أخبار القارة الأوروبية – بورتريه
يُعرف “كازانوفا” بأنه أحد أشهر العشاق في التاريخ، وقد كان يجمع بين عدة صفات غريبة، فقد كان كيميائيًا وجاسوسًا ورجل دين في الكنيسة، كتب هجاء وخاض مبارزات وهرب من السجن أكثر من مرة، فضلا عن مغامراته النسائية.
ولد “جاكومو كازانوفا” في 2 أبريل 1725م بمدينة البندقية في إيطاليا، كان الابن الأول على ستة أبناء، عمل والده “جايتان جوزيف جاك” ممثلاً، ووالدته “تسانيتا” ابنة اسكافي من البندقية هربا وتزوجا من وراء عائلتها، تركته أمه وعمره عام عند جدته مارتسيا لتعتني به أثناء سفرها مع والده في جولة بلندن، وعادوا وهو في عمر الثالثة، إلا أنه ظل في عناية جدته.
توفى والده صغيراً وهو في الثامنة من عمره، وظلت أمها بلا زواج للاهتمام بابنها الأكبر لمرضه حيث كان يصاب بنزيف من الأنف ولجأت جدته إلى إحدى الساحرات، اهتم “مسيو بافو” أحد أصدقاء والده باقتراح أحد الأطباء بتغيير الجو الذي يعيش فيه، فأرسله إلى بادوا بصحبة والدته والقس جريماني، وأقام في منزل الأرملة سنيورميدا، وتقرر بعد ذلك أن يعيش في رعايتها.
نشأته..
بدأ التردد على مدرسة القس “جوتزي” في بادوا، وتفوق في دراسته ثم انتقل للعيش مع أسرة القس الشاب، تدرب على يده على العزف على الكمان، وعلمه أصول الشعر والفلسفة والجدل والتاريخ، وعلى الرغم من ميله الشديد للطب إلا أنه درس القانون، وحصل على دكتوراه فيه في سن السادسة عشرة، واستطاع أن يتحدث بعدة لغات منها الإنجليزية، اللاتينية، الإسبانية اليونانية، الفرنسية.
ويعترف “كازانوفا” في مذكراته: “كنت في ترددي على جامعة بو قد شعرت لأول مرة بالحرية.. على أنه لم يطل بي الوقت حتى تعرفت على أسوأ نماذج الطلبة من مقامرين، مخادعين، رواد لبيوت الدعارة، ومدمنين للخمر، ومغررين بالعذارىّ وفي صحبة هؤلاء بدأت خبرتى بالدنيا والحياة”.
عاد إلى البندقية بعد التخرج، وأقنعه بطريرك البندقية بعد أربعة أشهر بالانضمام لرجال الدين، فتعلم على يد أفضل الأساتذة من الرهبان منهم الراهب سيكافو الذي لقنه الأسلوب الإيطالي، بدأ في هذه الفترة يعتني بمظهرة ويهتم بالعطور والأناقة، ولم يلتفت لتحذيرات الراهب له أن حياته الجديدة وهبها لله وليس للدنيا، ووقف على المنبر وهو في سن السابعة عشرة ونجح في جذب انتباه الحضور، إلا أن غروره كان سبباً في فشل خطبته الثانية؛ بسبب عدم إعداده الجيد وسُكره فقرر عدم الصعود على المنبر مرة أخرى.
الديون والسجن..
أدت ديون المقامرة إلى سجنه، فقرر أن يبدأ من جديد في مهنة جديدة، فاختار الجندية، وكتب في مذكراته :”اشتريت سيفًا طويلًا، ومع عصاة في يدي، وقبعة مزينة بعُقد سوداء، وشعر مقصوص وضفيرة طويلة مستعارة، شرعت في إثارة إعجاب المدينة بأكملها”، إلا أنه سرعان ما وجد الحياة العسكرية مملة ومدينًا بالمزيد من الأموال من القمار، فاستقال كازانوفا من الجيش.
“بيب غوارديولا” أحد أعظم مدربي العالم عبر التاريخ
هرب من البندقية بعد أن وقع في عدة مشاكل، تنقل بين مدن أوروبية عديدة مثل: باريس، وبرلين، ووارسو، وبودابست ومدريد شاعراً فى بلاط الحكام، عاش حياة ماجنة، فقامر واحتال ورافق النساء، واستخدم ذكائه أحياناً وسحره وأسلوبه وشعره، وكتب مسرحية، ثم عاد إلى البندقية في 1753م.
السجن مرة أخرى..
لحقت به أخبار مغامراته، فاعتقلت محكمة البندقية كازانوفا في سن الثلاثين، وقالت المحكمة إنها وجهت له الاتهام “في المقام الأول” بسبب “اعتداءاته العلنية على الدين المقدس”، وحُكم عليه بالسجن لخمس سنوات، استطاع الهرب بعد 13 شهراً.
حصل على العفو وحق العودة إلى البندقية بعد 18 عاماً في المنفي، كتب هجاءً شديدياً في نبلاء البندقية فطُرد مرة أخرى.
في سنواته الأخيرة، عمل أميناً لمكتبة الكونت “جوزيف كارل فون” و”الدشتاين” في بوهيميا، وهو منصب وجده “كازانوفا” وحيدًا ومملًا لدرجة تدفعه للانتحار، ولكنه ظل فيه فقط من أجل تسجيل مذكراته الغنية والمثيرة التي كتبها بعنوان “قصة حياتي” «Histoire de ma vie» ونُشرت في 1789م، وبلغ مجموع كتبه 42 كاتباً ومسرحية.
كازانوفا واللغز المحير..
وظل شكله لغزاً فلا توجد له إلا صورتان غير واضحتان له وهو صغير، حتى يوليو 1953م عندما عثر تاجر للصور الفنية في بولينيا بإيطاليا على صورة مخبأة في أحد المخازن كُتب عليها “جان جاك كازانوفا، 1767م”، وتحقق الخبراء منها، ونُسبت إلى الفنان رفاييل منجز صديقه، واظهرته الصورة بلا أي وسامة بالوجه فالغدة الدرقية متضخمة والعينان جاحظتان وانفه ضخم وذقنه مدبب؛ مما يثبت ان لديه مواهب أخرى غير الوسامة جعلته العاشق الأشهر.
وتوفى في 4 يونيو 1798م بعد عام واحد من استيلاء نابليون بونابرت على البندقية في1797م.
وأثارت قصة حياته ومغامراته خيال الكتاب والسينمائيين فقدمت عدة أفلام، أولها فيلم يحمل اسمه في 1918م، وحب كازانوفا 1927م، كازانوفا فلليني 1976م، كازانوفا 2005م، كما خصصت البندقية له متحفاً بمناسبة مرور 220 عاماً على وفاته.