أخبار القارة الأوروبية – تقارير
تحول واضح في السياسة الخارجية الألمانية حدث بسرعة كبيرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فبرلين قررت إرسال أسلحة ثقيلة لأوكرانيا خلافا لسياستها التي تقوم على مبدأ عدم المشاركة في الحروب القتالية وعدم إرسال أسلحة إلى مناطق الحروب والأزمات.
المستشار “أولاف شولتس”، قال قبل شهرين، إن ألمانيا ستخصص 100 مليار يورو لصندوق خاص بقواتها المسلحة، ما يرفع إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح “شولتس” في جلسة خاصة للبوندستاغ في برلين: “من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا، من أجل حماية حريتنا وديمقراطيتنا”، ووصف الحرب بانها نقطة تحول.
الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي ينتمي إليه “شولتس” لطالما كان لديه كثيرون من المؤمنين بسياسة السلام لكن عندما حشدت روسيا قواتها على الحدود مع أوكرانيا، ألقى رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في البوندستاغ “رولف موتنسينيش” باللوم على ما وصفه بــ “سباق التسلح الجامح وغير المنضبط” في التوترات وقال إنه يمكن أن يفهم “ذهنياً” أن روسيا شعرت بالتهديد من قبل الناتو.
ضغوط خارجية وداخلية..
“موتنسينيش” يمثل وجهة النظر القائلة بإنه يجب أن تتمتع ألمانيا بعلاقة جيدة مع روسيا كما هي العلاقة مع الولايات المتحدة، ولذلك كان إشراك روسيا سياسياً من خلال العلاقات الاقتصادية الوثيقة تحت شعار “التغيير من خلال التجارة” وأدى إلى مستوى عالٍ من الاعتماد على الطاقة في روسيا تحت قيادة المستشار الأسبق “غيرهارد شرودر”، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
الحزب الاشتراكي بات مجبرا على إعادة التفكير بالكامل على مستويين: فيما يتعلق بروسيا وفيما يتعلق بتقييم القوة العسكرية لألمانيا، لكن إعلان “شولتس” عن تسليح الجيش الألماني والابتعاد عن العقيدة الألمانية المتمثلة في عدم تزويد مناطق الأزمات والحرب بالأسلحة، من شأنه أن يقلب قناعات الديمقراطية الاشتراكية القديمة رأساً على عقب، بالتالي لم يستطع “شولتس” المخاطرة بمناقشات حزبية لا حصر لها، وبات عليه أن يفاجئ الحزب الاشتراكي الديمقراطي ويواجههم بأمر واقع، و عندما أدلى “أولاف شولتس” ببيان حكومي في البوندستاغ في 27 فبراير وأعلن “نقطة التحول”، كان هناك العديد من الوجوه المتفاجئة والحائرة، حتى من الخضر الذين يميل الكثير منهم إلى حركة السلام.
ولكن في الوقت الذي تكيف فيه حتى دعاة السلام في حزب الخضر بسرعة مع الوضع الجديد، لا يزال العديد من أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي يجدون صعوبة في ذلك، أولاً وقبل كل شيء، رئيس كتلة الحزب “رولف موتنسينيش”، الذي يواصل محاولة توجيه القرارات القادمة في اتجاه مختلف.
أزمة غذاء فادحة.. تداعيات الحرب الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي
الضغط الدولي المتزايد بشأن الحرب في أوكرانيا كان له دوره في زيادة غضب المستشار الألماني، خاصة عندما يتقابل الضغط الخارج مع الانتقادات الداخلية لا سيما من صفوف الائتلاف الحاكم.
فغالبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي تحاول كبح “شولتس”، بينما حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر لم يرضيا عن السرعة في اتخاذ القرارات الألمانية، ليقف “شولتس” بين الجبهات السياسية المختلفة والائتلاف الحاكم، الذي يرغب في العمل بأقصى قدر ممكن، وهو ما جعل المستشار يظهر مشتتاً فجأة.
في النهاية قرر البرلمان الألماني: “وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، تزود ألمانيا أيضًا أوكرانيا بالأسلحة للدفاع عن النفس وتوافق على عمليات التسليم من دول ثالثة”. من الضروري “تسريع تسليم ألمانيا لأنظمة فعالة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والمعقدة”، لكن ومع ذلك، لا تزال العديد من الأسئلة دون إجابة.
مجرد بداية..
الجيش الألماني أرسل دبابة غيبارد المضادة للطائرات إلى التقاعد في عام 2012 ، لكنه قرر في الوقت الراهن تسليمها إلى أوكرانيا، وسط تساؤلات عما إذا كانت الدبابات المضادة للطائرات المعتمدة مجرد بداية لتسليم المزيد من الأسلحة الثقيلة؟ لا يزال الحزب الاشتراكي الديمقراطي يجادل بهدوء بأن دبابات “غيبارد” تعمل على حماية المجال الجوي فوق أوكرانيا ضد الهجمات الروسية، لذا فإن الدبابة هي سلاح دفاعي، لكن خبراء يرون الدبابة غيبارد بشكل مختلف ويشيرون إلى مدافعها الآلية، والتي يمكن أيضًا استخدامها بنشاط ضد الأهداف الأرضية.
كيف سيكون رد فعل ألمانيا إذا طلبت أوكرانيا قطع مدفعية ودبابات قتال رئيسية؟ من يقوم بتدريب الجنود الأوكرانيين حيث يمكنهم استخدام أنظمة الأسلحة الغربية ومن أين من المفترض أن تأتي الذخيرة؟ وكانت سويسرا قد حظرت بالفعل تصدير الذخيرة للدبابات المصنعة فيها، مشيرة إلى حيادها.
ما تخشاه ألمانيا هو المدى الذي يمكنها التحرك فيه دون ان يتم اعتبارها طرفا في الحرب من جانب روسيا، خاصة مع تهديد الكرملين الروسي للناتو بأنه سيرد بسرعة إذا تدخل الحلف في الحرب، وهو ما جعل “شولتس” يحذر مما وصفه بحرب عالمية ثالثة وشيكة وحرب نووية، معتبرا أنه من الأولوية القصوى تجنب انتشار الحرب إلى الناتو.
من المحتمل أن يكون الجيش الألماني مجهز بشكل محدود فقط في الوقت الحالي، لا سيما وأن وزيرة الدفاع المنتمية للحزب الديمقراطي الاشتراكي “كريستينا لامبريشت” قد أوضحت مؤخرًا أنه “على الورق” هناك 350 مركبة مشاة قتالية من طراز بوما، لكن 150 منها فقط عاملة، وهناك 51 مروحية تايغر قتالية، يمكن أن تقلع تسعة فقط منها.
في ضوء هذه المشاكل الهائلة، تُطرح الآن أسئلة حول ما إذا كانت 100 مليار يورو من الأموال الخاصة كافية بالفعل لإزالة العجز في الجيش، لكن أي شخص مطلع على الشراء الصعب والمطول للمواد العسكرية يعرف أن مثل هذه الأسئلة من المحتمل أن تتطور إلى نقاشات حادة في غضون سنوات قليلة.