أخبار القارة الأوروبية – تقارير
لا تزال الحرب في أوكرانيا تكشف حالة صارخة من التمييز ضد اللاجئين على أساس العرق والجنسية والبلد القادم منها.
فالدول الأوروبية أظهرت حالة من الترحيب والتضامن مع اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب هناك، والذين وجدوا الحدود قد فتحت والموارد قد رصدت لتأمينهم واستقبالهم بشكل إنساني، ووافقت بلا جدال على منح اللاجئين الأوكرانيين إقامات تصل إلى ثلاث سنوات على أراضيها، دون حاجتهم للتقدم بطلبات لجوء.
أقرب الدول المحاذية لأوكرانيا عملت على تشكيل خلايا أزمة لمتابعة الأوضاع والشؤون الإنسانية، فبولندا التزمت باستقبال مليون لاجئ أوكراني، رومانيا أيضا التزمت باستقبال نصف مليون، على الرغم من كونها الدولة الأفقر في الاتحاد. ليتوانيا والمجر ولاتفيا ومولدوفا واليونان، كلها أيضا فتحت حدودها لاستقبال اللاجئين.
أوروبا لديها متسع لحفظ حقوق اللاجئين
الموقف الأوروبي من أزمة اللجوء الأوكرانية أظهرت وجود متسع في القارة لاستقبال اللاجئين على نحو إنساني يحفظ حقوقهم وكراماتهم، ولكن، هذه الاستجابة لأكبر أزمة هجرة تشهدها القارة الأوروبية خلال القرن الحالي، لا تتلاءم مع ما يتعرض له المهاجرون الذين وصلوا إلى بعض بلدان القارة خلال السنوات القليلة الماضية.
فهذه الدول نفسها ثارت ثائرتها عندما سمحت بيلاروسيا للمهاجرين بتخطي حدودها نحو تلك الدول، حيث تدفق الآلاف ممن يحلمون بالوصول إلى دول أوروبا الغربية تدفقوا على تلك الحدود، حيث بدأت معالم أزمة إنسانية خطيرة بالتكشف.
وهنا منعت بولندا دخول أي من هؤلاء إلى أراضيها، واتخذت موقفا حاسما من الهجرة حتى أنها ضربت بعرض الحائط قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بضرورة تقديم الدعم للعالقين على حدودها.
السلطات الأوكرانية أنشأت مراكز احتجاز على حدودها وضعت فيها المهاجرين الواصلين، دون أن يتمكنوا من التقدم بطلبات لجوء، ووزعت مطوية على طالبي اللجوء في روكلا تتوعد من يجتاز الحدود بشكل غير شرعي بالسجن والترحيل، فضلا عن عدم تمكنه من الحصول على اللجوء.
أوضاع المهاجرين في ليتوانيا مأساوية
أوضاع المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط هناك مأساوية حيث يقيم المهاجرون لشهور يتعرضون فيها لمضايقات وانتهاكات عكست آثارها السلبية على كافة القاطنين في المركز، خاصة الأطفال، ويوضعون قيد المراقبة الدائمة، ينفّذون عمليات تعداد شبه يومية وأكثر من مرة في اليوم، معظمها في ساعات الصباح الأولى. يقتحمون الغرف بوحشية هائلة، لا يأبهون لوجود الأطفال أو الرعب الذي يتسببون به لهم. أطفالي يعيشون في خوف دائم، يرتجفون من أي صوت أو حدث مفاجئ.
الحالة العامة في هذا المخيم كئيبة والأمراض الجلدية والتنفسية متفشية بكثرة، وعدد منهم أصب بكورونا.في البداية، كانوا يضعون علامة حمراء على أبواب غرف المصابين، لاحقا باتوا ينقلون المصابين للحجر في سجن بعيد، على الحدود مع لاتفيا.
المحجورون كانوا يقضون أكثر من شهر هناك، في ظروف سيئة للغاية وطعام شحيح، لدرجة دفعت البعض لعدم الإفصاح عن إصابته بكورونا حتى لا يفرقوهم عن عائلاتهم ويحتجزونهم في تلك الأماكن البعيدة.
انتهاكات بحق المهاجرين الشرق أوسطيين
الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في ذلك المركز، ومعظمهم من دول شرق أوسطية، وصلت إلى حد الاحتجاز التعسفي والضرب، فالاعتراض ممنوع، أي شخص يشكّون في أنه يعترض على الظروف المعيشية يعتقلونه فورا، وهناك رجال معتقلون منذ أشهر في منشآت لا نعلم عنها شيئا، عائلاتهم لم تسمع عنهم أو منهم منذ اعتقالهم”.
دورية معتادة لتفتيش الغرف. يذكر أن السلطات تقوم بهذا النوع من الدوريات عدة مرات يوميا، وغالبا ما تتسم بالعنف. الحقوق محفوظة.
مفاهيم حقوق الإنسان باتت بالنسبة لهؤلاء المهاجرين كقصة من الخيال العلمي، نحن حرفيا نعيش بلا حقوق، وتنتهك الخصوصية وحرية التعبير وحرية التنقل وكأنهم داخل سجن.
تقيم كل عائلة في ذلك المركز في غرفة لا تتعدى مساحتها 2.5 م عرضا ومترا واحدا بالطول. الحمامات والمطبخ ونقاط الاغتسال مشتركة.
“طبعا الحمامات معظم الوقت لا تعمل، وهي بعيدة عن الغرف مسافة 500 متر. إذا كان علي أن أرافق أحد أولادي ليلا إلى الحمام، سيكون علينا قطع كل تلك المسافة بالبرد القارس وأن نبحث عن حمام قابل للاستخدام”يقول “باسم وهو أحد العراقيين المقيمين في ذلك المركز الذي أضاف “هناك نحو 800 شخص في هذا المخيم، جميعهم عائلات، وجميعهم رفضت طلبات لجوئهم، وجميعهم خاضعون لهذه المعاملة اللاإنسانية”.
ولأن طلبات لجوئهم مرفوضة، يمنع على طالبي اللجوء مغادرة المركز أو العمل أو تسجيل أطفالهم في المدارسـ والخيار الوحيد المتاح أمامهم هو العودة إلى بلادهم. لكن وفقا لـ”باسم” ولعدد كبير من العراقيين المتواجدين هناك، العودة إلى العراق مستحيلة، خاصة وأنهم يخشون القتل بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات التي اندلعت هناك قبل أشهر.
مهاجرون راحوا يتوسلون لدى السلطات للسماح للأطفال والنساء بالخروج من ذلك المركز، ليحظوا ببعض الهدوء وليعيش الأطفال بعضا من الأوقات الطبيعية التي تتلاءم وأعمارهم. لكن الجواب كان يأتي دوما بالرفض.
ولتزداد الأمور تعقيدا، أنشأت السلطات، وفقا لعدة شهادات من مهاجرين متواجدين في المركز، قاعدة عسكرية قريبة، يتواجد فيها عناصر مسلحة يتدربون يوميا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فالأطفال يستفيقون مذعورين ليلا، تارة خوفا من اقتحام الشرطة للغرف وطورا من أصوات الانفجارات الناجمة عن التدريب.
ترحيب كبير بالأوكرانيين وفرص عمل في المتناول
في المقابل أعلنت السلطات الليتوانية مطلع الشهر الجاري أن الأوكرانيين الفارين من الحرب يمكنهم الدخول إلى سوق العمل فور وصولهم أراضيها.
وزيرة الضمان الاجتماعي والعمل الأوكرانية، “مونيكا نافيكيين”، أعلنت في مؤتمر صحفي في حينه أن الأوكرانيين الذين يحملون جوازات سفر بيومترية أو تأشيرة شينغن أو تصريح إقامة مؤقت “سيتمكنون من الاندماج في سوق العمل على الفور”.
اقرأ أيضا: الدنمارك.. ترحيب حار بالأوكرانيين وطرد بلا رحمة للسوريين
أما الذين ينتظرون الحصول على تصريح إقامة ستعتني بهم دائرة التوظيف العامة الليتوانية، و”سيتم تزويدهم بجميع المعلومات المطلوبة”.
وأكدت الوزيرة أن الحكومة ستوفر معاشات تقاعدية “في الحالات التي لا يتمكن فيها الأوكرانيون الذين يعيشون في ليتوانيا من تلقي معاشاتهم التقاعدية من وطنهم”.
الإجراءات الليتوانية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الدول الأوروبية قادرة على استقبال اللاجئين بشكل آدمي واستيعابهم لكن النظرة التي تفرق بين لاجئ قادم من الشرق الأوسط وآخر من أوكرانيا هي ما ساهمت في خلق مأساة لهؤلاء المهاجرين وضربت معايير حقوق الإنسان الغربية في مقتل.