مختارات وتجربة مختلفة.. شاعر سوري يسافر بـ”المجموعة الناقصة” من إدلب إلى القارة العجوز

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

تميز الشاعر “حسين جرود” بمجموعة من القصائد اللافتة، لكن معظمها لم يكن مجموعا في كتب أو مجموعات شعرية للنشر، إلى أن انطلق منذ سنوات من مكان إقامته في إدلب السورية لينشر مجموعته الشعرية الأولى في فرنسا.

وبرغم من ذلك ظلت معظم أعماله ومقالاته بقيت متناثرة في مجلات ومواقع إلكترونية كثيرة، قبل أن يصدر المجموعة الناقصة عن رابطة الكتاب السوريين عام 2021، والتي تضم مختارات من قصائد كتبها على مدار عشر سنوات.

لم يكن “جرود” يهدف لإصدار مجموعة شعرية في أي مرحلة من مراحل حياته وحول هذا الأمر يؤكد لأخبار القارة الأوروبية: “كل فترة كنت أعيش تجربة مختلفة مع الكتابة، ينجم عنها مجموعة قصائد، وأنساها”. ويسترسل: “أذكر حديثًا دار بيني وبين شاعر منذ سنوات، وقد سألني ألن تبحث عن دار نشر؟، فقلت له: وهل كان للمتنبي دار؟!”.

جمع الأعمال الشعرية ليس هدفا..



أما مجموعته الشعرية “المجموعة الناقصة” فكان هدفها تقديم عمل متكامل جيد في جلسة واحدة، ولم يكن بغرض جمع أعماله أو حتى مرحلة منها.

يؤكد “جرود” “لم يكن الهدف جمع أعمالي أو حتى مرحلة منها، فما زال الوقت مبكرًا، بل تقديم عمل مختلف ومسلي للقارئ، أحيانًا تجد من يسألك عن إصدار ما ليقرأه، لذا النشر شر لا بد منه، في النهاية، ضمت المجموعة مختارات من قصائد كتبتها على مدار عشر سنوات”.

اقرأ أيضا: الشاعر “غياث المدهون” يشارك في مهرجان  بفنلندا

في إحدى قصائده يكتب “حسين جرود”: “يتوسَّط صوتي ضوءَ البدرِ.. ويَنفذ في قلب الطعناتْ.. ليكون صريعًا مثل سما.. ويكونَ جريحًا مثل دواة”، وهو مقطع مأخوذ من أول قصيدة نشرها “جرود” في جريدة ورقية، وقد ادرجه في مجموعته.

لم يكتف “جرود” بهذا ونشر مؤخرًا مجموعة قصائد طويلة مرقمة: أول شيء، ثاني شيء…” وهو عمل يقول عنه أنه: “كان محاولة لكتابة نص من خمسة أجزاء، يسرد كل جزء سيرة شخصية مختلفة، وكل فصل يستخدم تقنيات مختلفة في الكتابة، هنالك ترابط بين الأجزاء وتميز لكل جزء في الوقت نفسه”.

بعض الشعراء لا يرضون عن قصائدهم بعد قراءتها بمدة زمنية طويلة وهنا يقول “حسين” : “لا أستطيع أن أقول إنني راضٍ عن أعمالي أبدًا، ولكني لم أدخل في سباق مع أحد، وأتمنى فقط كتابة أشياء مختلفة تلامس من أنتمي لهم”.

المجاز والصفات الغريبة..

وبقراءة أعماله تجد أطفالا خمسة في قصائده دون أن يتم التطرق تحديدا من أين جاءوا، ويعلق “جرود” على ذلك: “برأيي أن تسأل “محمود درويش” من أين أتت الزنابق والسنابل والسلاسل”، لكنهم يتكررون؟ يجيب: “مجاز… ليس فقط نصوصي الشعرية وحتى النثرية والمقالات مجاز في مجاز في مجاز”.

ولطالما شاع بين الناس أن الشعراء انطوائيون وتعتريهم الكآبة وغرابة الأطوار والبعد عن الناس لكن “جرود” يؤكد أن له أصدقاء كثر لكنه يؤكد أن الشعر بطبيعته يحتاج بعض السرعة والطيش، مشيرا إلى أن هناك قرارات مصيرية نحتاج لاتخاذها بفردنا.



يكثر “جرود” من استخدام الأسماء الأجنبية في كتاباته، مثل “إدغار آلن بو” و”الخال فانيا” و”هيمنجواي”، لكنه يؤكد أن تلك الأسماء وغيرها ترد في سياق محدد وأن الأمر لا يختلف عن ذكر اسم مكان أو شيء، فبالنسبة لــ”الخال فانيا”- وهي واحدة من الروائع المسرحية الهادئة للكاتب المسرحي والمؤلف القصصي الروسي الكبير “أنطون تشيخوف”، ويعتبرها “جرود” من أهم ما قرأه في حياته، وأراد ببساطة توجيه شكر للكاتب “ما المشكلة أن يمتزج نص الإهداء بالنص الأدبي”، متابعًا: “أما “إدغار آلن بو”- وهو ناقد أدبي أمريكي مؤلف، وشاعر، ومحرر، ويعتبر جزءاً من الحركة الرومانسية الأمريكية-  فقد كتب “جرود” نصًا على شكل رسالة موجهة إليه وهي حيلة لنقول شيئًا غريبًا، وبالنسبة لـ”هيمنجواي” – روائي وكاتب قصة قصيرة وصحفي ورياضي أمريكي-  فقد ورد في فصلين فقط من نص “موسيقى تصويرية” للكاتب “جرود” بدلًا من اسم صحفي أجنبي.

الكاتب والأعمال الكثيرة..

ورغم أن بعض المهتمين بالحركة الأدبية يرون أن اشتراك الكاتب في أعمال ومجالات مختلفة كالتحرير الصحفي والترجمة والعمل الإنساني وغيرها يقد تؤثر في جودة نصوصه، لأنها  تتطلب وقتًا؟، إلا أن “حسين جرود” يعلق على هذا الأمر قائلا : “أشياء كثيرة تؤثر في جودة نصوصي، لكن الوقت ليس منها. الجرأة الزائدة أثرت… غياب الجرأة أثر… المعرفة أثرت… الجهل يؤثر… وأكثر ما يؤثر الانفعالات”.

اقرأ أيضا: ألمانيا.. الفنانة الفلسطينية “ديمة عبد النور” تبحر في ألوان الذاكرة وحكايا الجدات

إن اهتماماتنا في هذا العصر أصبحت مكشوفة، بحسب “جرود،” معروف ما نشاهده من أفلام، معروف من نحبه من الشعراء، من نقرأه، من نتابعه، لذا يخبرنا باستطراد عمن يقرأ أعمالهم ويتابعهم: “في الشعر أقرأ “عارف حمزة” و”فخري رطروط” و”سلام حلوم” وأسماء أخرى، وأتابع قصص “نجم الدين السمان” و”مصطفى تاج الدين موسى” أيضًا، وأحب روايات “رفيق شامي” و”خالد خليفة” و”أمين معلوف”… ومن المترجمين أنتظر أعمال “معاوية عبد المجيد” و”خالد الجبيلي” و”رفعت عطفة” و”أسامة إسبر” … طبعًا القائمة أطول من ذلك”.

“جرود” أيضًا عن إعجابه بالروايات المصرية الجديدة: “ولكن غالبًا لا تصل إليّ إلا بعد سنوات من صدورها،  ويعلق على ذلك: “مفارقة حقًا، بالنسبة لي، قراءة رواية عربية جيدة يعطي شعورًا جيدًا أفضل من قراءة رواية عالمية جيدة”، وذكر أنه يقرأ حاليًا رواية ليل طنجة وهي رواية مغربية ل”محمد سعيد احجيوج”.

يعتقد “جرود” أن مشكلة الكتابة السورية هي الرغبة في مطالعة أعمال مهمة وشعراء مكتملين وروائيين عالميين بينما في الحقيقة أن معظم الأعمال السورية الجديدة يكتبها شباب جدد.

ويضيف الشاعر السوري: “برأيي، هنالك أعمال جميلة أنى توجهت، في فرنسا وألمانيا كتب السوريون أعمالًا مهمة، في دمشق وبيروت كتب السوريون رغم عدم تفرغهم للكتابة، وكذلك في أماكن أخرى، بعض تلك الأعمال لم يُنشر كما يستحق، ولم يصل إلى القراء أصلًا”.

أمثلة من “المجموعة الناقصة” للشاعر “حسين جرود”

مختارات وتجربة مختلفة.. شاعر سوري يسافر بـ"المجموعة الناقصة" من إدلب إلى القارة العجوز

عشتار

أنا الغريب الذي لم يعرف السنوات

فحياتي ظلَّت عالقة بشهورٍ وصمت.

كنت على الدرجة الأخيرة

في اليوم الأول من حياتي

التي تتجلَّى كشتلةٍ في العراء.

كلَّما ركبت سيارة عامة

تمرُّ أمام أشجار مبعثرة

يرتسم أمامي الوجه ذاته

وأعلَق في الغيم.

أعياني البحث

في شوارع ميتة

ويدين ممزَّقتين

عيوني كذبةٌ كبرى

وأقدامي عبث.

في الساحات

تُغيِّر فيزياء المكان

أحسُّ بتدخُّلها الغريب

فأرسم الخرائط تلوَ الخرائط

لمكانٍ نكرة

وجسدٍ غير مُسمَّى…

حب.. طريق.. طرقات

“حب”

خرجتْ من كتب التاريخ

ترتدي قميص ريال مدريد

لكي تفتح الجامعة

ازرقّت السماء

والهواء أصبح بلورياً

كانت تمشي في الأشجار

وفي ذلك المكان

تجمّدتِ الصورة إلى الأبد

“طريق”

توقّفت السيارة ونزل السائق ليشتري شيئاً

تخيّلتُ أني أقضي حياتي

في هذه الزاوية

وأراقب المارّة إلى الأبد

طفلٌ صغير اختبأ خلف سجادةٍ

على الرصيف

وبعد دقائق

انتبه إلى أن أمه أكملت طريقها

هكذا سقط العالم

“طرقات”

لا أعرف ما تفعله بي تلك الجبال

التي أراها على عجالة

على الحدود السورية التركية

يقول لي صديقي: سكان المناطق

الحدودية أسوأ الناس

وأقول لكل من أراه منهم:

أنتم تعيشون في الجنة.

Exit mobile version