الاستبدال الكبير.. الهجرة العكسية بين خطاب التطرف وصراع الهوية في فرنسا

الاستبدال الكبير.. الهجرة العكسية بين خطاب التطرف وصراع الهوية في فرنسا

أخبار القارة الأوروبية – فرنسا

مع اقتراب عقد الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية المقرر إجراؤها في أبريل المقبل، ازدادت حدة المنافسة خاصة بين مرشحي اليمين واليمين المتطرف، لكن في نفس الوقت بات التركيز على المهاجرين وتضخيم حجمهم، سببا رئيسا في اضطرار الكثير من هؤلاء المهاجرين لمغادرة فرنسا بحثا عن فرص أفضل في الحياة.

أحدث استطلاع للرأي أجرته “Ipsos-Sopra Steria” كشف عن أن القدرة الشرائية هي الشغل الشاغل للمواطن الفرنسي، فالفرنسيون منشغلون كثيرا بتدهور ظروفهم المعيشية وارتفاع الأسعار، بينما لا يتصدر ملف الهجرة أولوياتهم، وإنما يأتي في المرتبة الرابعة، بعد الصحة والبيئة، ورغم ذلك فإن الحملات الانتخابية مصرة على وضع ملف الهجرة في المقدمة.

هيمنة موضوع الهجرة على جميع النقاشات الانتخابية من قبل بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في العاشر من نيسان/أبريل أدت إلى مغادرة العديد من مسلمي فرنسا إلى الخارج، هربا من العنصرية.

وبحسب جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فإن الحديث عن “الهوية الوطنية” منذ سنين جعل بعض المرشحين يركزون بشكل مفرط على الهجرة وهو ما يشهد على وجود أزمة عميقة في فرنسا.

ويؤكد تقرير للجريدة على أنه لا الساسة ولا حتى الإعلام اهتموا بهجرة الأدمغة بسبب فشل فرنسا في توفير طريق للتقدم لهم، وبخاصة أبناء المهاجرين الذين لو أحسنت فرنسا استخدامهم لقدموا قصة نجاح عن الأقليات

عدد من المرشحين من اليمين المتطرف مثل “إيريك زمور” (حزب الاسترداد) و”مارين لوبان” (حزب التجمع الوطني) يركزون على موضوع الهجرة والمهاجرين ويحذرون من تجسيد نظرية “الاستبدال الكبير” على أرض الواقع.

وقبل الانتخابات الرئاسية في نيسان/إبريل فإن المنافسين الثلاثة لـــ”إيمانويل ماكرون” والذين يشكلون نسبة 50% من أصوات الناخبين حسب بعض الاستطلاعات، يخوضون الحملات الانتخابية ببرامج معادية للمهاجرين وأن البلد يواجه “تهديدا حضاريا” من الغزاة غير الأوروبيين، إذ باتت قضية الهجرة على رأس أولويات المرشحين مع أن نسبة المهاجرين القادمين إلى فرنسا هي أقل من جاراتها الأوروبية.

الهجرة العكسية والهوية..

لكن المشكلة التي لم تناقش أبدا هي الهجرة من فرنسا التي خسرت ولسنوات عدة المتعلمين المهنيين الباحثين عن ديناميات أكبر وفرصا في أماكن أخرى من العالم، ومن بين هؤلاء نسبة كبيرة من المسلمين الذين يقولون إن التمييز ضدهم هو العامل الأقوى، حسب أبحاث أكاديمية فرنسية.

وشعر هؤلاء المسلمون بأنه لا مفر لهم إلا المغادرة بسبب السقف الزجاجي من التحيز والمخاوف على أمنهم وشعورهم بعدم الانتماء.

“أولفييه أستيفيز”، وهو أستاذ في معهد الدراسات والأبحاث الإدارية والسياسية في جامعة “ليل” بشمال فرنسا، يقول إن  “السياسيين الفرنسيين لا يتحدثون كثيرا عن الهجرة العكسية والمتمثلة في رحيل مئات من الفرنسيين المسلمين إلى بريطانيا أو كندا على سبيل المثال للعيش والعمل هناك والمساهمة في نمو اقتصاد تلك الدول”.

“أستيفز” نظم دراسة مسحية شملت 900 مهاجر مسلم فرنسي، وقام بمقابلات موسعة مع 130 منهم، وخلص إلى أن “فرنسا تطلق النار على نفسها” أو تضر بنفسها.

الحملات الانتخابية والمهاجرين..

نسبة المسلمين في فرنسا تصل إلى 10% من مجمل السكان، لكنهم يحتلون مكانة أكبر من حجمهم في الحملات الانتخابية، مع أنه من النادر ما يستمع لصوتهم الحقيقي، وذلك وبحسب “نيويورك تايمز” علامة على الجراح القائمة بسبب هجمات 2015 و2016 ومشكلة فرنسا مع هويتها وعلاقتها التي لم تحسم مع مستعمراتها السابقة.

بعض المرشحين في الانتخابات الرئاسية يدلون بتصريحات مهينة بحق الفرنسيين المسلمين، على غرار “إيريك زمور” الذي قال حسب نيويورك تايمز إن “أرباب العمل الفرنسيين لهم الحق في رفض تشغيل العرب والسود”.

ويربط المهاجرون والمسلمون منهم بالجريمة والمشاكل الاجتماعية الأخرى وتطلق عليهم التعبيرات مثل “المناطق غير الفرنسية” على حد تعبير “فاليري بيكريس”، مرشحة يمين الوسط والتي تضعها الاستطلاعات في المرتبة الثانية جنبا إلى جنب مع مرشحة اليمين المتطرف “مارين لوبان”، وخصمهم مقدم البرامج التلفزيونية والمرشح الرئاسي حاليا “إريك زمور”.

مشاكل المسلمين..

دراسة نشرتها الحكومة الفرنسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كشفت أن الفرنسيين من أصول مسلمة لديهم حظوظ أقل لكي يتصل بهم رب عمل ما لإجراء مقابلة معهم بهدف توظيفهم.

“راما ياد”، الوزيرة السابقة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، فقد قالت لجريدة “نيويورك تايمز” بأن “التركيز المفرط حول موضوع الهجرة من قبل المرشحين خلال الحملة الانتخابية، ما هو إلا نتيجة لعشرين عاما من الحديث عن الهوية الوطنية”.

موضوع الهجرة فرض نفسه في الحملة الانتخابية على الرغم من أن عدد المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا أقل بكثير مقارنة بدول غربية أخرى.

وزادت الهجمات المعادية للمسلمين في فرنسا عام 2020 بنسبة 52% حسب هيئة حقوق الإنسان الحكومية.

إقرأ أيضا: تأسيس منصة في فرنسا لمكافحة الإسلاموفوبيا

ووجد تحقيق حكومي بعد هجمات 2015 نظم عام 2017 أن العرب والسود عرضة لوقف الشرطة وفحص هوياتهم بنسبة 20 ضعفا، ولا تزيد فرص المتقدمين لأعمال في مراكز العمل وبأسماء عربية عن نسبة 32%.

مشاكل الاندماج..

في استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الأزمة الصحية، قال ثلثا الفرنسيين إن هناك عددًا كبيرًا جدًا من الأجانب في فرنسا، وأنهم لم يندمجوا بشكل كافٍ في المجتمع الفرنسي.

 ولكن في خريف عام 2020، وبعد الحجر الصحي الأول، انخفض هذا الرقم إلى 50٪. فيما يتعلق بمسألة الاندماج أيضًا، كما انخفضت النسبة بشكل كبير. حيث اكتشف الفرنسيون أن المهاجرين والأجانب كانوا حاضرين وفعالين للغاية فيما يسمى بالوظائف الأساسية خلال الجائحة.

سيطرة السياسيين المتطرفين على الساحة الفرنسية، وتعالي الخطاب الشعبوي، والتركيز الإعلامي المفرط على المهاجرين ووضعهم في المجتمع، واختلاق أزمة هوية، عوامل ساهمت بشدة في تدهور أوضاع هؤلاء المهاجرين وسمحت بتحولهم إلى غرباء في وطن يحملون جنسيته بصفة رسمية ما جعل عدد منهم يقوم بهجرة عكسية لدول غربية أخرى استفادت منهم، وباتوا يعاملون فيها كفرنسيين بصورة لائقة رغم أن هذه الصفة لم تسعفهم كثيرا في الداخل الفرنسي، لتفقد فرنسا الكثير من الأدمغة والأيدي العاملة التي راحت تساهم في بناء الحضارة في بلدان أخرى أقل تطرفا وأكثر انفتاحا.

Exit mobile version