حراك محلي لإيواء المهاجرين المشردين وسط باريس

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

ضاقت الأرض بما رحبت على المهاجرين في باريس، فقد أتوا على أمل أن تتغير حياتهم للأفضل، لكنهم لم يروا من أنوار باريس سوى حياة التشرد والبؤس، أو حتى إزاحتهم إلى ضواحي باريس.

مهاجرون ليس لهم مأوى ولا مصدر للعيش ولا مكان يقيهم تقلبات الجو سوى مخيمات رثة لا توفر لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة الإنسانية، فضلا عن استهدافهم من جانب السلطات من قت لآخر، لكن أمل هؤلاء المهاجرين في الجمعيات المحلية التي تحاول تقديم يد المساعدة لهم قدر الإمكان.

ففي وسط العاصمة باريس، استحوذت جمعيات محلية على بناء مهجور يوم الإثنين الماضي، بهدف تحويله إلى مكان يرحّب بالمهاجرين المتعبين من حياة التشرد في المخيمات العشوائية.

بات المكان يؤوي 80 مهاجرا، يسود شعور الارتياح بينهم، لكن البعض يشكك بمدى استمرارية المكان، متخوّفين من أن تطردهم السلطات.

يقول “جبريل” وهو مهاجر من نيجيري يبلغ من العمر 24 عاما إنه، لم ير من عاصمة الأنوار سوى حياة التشرد في المخيمات العشوائية شمال باريس، لكن روتينه اليومي بدأ بالتغير منذ أن استحوذت جمعيات محلية على بناء مهجور وسط العاصمة باريس.

كان “جبريل” حاضرا من اليوم الأول الذي دخل فيه ناشطون، من جمعيات عدة لا سيما “لا شابيل دوبو”، إلى بناء مهجور منذ ثلاث سنوات على الأقل كان سابقا مقرا لشركة أمريكية، بهدف تحويله إلى مكان يرحّب بالمهاجرين في باريس، لا سيما مع الصعوبات التي تواجههم في إتمام إجراءاتهم الإدارية وإيجاد سكن في المدينة المزدحمة.

كما يأمل الناشطون من تأسيس مشروع في هذا المكان يبعث رسائلا مناهضة للعنصرية ويطالبون الدولة بتسوية أوضاع الذين ليست لديهم أوراق إقامة.

في وسط العاصمة باريس، بين محلات تجارية ومطاعم متنوعة والأبنية الباريسية ذات الطراز المعماري العثماني، يمضي طالب اللجوء “جبريل” لياليه في البناء المؤلف من خمسة طوابق برفقة حوالي 80 مهاجرا آخر، يتحدرون بشكل أساسي من السودان وأريتريا والصومال وموريتانيا ومالي.

فيما يشعر القاطنون بالراحة للتخلص من حياة التشرد في الشوارع، يشكك البعض بمدى استمرارية المكان.

رحلة المهاجرين

عدد من هؤلاء المهاجرون استطاعوا الانطلاق من ليبيا عبر قارب خشبي متهالك قبل أن تنقذهم سفينة “أوشن فايكنغ” (التابعة لمنظمة “إس أو إس ميديتيرانيه”) من الغرق، وتنقلهم إلى إيطاليا”، وهناك قرر بعضهم متابعة رحلته، نحو فرنسا.

يقول جبريل:” ، “أمضيت شهرا تحت جسر لا شابيل أنام في خيمة، الشرطة كانت تأتي وتطردنا باستمرار، أحيانا كانوا يأتون عند الساعة الواحدة صباحا، الحياة صعبة للغاية في الشارع”.

ويضيف قائلا: “لا تستطيع التركيز على أي شيء حين تعيش في الشارع، تفكر فقط أين ستنام، وماذا ستأكل. هذا كل شيء”، مؤكدا أنه لا يتلق أي دعم سوى المساعدات المقدمة من الجمعيات المحلية، “آمل أن أبقى هنا وأرتاح قليلا بانتظار الانتهاء من أوراقي”.

مهاجرون آخرون مثل الأثيوبي “آبيرا” الذي وصل فرنسا عام 2019 وطلب اللجوء وحصل على قرار رفض ثان من محكمة الاستئناف منذ شهرين، يؤكدون أنهم ليسوا مقتنعين بأنهم سيتمكنون من البقاء طويلا في هذا المبنى، “لا أشعر حقا بالاستقرار، من الجيد بالتأكيد أننا هنا، لكننا ننام على الأرض فلا توجد أسرّة ولا نعلم متى ستطردنا الشرطة”.

أزمة السكن تعيق المهاجرين حتى بعد الموافقة على اللجوء

السلطات الفرنسية رغم موافقتها على طلبات اللجوء لبعض المهاجرين إلا أن الجهات الحكومية لم تقدم أي حل للسكن بحجة أنه لا توجد أمكنة في مراكز الإيواء”.

جمعية “لا شابيل دوبو” تؤكد أنها غير قادرة على استقبال جميع المهاجرين في المكان خاصة وأن الناشطين يحرصون على إدارة المكان والحفاظ على الهدوء.

اقرأ أيضا: أزمة غذاء فادحة.. تداعيات الحرب الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي

تلك ليست المرة الأولى التي تقدم فيها الجمعيات على الاستحواذ على أبنية أو ساحات عامة للتنديد بسياسة الدولة وعدم توفر السكن للمهاجرين في العاصمة باريس، ففي آب/أغسطس الماضي، توجه 400 مهاجر برفقة ناشطين إلى ساحة Place des Vosges وسط باريس ونصبوا خيامهم هناك وطالبوا الدولة “بحلول استضافة جديدة ومستدامة”.

تستغل الجمعيات فترة الانتخابات الحالية، ويعوّلون على أن الشرطة لن تطردهم، ويقول أحد الناشطين “أتت الشرطة أكثر من مرة لكنهم تعاملوا معنا بشكل جيد ولم يطلبوا منا المغادرة”، لكن يوم الأحد القادم 24 نيسان/أبريل، ستنتهي الدورة الثانية من الانتخابات وبالتالي يبقى السؤال ما إذا كانت السلطات ستقرر إخلاء المكان بالقوة.

إزاحة المهاجرين نحو ضواحي باريس

وعلى صعيد متصل تشهد ضاحية سان دوني شمال العاصمة الفرنسية باريس إقامة مخيمات عشوائية لمئات المهاجرين في ظاهرة جديدة تعيشها المنطقة، الأمر الذي يشير إلى رغبة بلدية باريس بالتخلص من خيم المهاجرين ودفعهم خارج حدود العاصمة باتجاه الضواحي الشمالية، وفقا لمراقبين.

ومنذ شهر آب/أغسطس الماضي، بدأ المهاجرون بالتوافد إلى جادة ويلسون في سان دوني أتى معظمهم من بورت دو لا شابيل، إذ قامت الجمعيات بتوفير بعض الخيم والبطانيات ليتم تشكيل مخيم صغير عشوائي، لكنه يفتقر إلى المستلزمات الأساسية كعدم وجود مرافق عامة، إلا أن كارو أكد أنه “بعد مفاوضات طويلة مع البلدية تمكنا أخيرا من توفير 4 حاويات قمامة للحفاظ على نظافة المكان.

واليوم بعد مرور نحو خمسة أشهر استجابت البلدية لمطلبنا بوضع 3 حمامات عامة مؤقتة وصنبور مياه إضافي”.

وينحدر معظم المهاجرين من السودان والصومال وأفغانستان، ويشير “فيليب كارو” عضو المجلس البلدي من جبهة اليسار المعارضة والمتطوع في جمعية “ويلسون”، إلى أن عدد المهاجرين يتجاوز الـ400، إلا أن بلدية سان دوني تقدر العدد بأقل من ذلك بكثير موضحة أنه “بالفعل يأتي نحو 400 شخص من المناطق المجاورة للاستفادة من توزيع الطعام المجاني، إلا أن عدد الذين ينامون هنا لا يتجاوز الـ150.

Exit mobile version