صندوق مواجهة الهجرة بين ضبط الحدود وإهمال أسباب الظاهرة

صندوق مواجهة الهجرة بين ضبط الحدود واهمال أسباب الظاهرة

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-06-06 09:16:35Z | | Lÿÿÿÿ

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

يسعى الاتحاد الأوروبي لمحاربة الهجرة غير النظامية خاصة القادمة من أفريقيا، وإعادة المهاجرين دمجهم في بلدانهم، ومن أجل ذلك أنشأ التكتل منذ عام 2015 “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا” وضخ فيه أموالا طائلة لمواجهة أزمة الهجرة غير النظامية، بيد أن هذه الأموال لم تُخصص للمساعدة في دمج آلاف الأشخاص ممن وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي.

ومنذ إنشاء الصندوق وحتى انتهاء العمل به في ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، تم إطلاق أكثر من 250 مشروعا، العديد منها لايزال قيد التشغيل، وذلك في ذروة رصد الأموال وصرفها عبر الصندوق في صيف 2020.

مسارات الهجرة

الجزء الأكبر من الهجرة التي كانت تحدث في الماضي كانت تتم عبر مسارات قانونية بسبب التاريخ الاستعماري، على سبيل المثال من نيجيريا إلى المملكة المتحدة أو من البلدان الفرنكوفونية إلى فرنسا أو بلجيكا أو إلى بلدان الشرق الأوسط بسبب القرب الجغرافي والشعائر الدينية.

فغالبية الأفارقة الذين يغادرون بلدانهم سواء طوعا أو قسرا يرغبون في الانتقال إلى البلدان الأفريقية المجاورة وهو ما كشف عنه معهد الدراسات الأمنية إذ ذكر أنه في عام 2020، لم يغادر 80٪ من المهاجرين الأفارقة القارة السمراء فيما لم تتجاوز نسبة الهجرة خارجها حاجز العشرين بالمائة.

أهداف الصندوق

وكانت أهداف “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا” والتي قُدمت في وثائق إنشائه تنص على معالجة الأسباب الأساسية للهجرة غير النظامية ومنع ومكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بهم وتعزيز حماية النازحين والفارين من بلادهم وتعزيز التعاون بشأن عودة المهاجرين وإعادة إدماجهم في بلادهم وتعزيز سبل الهجرة النظامية.

 وثائق الصندوق في فبراير/ شباط 2018 تظهر أن الجزء الأكبر من الموارد المالية خُصصت لخلق فرص العمل والتنمية الاقتصادية، لكن نسبة 10 بالمائة من الأموال جرى تخصيصها لتحقيق هذا الهدف.

تركيز على الجانب الأوروبي والهجرة غير النظامية

وفي ذلك، قال “ماري تاديلي مارو”، الأستاذ في مركز سياسة الهجرة والمنسق السابق لبرنامج الهجرة في مفوضية الاتحاد الأفريقي، إنه على الرغم من تحسن الظروف التي كانت تُرغم الأفارقة على الهجرة بشكل غير نظامي في رحلات خطيرة، إلا أن “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا كان يتعاون ويفعل الكثير مع الجانب الأوروبي أكثر من الجانب الأفريقي لأنه استضافة النمسا 40 ألف مهاجر غير نظامي يعد أمرا مقلقا أكثر من استضافة أوغندا لقرابة 1.3 مليون لاجئ.”

الهدف الأساسي لإنشاء هذا الصندوق كان يرمي إلى دعم سبل الهجرة القانونية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي أمام الأفارقة، إلا أن الصندوق صب جُل تركيزه في نهاية المطاف وبشكل أساسي على الهجرة غير النظامية ما يعني أنه بدلا من توفير المزيد من فرص لحصول الأفارقة على تأشيرات قانونية، أصبح الهدف ينصب على إدارة القضايا المتعلقة بموجات طالبي اللجوء واللاجئين والأشخاص الذين ليس لديهم الوثائق أو التصاريح اللازمة للانتقال أو العمل في بلد آخر.

وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي سجلت معدل أقل لعبور المواطنين الأفارقة للحدود بشكل غير نظامي منذ إنشاء الصندوق عام 2015 فيما كان عدد الأفارقة الذين يقدمون طلبات اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي أقل أيضا.

لكن اللافت للنظر أن الانخفاض في عمليات عبور الحدود والهجرة من مواطني الدول التي استفادت من التمويل المقدم من الصندوق لم يتسق مع انخفاض مماثل في معدلات الهجرة وتجاوز الحدود من كافة البلدان الأفريقية مما يعني أن الصندوق لم يكن مؤثرا بشكل عام على تدفق موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي على مستوى القارة

على الرغم من انخفاض معدل هجرة الأفارقة إلى الاتحاد الأوروبي، استمر نزوج وفرار أعداد كبيرة من الأفارقة في جميع أنحاء القارة بمعدلات متزايدة إذ أشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى ارتفاع عدد الأفارقة الذين غادروا أو فروا من ديارهم وأصبحوا نازحين داخل بلدانهم أو صاروا لاجئين في بلدان أفريقية أخرى وصل إلى الضعف ما بين عامي 2015 و 2020.

“أوتيليا آنا مونجانيدزه”، المتخصصة في القانون الدولي وقضايا الهجرة في معهد الدراسات الأمنية وقامت بتأليف دراسة أمنية عام 2021 عن الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا، قالت إن أسباب الهجرة الفردية ودوافعها تختلف من شخص لآخر، لذا فإن تخصيص أي أموال يجب أن يولي اهتماما لذلك دائما وأن يتم توزيع الأموال بشكل مناسب.”

وأضافت أن الصندوق فعل الكثير في بعض الحالات لكن ليس في كل الأحوال إذ كان الأمر منحصرا بعض الشيء على المناطق التي حافظ فيها الاتحاد الأوروبي على وجود أطول واعتمد على الخبرة المحلية.

وضربت على ذلك بمثال النيجر التي تعد “من أفقر الدول في القارة الأفريقية،” مضيفة “أنها دول ذات تعداد سكاني يبلغ متوسط الأعمار فيها  14 عاما، لذا فعند التفكير في التدخل لحل أزمات النيجر، يتعين أن يكون التركيز منصبا على قضايا تنمية الطفولة المبكرة والتعليم والتكامل والمشاركة المجتمعية.”

السياسة الأوروبية تركز فقط على ضبط الحدود

بيد أن السياسة الأوروبية برأي الباحثة انصبت على ضبط الحدود دون التركيز على انعدام الفرص أمام الأفارقة في بلدانهم، وهو السبب الرئيسي للهجرة. فتشديد الإجراءات الحدودية سيؤثر على الاقتصاد المحلي “ما يعني الحد من فرص العمل داخل هذه البلدان الأفريقية وهو ما يدفع الكثيرين إلى عبور الحدود بشكل غير نظامي وسط دروب الهجرة الخطرة”.

وأضافت أنه بدلا من قيام الأفارقة بالهجرة بشكل قانوني، يضطرون لاجتياز الحدود بشكل غير نظامي، مشيرة إلى أن الصندوق لم يأخذ في عين الاعتبار التركيبة السكانية للبلدان الأفارقة.

بيد أن هذا لا يعني عدم قيام الصندوق بمعالجة قضايا هيلكية، فعلى سبيل المثال، يركز المشروع الذي يحظى على التمويل الأكبر في الصندوق على “بناء الدولة” في الصومال حيث قدم دعما للحكومة بقيمة 107 ملايين يورو لتعزيز المؤسسات وتوسيع الخدمات الاجتماعية بهدف زيادة ثقة الدول الأخرى في هذه الدولة الممزقة لاسيما الدائنين والمانحين فضلا عن تعزيز ثقة السكان في الحكومة الصومالية.

وقال الموقع الإلكتروني للصندوق إن النتائج القابلة للتنفيذ كانت “إستراتيجيتين وقوانين وسياسات وخطط تم تطويرها من قبل الصندوق أم تم دعمها بشكل مباشر” بالإضافة إلى أربعة “أنظمة للتخطيط والمراقبة والتعليم وجمع البيانات والتحليل سواء بتنفيذ أو تطوير أو تمويل مستمرا حتى الآن من قبل الصندوق منذ تدشين المشروع عام 2018.

إقرأ أيضا: مرشحة اليمين لوبان : في حال وصلت للرئاسة سأدافع عن فرنسا ضد الهجرة

ويدخل في هذا السياق، مشروع بقيمة 54 مليون يورو يُجرى تنفيذه في السودان من قبل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حيث ذُكر أنه قدم مساعدات غذائية لأكثر من 1.1 مليون شخص فيما أفادت شبكة معلومات الأمن الغذائي أنه في عام 2020 أصبح قرابة 9.6 مليون شخص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

كذلك، هناك مشروع بقيمة 47.7 مليون يورو في إثيوبيا لتعزيز الفرص والإمكانيات الاقتصادية وهو ما مهد الطريق أمام خلق قرابة 11 ألف فرصة عمل بتمويل من الصندوق.

وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية فإن إثيوبيا تعاني من مشكلة تفشي البطالة إذ لا يعمل 1.1 مليون شخص متوسط أعمارهم بين 15 عاما وما فوق وهي الفئة الأكثر تضررا من ظاهرة البطالة.

عدم التعامل مع الأسباب الجوهرية للهجرة

” علياء فخري”، الباحثة في قضايا الهجرة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قالت إن الصندوق أخطأ في كيفية التعامل مع الأسباب الجوهرية للهجرة بسبب ما أعلنه من أن بمجرد القضاء على الأسباب الجوهرية، فإن هذا سيؤدي إلى توقف موجات الهجرة.

وأضافت فخري أنّ “القضاء على الأسباب الجوهرية وراء الهجرة شيء واحد يدخل في نطاقه استمرار النزاعات والكوارث الطبيعية التي تدفع المجتمعات للهجرة والنزوح والفرار من منازلهم”.

وقالت إن “أداة الجوار والتنمية والتعاون الدولي” التابعة للاتحاد الأوروبي تتمتع بنطاق عمل أوسع حيث أنه تم تخصيص 10 بالمائة من ميزانيتها لمعالجة قضايا الهجرة مع وضع نظام مراقبة صارم، مشيرة إلى أنه “من المهم أن فكرة القضاء على الأسباب الجوهرية يبدو أنها ولت، وربما يكون هذا ثمار الانتقاد التي تعرض لها الصندوق وتسليط الضوء عليه”.

Exit mobile version