن نفهم ونعرف مصادر وحدود المعرفة الإنسانية والعقلية يمكننا طرح أي أسئلة ميتافيزيقية والحصول على أجوبه مثمرة.

وسأل سؤالا خطيرا هو هل للأشياء والمواضيع التي نعرفها خصائص معينة سابقة على تجربتنا وعلى إحساسنا. وأجاب على ذلك بأن جميع المواضيع والأشياء التي يمكن للعقل معرفتها تتم بطريقة يختارها العقل.

ويضرب مثالا على ذلك أنه إذا استعد العقل للتفكير قبل أي موضوع واختار العقل التفكير بطريقة السببية فإننا بالتالي نعلم قبل ان نتعرف على أي موضوع ان الموضوع سيكون إما سببًا أو نتيجة.

العقل ومبدأ السببية..

ويصل “كانت” إلى نتيجة مفادها أن هناك مواضيع لا يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببية. ونتيجة أخرى هي أن مبدأ السببية هو طريقة في التفكير لا يمكن أن تستقل عن التجربة والإحساس،ولا يستطيع مبدأ السببية الإجابة عن جميع الأسئلة. ويضرب سؤالا للتوضيح هو هل العالم أزلي أم له مسبب؟، وبالتالي فإن أسئلة الميتافيزيقيا الأساسية لا يستطيع العقل الإنساني الإجابة عنها. لكن العقل يفهم ويعرف ويجيب عن أسئلة العلوم العادية لأنها تخضع لقوانينه.

“ويليام بتلر ييتس”..الكاتب المسرحي المرموق الذي آمن بالأشباح والسحر

ابتدع “ايمانويل كانت” نظاما مبتكرا في نظرية المعرفة هو مزيج بين المدرستين التجريبية والعقلية، فأهل المدرسة التجريبية يرون أن المعرفة لا تكون إلا من طريق التجربة لا غير، أما أهل الطريقة العقلية فيرون أن نظام الشك الديكارتي وأن العقل وحده من يمدنا بالمعرفة، خالفهم كانت في ذلك حيث يرى أن استخدام العقل وحده دون التجربة لا يقود إلى المعرفة بل يقود إلى الأوهام، أما استخدام التجربة فلا يقود إلى معرفة دقيقة ولا تعترف بوجود مسبب أول الذي يعترف به العقل المجرد.

كان فكر ايمانويل كانت مؤثرا جدا في ألمانيا أثناء حياته وبعدها، فكانت نقل الفلسفة إلى مكان آخر أرفع من المناظرة والمجادلة بين الفلاسفة العقلانيين والفلاسفة التجريبيي،. تأثر به الفلاسفة الألمان بعده.، مثل “يوهان جوتليب فيشته” و”فريدريك شلنغ” والفيلسوف الكبير “هيغل” و”آرثر شوبنهاور”، وأسس هؤلاء ما عرف بالفلسفة المثالية الألمانية.

كل هؤلاء الفلاسفة رأووا في أنفسهم مصححين وموسعين ومطورين للنظام والفلسفة الكانتية، وهكذا ظهرت نماذج مختلفة من الفلسفة المثالية الألمانية، استمر تاثير “كانت” وامتد ليكون مؤثرا أساسيا في الفلسفات التي جاءت بعده، فقد كان له تأثير كبير على الفلسفة التحليلية(رسل ومور والوضعية المنطقية) والفلسفة الأوربية القارية.

Exit mobile version