أخبار القارة الأوروبية – السويد
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع بقضية تتهم فيها الحكومة السويدية بخطف أبنا المسلمين، ما اضطر الحكومة لنفي هذا الادعاء الذي تردد على نطاق واسع في الآونة الأخيرة.
الاتهامات وجهت تحديدا لجهاز الخدمات الاجتماعية السويدية المعروف باسم “السوسيال”، فيما ادعت الحكومة أن هذه الاتهامات زائفة ومضللة وتستهدف إثارة التوتر ونشر الارتياب.
اتهامات بالفاشية
نشطا طالبوا بمقاطعة السويد واتهموها بالفاشية ومعاداة المسلمين، ومع تصاعد النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّ “الغرب مثل السويد والدنمارك يريدون ترحيل الكبار والاحتفاظ بالصغار”.
وتواصل عشرات العائلات اللاجئة في السويد حملة “أوقفوا خطف أطفالنا”، والتي أطلقت للفت الانتباه إلى قيام “هيئة الشؤون الاجتماعية” المعروفة بـ”السوسيال”، بفصل الأطفال عن آبائهم بحجة أن العائلة ليست مؤهلة لرعاية الأولاد.
ما القصة؟
الكثير من اللاجئين في السويد يشكو من قيام “السوسيال” بحرمانهم من أبنائهم، باعتبارها عملية خطف دون وجود غطاء قانوني.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية عشرات القصص لسحب عدد من الأطفال ممن هم من أصول عربية.
وتظاهر الإثنين مئات اللاجئين أمام البرلمان السويدي في العاصمة ستوكهولم للتنديد بما تقوم به مصلحة الخدمة الاجتماعية في البلاد، وأكدت العائلات على الاستمرار في حراكهم حتى تحقيق مطالبهم في استعادة الأطفال.
من جانبه قال المحامي والناشط الحقوقي السوري المقيم في السويد، “إيهاب عبد ربه”، إن “القانون السويدي يسمح بسحب الأطفال من العائلات عندما يكون هناك خطر جسيم أو سوء سلوك نابع من بيئة الطفل أو من الطفل نفسه، مثل التعنيف وتعاطي المخدرات وغيرها”.
وأوضح أن “قرار السوسيال غير نهائي، لكن القرار النهائي يصدر من المحكمة الإدارية في المقاطعة، وبالتالي دائما توجد قدرة على محاججة السوسيال وإثبات أنه لا يوجد خطر على الأطفال، وأنه لم يكن هناك أي تصرف سيء من الأهل واستعادة الأطفال”.
وخلال عام 2020 أعلنت الحكومة السويدية عن تقديم الرعاية لما يقارب 20 ألف طفل في البلاد، والذين تم إيداعهم للرعاية خارج المنزل وفقا لإحصائيات رسمية.
موقف الحكومة السويدية
السلطات اعتبرت أن ما يجري هو تهديد أمني للبلاد، ووجهت الحكومة أصابع الاتهام في المقابل لبعض الجماعات الإسلامية والعربية مدعية أنها تستغل النقاشات في نشر “نظرية مؤامرة” و”التحريض على السويد”.
“ميكائيل توفيسون” رئيس العمليات في هيئة الدفاع النفسي السويدية المخولة بمهمة مواجهة المعلومات المضللة التي تستهدف السويد، قال إن هناك “حملة افتراء تتّهم السلطات باختطاف أطفال المسلمين ونزعهم قسراً من أهاليهم”.
كما حذّر جهاز الاستخبارات السويدي من ما وصفها بأنها “حملة تضليل وأخبار كاذبة” بدأت تنتشر على مواقع عربية وإسلامية ضدّ السويد وفي الإمكان أن تؤدّي إلى “أعمال عنف وإرهاب ضد مصالح السويد” بعد رصد تحريض في مواقع دردشة مغلقة و”تضخيم للقصص”.
أزمة مع العرب والمسلمين
جهاز الأمن الاستخباراتي السويدي “سابو” أبدى خشيته من نشوء أزمة “شبيهة بأزمة صحيفة شارلي إيبدو (الفرنسية في عام 2015)، و”يولاندس بوستن” (الدنماركية التي تسببت في أزمة رسوم النبي محمد في عام 2005)”، وحذّر من ما وصفها بمخاطر “حملة التضخيم التي يغذّيها غضب إسلاميين متشددين”.
وسردت السلطات السويدية روايتها لما يجري مدعية أن كلّ ما يثار حول أنّ “السويد بلد إرهابي”، يتعلق بتطبيق السويد، كمعظم الدول الإسكندنافية قوانين رعاية الطفل، وذلك يشمل “كل العائلات بما فيها السويدية” بحسب الخدمات الاجتماعية السويدية.
وتابعت السلطات بالتأكيد على أن تطبيق قانون نقل طفل من عائلة ضعيفة اجتماعياً تحوّل إلى “خطف الأطفال المسلمين”.
وتؤكد تلك السلطات أنّ الأمر بمجمله “يتعلق بنقل بضعة أطفال إلى عائلات أخرى أو مؤسسات ريثما يُسوّى الوضع في عائلات ضعيفة اجتماعياً وغير قادرة على تقديم الرعاية والحماية بحسب القوانين”.
السويد ترى أيضا أن تدخّل وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مؤسسات رسمية لرعاية حقوق طفل لا يتعلّق بظاهرة واسعة النطاق، بل يأتي في “نطاق مدروس يستوجب بالفعل التدخّل لمساعدة العائلات الضعيفة على التغلب على المصاعب بعد نقل الطفل منها، وإعادته إليها بعد أن تصير قادرة على رعايته”، وهو توجّه يؤكده ناشطون من استوكهولم.
وعبرت الخارجية السويدية، عن قلقها من “الحملة المتواصلة على نطاق واسع في الشرق الأوسط، مبدية خشية من وقوع أزمة مع العالم العربي شبيهة بتلك التي وقعت مع الدنمارك قبل نحو عقدَين ومع فرنسا في العامَين الماضيَين.
من جهته، صرّح وزير الهجرة والاندماج “أندرس يغمان” بأنّه “لا بدّ من أن تواجَه الأكاذيب بالحقائق”، لافتاً إلى أنّ المسلمين والأئمة في السويد ينأون بأنفسهم عن هذه الدعاية والمعلومات المضللة.
مشاكل اندماج..
قضية أخذ أو سحب الأطفال من أسرهم من جانب هيئة الخدمة الاجتماعية في السويد، وتسليمهم إلى أسر جديدة، أو مراكز رعاية الأطفال، بهدف تأمين بيئة أفضل لهم هي من القضايا المأساوية بالنسبة إلى الأسر المعنية ، وهي ليست سهلة بالنسبة للأطفال أنفسهم؛ كما أنها تكلف المجتمع الكثير من الجهود والأموال، وتثير الكثير من المشاعر والمواقف المتباينة من مختلف الأطراف.
وبناء على أرقام الإحصائيات التي نشرها مركز المعلومات السويدي، بلغت حالات سحب الأطفال من أسرهم خلال عام 2019 في جميع السويد لأسباب لها علاقة بضرورة المحافظة على سلامتهم الجسمية والنفسية 7900 حالة، منها 4800 حالة تخص أطفالاً من أصول سويدية، ومنها 3100 حالة تشمل أطفالاً من أصول مهاجرة. وباعتبار أن نسبة المهاجرين في المجتمع السويدي تبلغ حاليا نحو 20 في المئة.
المهاجرون الذين استقروا مؤخرا في السويد يعانون من الانشغال التام بأنفسهم من جهة ضرورة تعلم اللغة، والبحث عن العمل، وصعوبات التأقلم مع المجتمع الجديد من جميع النواحي، وقد يؤدي ذلك لتوتر داخل الأسرة وبعض المشكلات، وهو ما تقوم حياله هيئة الخدمة الاجتماعية “السوسيال” بالتدخل حينها بمجرد وصول أي معلومة عن الأمر، وفي بعض الحالات يتم سحب الطفل من أسرته لوضعه بصورة مؤقتة لدى أسرة حاضنة أو في مركز رعاية الأطفال.
إقرأ أيضا: السويد تعلن عزمها تشديد القواعد على المدارس الدينية المستقلة
من جهة أخرى يعاني أطفال المهاجرين في السويد، خاصة اليافعين منهم، من واقع بالغ نتيجة صعوبة اختيار القيم والمعايير والقواعد غير المكتوبة التي عليهم الالتزام بها،إذ عليهم التوفيق بين ثلاث منظومات منها، ففي المدرسة عليهم عدم الإخلال بالقيم الديمقراطية السارية، واحترام حرية التعبير والاعتقاد والممارسات.
ولكن في الوقت ذاته عليهم أن يحافظوا على القيم والأعراف السائدة في البلد الأصلي بناء على توجيهات الأهل. كما يطالبون في الوقت عينه بمراعاة الأعراف والعادات والمعايير التي تشكلت ضمن كل مجموعة من مجموعات المهاجرين، وهي قيم هجينة لا تنتمي إلى البلد الأم، ولا إلى البلد الجديد؛ وكل ذلك يشكل ضغطاً هائلاً يثقل كاهل اليافعين، ويلزمهم ببذل أقصى درجات الجهد والتركيز والحيطة للحفاظ على التوازن بين المنظومات الثلات.
ويعيش في السويد حوالي 800 ألف مسلم، وهي دولة تعد المثال الأفضل على المستوى الأوروبي على صعيد الخدمات الاجتماعية، والحرص المستمر من جانب البرلمان والحكومة لمساعدة المهاجرين، وتمكينهم من الاندماج؛ كما توجد الكثير من التدابير والمساعدات التي تمكّن المهاجرين من الدخول إلى سوق العمل، الأمر الذي يسهّل عمليات شراء البيوت، والتفاعل مع المجتمع.
وهناك قوانين وإجراءات صارمة تمنع التمييز بين المواطنين والمقيمين في السويد، بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو القومية أو العرق، كما أن حرية التعبير والنشر مضمونة للجميع، ولكن شرط عدم الإساءة للآخرين، إلا أن كل ذلك لا ينفي وجود الثغرات، ووجود قوى عنصرية تنتقد باستمرار سياسات الحكومات السويدية سواء اليمينية منها أم الاشتراكية واليسارية في ميدان استقبال اللاجئين.
هناك أخطاء تُرتكب من قبل المسؤولين في هيئة الخدمة الاجتماعية، وهناك ثغرات في ميدان تقديم المعلومات حول المجتمع السويدي بطريقة مهنية إلى القادمين الجدد، ولكن هناك آليات لنقدها وإمكانية لاصلاحها.
قضية سحب السوسيال للأطفال من المسلمين تبدو شائكة إلى حد كبير، لكن الأكيد أنها راحت تكبر ككرة الثلج في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف من زيادة حدة التوتر بشكل يؤثر على أوضاع المسلمين في السويد وفي أوروبا بشكل عام، ما يتطلب التعامل معها بآليات واضحة يمكنها تحقيق نتائج ناجعة بدلا من ترك الأحداث تحرك نفسها نحو المجهول.
Comments 1