ميكيل أنجيلو.. الفنان النادر في عصر النهضة الأوروبي

ميكيل أنجيلو.. الفنان النادر في عصر النهضة الأوروبي

أخبار القارة الأوروبية – بورتريه

يعد “ميكيل انجيلو بوناروتي” أحد أشهر الفنانين الأوروبيين فقد كان رساما ونحاتا ومهندسا وشاعرا إيطاليا، كان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة.

ولد “ميكيل انجيلو” في قرية كابريزي قرب أريتسو بتوسكانا في 6 مارس آذار عام 1475 وترعرع في فلورنسا، التي كانت مركز النهضة الأوروبية آنذاك، ومن محيطها المليء بمنجزات فناني النهضة السابقين إلى تحف الإغريق المذهلة، استطاع أن يتعلم ويستقي منها الكثير عن فن النحت والرسم. كانت أسرة ميكيلانجيلو من أبرز المصرفيين الصغار في فلورنسا.

حياته في روما..

وصل “ميكيل انجيلو” إلى روما بتاريخ 25 يونيو سنة 1496، وقد بلغ من العمر 21 عامًا. وفي 4 يوليو من نفس العام، بدأ العمل على منحوتة جديدة كلّفه بها الكاردينال “رافائيل رياريو”، ألا وهي منحوتة ضخمة لإله الخمر الروماني باخوس. غير أنه بعد الانتهاء منها، رفضها الكاردينال، فاشتراها أحد المصرفيين، واسمه يعقوب غالّي، ليضافها إلى تماثيله المعروضة في حديقته الخاصة.

في شهر نوفمبر من عام 1497، طلب السفير الفرنسي لدى الكرسي الرسولي، طلب من “ميكيل انجيلو” الشروع في نحت تمثال أصبح فيما بعد أشهر أعماله، ألا وهو تمثال بيتتا، وأبرم معه عقدًا بذلك في شهر أغسطس من العام اللاحق.

 عاش “ميكيل انجيلو” في روما على مقربة من كنيسة “سيدة لوريتو”، وتفيد بعض القصص أنه أغرم بفيتوريا كولونا خلال هذه الفترة، والأخيرة كانت مركيزة بسكارا المعروفة بحبها للشعر.

يعتقد البعض أنه خلال هذه الفترة أيضًا شرع “ميكيل انجيلو” في العمل على منحوتة لاوكون وأبناؤه، الموضوعة اليوم في متاحف الفاتيكان.

اقرأ أيضا: جون بويد.. صاحب نوبل للسلام الذي عاشر الفقراء

عاد “ميكيل انجيلو” إلى فلورنسا بين عاميّ 1499 و1501، وكانت الأوضاع تتغير في تلك الجمهورية بعد سقوط الكاهن رئيس فلورنسا، والمناهض للنهضة “جيرولامو سافونارولا” (أعدم عام 1498)، وبزوغ نجم الحاكم الجديد “بيير سوديريني”.

وفي تلك الفترة طلب قناصل نقابة عمّال الصوف من “ميكيل انجيلو” أن يقوم بإنهاء مشروع غير تام أبتدء في تنفيذه النحات المشهور “أغسطينو دي دوكسيو” من أربعين سنة، وهو تمثال ضخم يُمثل النبي داوود كتعبير عن حرية فلورنسا، وكان من المخطط وضعه في الساحة بالقرب من القصر العتيق.

 فاستجاب “ميكيل انجيلو” لهذا الطلب وأنهى التمثال الذي أصبح يعتبر أشهر أعماله عام 1504. تمّ نحت التمثال من قطعة رخام كبيرة مستخرجة من مقالع19 كرارا، وعلى الرغم من أنه كان قد تمّ العمل عليه قبل ذلك إلا أنه أكسب ميكيلانجيلو شهرته وصيته كنحات ذو مهارة حرفية عالية ومخيلة واسعة قادرة على تصوير الرمزية بأبهى الحلل.

المنبر المقدسة ..

خلال هذه الفترة أيضًا، قام “ميكيل انجيلو” برسم لوحة العائلة المقدسة والقديس يوحنا، المعروفة أيضًا باسم Doni Tondo، أو عائلة المنبر المقدسة، وذلك بمناسبة زواج “أنجيلو دوني” و”مادالينا ستروزي”، وقد وُضعت هذه اللوحة خلال القرن السابع عشر في قاعة “المنبر” في متحف الأوفيزي، كذلك رسم لوحة السيدة والطفل مع القديس يوحنا والملائكة، الموضوعة اليوم في المتحف الوطني بلندن، حيث تُعرف “بسيدة مانشستر”.

اعتبر “ميكيل انجيلو” أن جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة. حتى أن جميع فنونه المعمارية كانت ولا بد أن تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار، أو باب.

كان “ميكيل انجيلو”يبحث دائمًا عن التحدي سواء كان تحديا جسديا أو عقليا، وأغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت لوحات جصية أو لوحات فنية مرسومة، وكان “ميكيل انجيلو” يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائمًا ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة في صورة واحدة، وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين، ومواضيع أخرى.

نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في صنع تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرًا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه،  اثنان من أعظم أعماله النحتية، تمثال “داوود” وتمثال “بيتتا العذراء تنتحب” قام بإنجازهما وهو دون سن الثلاثين.

رغم كون “ميكيل انجيلو”من الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة، فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب المسيح.

تعرف “ميكيل انجيلو”، خلال مسيرة عمله، على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير.، رعاته كانوا دائمًا من رجال الأعمال الفاحش الثراء أو رجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية بالإضافة لأعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني، كليمنت السابع وبولس الثالث. سعى ميكيلانجيلو دائمًا ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يعلم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة.

الفن و الجهد الكبير..

من صفات “ميكيل انجيلو” أنه كان يعتبر الفن عمل يجب أن يتضمن جهدا كبيراً وعملاً مضنياً فكانت معظم أعماله تتطلب جهداً عضلي وعدداً كبيراً من العمال وقليلاً ما كان يفضل الرسم العادي الذي يمكن أداؤه بلباس نظيف، وتُعتبر هذه الرؤية من إحدى تناقضاته التي جعلته يتطور في نفسه من حرفي إلى فنان عبقري قام بخلقه بنفسه.

قام “ميكيل انجيلو” في فترة من حياته بمحاولة تدمير كافة اللوحات التي قام برسمها ولم يبق من لوحاته إلا بضعة لوحات ومنها لوحة باسم “دراسة لجذع الذكر”، التي أكملها عام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحو أربعة ملايين دولار، وكانت هذه اللوحة واحدة من عدة رسومات قليلة للأعمال الأخيرة لــ”ميكيل انجيلو” الذي توفي عام 1564، والتي تبدو أنها تمت بصلة إلى شخصية المسيح.

“ويليام بتلر ييتس”..الكاتب المسرحي المرموق الذي آمن بالأشباح والسحر

أثارت عملية تنظيف تمثال داود الشهير، في الذكرى الخمسمئة لنحته، بالمياه المقطرة، جدلاً واسعاً، حيث وافق وزير الثقافة الإيطالي “جوليانو أوروباني” على تنظيفه رغم احتجاج العديد من الخبراء على طريقة التنظيف، حيث رأى البعض أن تلك الطريقة في التنظيف ستلحق أضرارا بالرخام وسط مخاوف من أن تصبح منحوتة داوود أشبه بمنحوتة عادية من الجص، وطرح الخبراء فكرة التنظيف الجاف الذي رفضه وزير الثقافة “جوليانو أوروباني”.

بالرغم من اعتبار رسم اللوحات من الاهتمامات الثانوية عند “ميكيل انجيلو”إلا أنه تمكن من رسم لوحات جدارية عملاقة أثرت بصورة كبيرة على منحى الفن التشكيلي الأوروبي مثل تصوير قصة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين، ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما.

ما يُعتبر فريدا في حياة فناني عصر النهضة إن ميكيلانجيلو كان الفنان الوحيد الذي تم كتابة سيرته على يد مؤرخين بينما كان على قيد الحياة حيث قام المؤرخ “جورجو فازاري” بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة، ووصف الأخير “ميكيل انجيلو” بذروة فناني عصر النهضة.

مما لا شك فيه أن “ميكيل انجيلو” قد أثر على من عاصروه ومن لحقوه بتأثيرات عميقة فأصبح أسلوبه بحد ذاته مدرسة وحركة فنية تعتمد على تضخيم أساليبه ومبادئه بشكل مبالغ به حتى أواخر عصر النهضة فكانت هذه المدرسة تستقي مبادئها من رسوماته ذات الوضعيات المعقدة والمرونة الأنيقة.

توفي “ميكيل انجيلو” في روما في 18 من شهر فبراير عام 1564 عن عمر يناهز 88 عاما، ونُقل جثمانه من روما إلى كنيسة الصليب الأقدس في فلورنسا حيث دُفن بناءً على وصيته.

Exit mobile version