أخبار القارة الأوروبية – تقارير
يعيش ملايين المسلمين في روسيا وأوكرانيا، لكن الحرب الأخيرة التي شنتها موسكو فتحت المجال لإطلاق العديد من الفتاوى من جانب المرجعيات الدينية الرسمية للإفتاء، والغرض من ذلك هو إضفاء صبغة شرعية لقتال المسلمين في صفوف هذا الجانب أو ذاك، رغم كون المعركة ليس للمسلمين ناقة ولا جمل فيها.
وكان الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، قال أمس السبت، إن أربعة آلاف مسلم يعيشون في ماريوبول التي تقصفها القوات الروسية بشكل عنيف، وفق تعبيره.
تصريحات “زيلينسكي” عن هذه الحرب وإشارته لما يتعرض له المسلمون أظهر حاجة أوكرانيا لاصطفاف المسلمين معها في هذا التوقيت، لا سيما مع رغبته في استقدام مقاتلين من الخارج ضد القوات الروسية، بينما تسعى روسيا لتجنيد كل من تستطيع لدعمها في معركتها لاحتلال أوكرانيا، لتشهد هذه الحرب تجليًا للزجّ بالإسلام في أتوننها واستخدام الشّريعة في التّعامل مع قضيّة الارتزاق من خلال إلباسها ثوب الفضيلة من كلّ طرفٍ للمصطفّين معه، وإلباسها ثوب الرّذيلة في الطّرف المقابل، وكلّ هذا يتمّ تحت ستار الفتوى وباسم الإسلام.
ويتعامل أصحاب هذه الفتاوى مع المسلمين المتطوعين للقتال في جانبهم على أنهم مجاهدون بينما يصفهم المسلمين في الجبهة الأخرى من القتال بالمرتزقة
استخدام الدين وتبادل إطلاق الفتاوى
فالحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة كانت شاهدة وبشكلٍ فجّ على معضلة استخدام الدّين من السّياسيّ والعسكريّ، حيث أعلن مجلسُ الإفتاء الرّوسيّ في بيان له أنّ “العمليّة الروسيّة الخاصّة التي ينفذها الجيش تستند إلى أحكام القرآن الكريم”، وتمادى المجلس في التسويغ حتى للحرب النووية عندما قال في بيانه: “إنّ ظروف استخدام أسلحة الدّمار الشامل، الضّربة الوقائية، هي طريقة قانونيّة ومبرّرة أخلاقيًّا، وأكّد المفتون أنّها سياسة دفاعيّة”.
فتاوى إسلامية مؤيدة لموسكو
انهالت الفتاوى الإسلامية من الدول الخاضعة للنفوذ الروسي لتبرير الحرب وصبغها بصبغة جهادية إسلامية فالمفتي الأعلى لروسيا “طلعت تاج الدين” أعلن فتوى بوجوب “قتال النازيّين الجدد في أوكرانيا” متبنّيًا التّوصيف البوتينيّ للحرب.
مجلسُ الإفتاء الرّوسيّ دعا في بيانه “مسلمي روسيا والعالم للتّوحد من أجل الدفاع عن روسيا”، وهذه الدّعوة بهذه الصّيغة وفي هذا التّوقيت تعني تشكيل جبهةٍ جهاديّة عالميّة تقاتلُ تحت إمرة “بوتين”، وهي فتوى للمقاتلين للقدوم إلى روسيا للمشاركة في الحرب باسم الشريعة الإسلاميّة.
أمّا المفتي الشّيشاني “صلاح مجيدوف” فقد أصدر فتوى تؤكّد أنّ “الحرب في أوكرانيا جهادٌ في سبيل الله” وذلك تأييدًا لمنطق رئيس الشّيشان “قديروف” الذي زجّ بالآلاف من المقاتلين المسلمين في الحرب تحت راية “بوتين”.
مفتي إنغوشيا “أحمد ساغوف” أصدر هو الآخر فتوى توجبُ على “على مواطني روسيا جميعًا الالتفاف حول قيادة بلادهم” وهو هنا يحشد بفتواه المسلمين في بلاده لمناصرة بوتين في الحرب على أوكرانيا.
فتاوى إسلامية في صالح أوكرانيا
في المقابل قام مفتي أوكرانيا الشّيخ “سعيد إسماعيلوف” بخلع العمامة والجبّة وارتدى اللّباس العسكري وانضمّ إلى الجيش الأوكرانيّ وإلى قوّات “الدّفاع الإقليمي” وأطلق مبادرة “أجنحة النّصر” لجمع المعونات وتوزيعها على مقاتلي الجيش وغيره من الهياكل الأمنية المنخرطة في الحرب، بما يشمل تأمين الطّعام والدّواء والزيّ العسكريّ والخوذ والدّروع.
المفتي الأوكرانيّ أعلن وجوب القتال مع الجيش الأوكرانيّ، كما أعلن مفاصلةً شرعيّة مع رموز الإفتاء الإسلامي في الضّفة المقابلة من الحرب، مبينا أنّ الإسلام يمنعه من مدّ يده إلى هؤلاء المفتين الذين يعلنون أيضًا أنّهم يفتُون باسم الإسلام، فقال: “من المستحيل أن نمدّ أيدينا لقادة المسلمين في روسيا، ديني وكرامتي الأوكرانيّة وضميري لا يسمحون بذلك”.
“إسماعيلوف” واصل حديثه قائلا إن المفتين الذين أيدوا موسكو “باركوا حرب الكرملين الظّالمة على شعب أوكرانيا، وعلى مسلميها، فغاصوا في مستنقع النّفاق لبوتين، ومسلمو روسيا منهم براء، لأنّهم واعون لما يحدث، ويرفضون سفك دماء الأبرياء، من مسلمين وغيرهم”.
وأضاف ” إسماعيلوف”: “كلّ من يقف في صف روسيا لا يقف في صفّ الحق، فموسكو هي التي اعتدت وتهدم بيوتنا وتقتل نساءنا وأطفالنا، وأي مقاتل سوري يأتي للقتال في صفوف الجيش الروسي ضدّنا، يحقّ لنا قتله والدّفاع عن أنفسنا”.
اقرأ أيضا: بهدف الاستغناء عن الغاز الروسي.. الاتحاد الأوروبي يسعى لسد احتياجاته من أفريقيا
من جانبه دعا رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا، “سيران عريفوف” العالم الإسلامي لدعم بلاده ومسلميها بالوسائل المتاحة كافّة، وبناءً على ذلك افتتحت السّفارات الأوكرانيّة أبوابها لاستقبال متطوّعين في الحرب في العديد من الدّول الإسلاميّة.
الحرب تحولت لقصف متبادل بالفتاوى، ليزج بالإسلام في معركة أظهرته وكأنه يحارب نفسه، ففي جبهة روسيا يتلاعب “بوتين” بالمفتين الموالين له والذين لا ينفون يخضعون لرغباته ويسوغون له معركته بل ويساهمون في حشد المسلمين لإراقة دمائهم ودماء غيرهم تحت توصيفات شرعيّة كالجهاد في سبيل الله تعالى، وفي المقابل فإنّ مفتي أوكرانيا يجابههم بالإسلام ذاته ويحاربهم بالإسلام نفسه ويعلن عداءه لهم منطلقًا من الإسلام أيضًا.
الأكيد هو أن تلك الحرب ليست لها أرضية إسلامية يمكن لأي طرف التعويل عليها لكسب الشرعية الدينية، وما يجري لا يمكن اعتباره سوى عملية تطويع للدين في خدمة السياسة والحروب.