تجربة فريدة.. مدرسة ابن خلدون العربية تبدأ بتطبيق منهاجها الخاص في ثلاث ولايات ألمانية

أخبار القارة الأوروبية – ألمانيا

عانى أبناء الجاليات العربيّة في ألمانيا من عدم وجود مدارس أو جهات تعلّم لغتهم الأمّ، حتّى جاء العام 1972 حيث لاحت في الأفق فكرة تأسيس مدرسة تهتمّ بتعليم اللغة العربيّة في برلين لأبناء الجالية العربيّة وتحديداً في برلين الغربيّة (قبل الوحدة الألمانيّة).

اجتمع اتّحاد الطلبة العراقيين _ برلين مع أتحاد الطلبة العرب_ في الجامعات الألمانيّة، وتبلورت فكرة إنشاء المدرسة، ليتمّ إنشاء مدرسة “ابن خلدون” لتعليم اللغة العربيّة، فكان انطلاقها بشكل رسميّ في العام 1974.



وتحت شعار “العربيّة تجمعنا” بدأت المدرسة الألمانيّة العربيّة ابن خلدون خلال السنوات الماضية بإعداد برامج ترفيهيّة تعليميّة متميّزة لكي لا يبقى أطفالنا غرباء عن لغتهم الأمّ في بلاد الاغتراب، وبعد اعتماد ألمانيا اللغة العربية كلغة ثالثة في المناهج الحكوميّة، أطلقت مدرسة ابن خلدون النسخة التجريبيّة من منهاج المدرسة ليطبّق على فروع المدرسة الّتي تنتشر في ثلاث ولايات ألمانيّة.

أساليب متنوعة..

وفيما يخصّ المنهاج الخاص بمدرسة ابن خلدون لتعليم اللغة العربيّة في الوقت الحاضر، الّذي أعدّه الخبير في المناهج والتربية الأستاذ “عمر المزعل”، ويسعى لمراعاة الوضع الحالي للأطفال العرب الّذين يعيشون في أوروبا لإكسابهم تعلّم اللغة الأمّ ، يقول “المزعل” في مقدّمة هذا المنهاج:

“وضعت في هذا الكتاب زبدة خبرتي الّتي تزيد على أربعين عاماً في التّربية والتّعليم، ابتداء من بلدي الجريح سورية، وامتداداً لدولة الإمارات العربيّة، ولدولة قطر، وانتهاء بدولة تركيّا ثم دولة ألمانيا التي أعيش فيها الآن،  وبعد أن تفحّصت وعاينت معظم ما أُلِف من كتب في تعليم القراءة للصّفّ الأوّل الابتدائيّ في  معظم الدّول العربيّة منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن، وبعد أن تلمّست المعاناة الّتي يعانيها التّلميذ  والمعلّم على حدّ سواء نتيجة اضطراب التّأليف، وطرق التدريس ، قمت بعد الاعتماد على الله بإعداد هذا الكتاب الّذي يقوم على المزج بين مختلف الطّرق التّعليميّة المعتمدة في تعليم القراءة لهذا الصّفّ.

أوّلاً: الطّريقة الجزئيّة القديمة (الطّريقة الأبجديّة أو الهجائيّة الّتي تركّز على أسماء الحروف، والطّريقة الصّوتيّة الّتي تركّز على أصواتـها).

ثانياً: الطّريقة الكليّة الحديثة (طريقة الكلمة، أو طريقة الجملة الّتي يبدأ بتعليم الكلمة أو الجملة وتنتهي بتعليم الحرف)

وذلك لاقتناعي بأنّ الطّريقة المثلى في تعليم القراءة للصّفّ الأوّل هي الّتي تجمع بين العناصر المفيدة في هذه الطرق كلّها.

وقد تنوّعت وتعدّدت أساليب معالجة الدّروس والتّدريبات التّعليميّة والتّقويميّة لتحقيق تعليم فعّال ومثمر، وقد اقتبست بعض لوحات المحادثة وصور بعض الدّروس من كتاب القراءة السّوريّة الأردنيّة المشترك لعام 1977 الّتي جاءت بريشة الفنّان المبدع في عالم الأطفال المرحوم “ممتازة البحرة”، وكذلك شخصيات الكتاب ( باسم ورباب ومازن … ) وبعضاً من دروسه، لما لرسوم هذا الكتاب ودروسه من أثر جميل في نفوس من تعلَّموه وعلَّموه .

وأرجو من الله تعالى أن يتقبّل عملي هذا خالصاً لوجه الكريم في سبيل تعليم أبناء وطني وأبناء العروبة والعربيّة في كل مكان .. والله ولي التوفيق “.

ويؤكّد “المزعل” في حديثه لـ”أخبار القارّة الأوروبيّة “أنّ: “هذا المنهج يحاول مراعاة الموضوعات والاهتمامات المشتركة بين الأطفال العرب، والأطفال بشكل عامّ في محتواه، وهو يتناول مهارات اللغة (الاستماع والتحدّث والقراءة والكتابة) بشكل متوازن، بخلاف المناهج التقليديّة التي تركّز على بعض المهارات وتهمل المهارات الأخرى”.

مميزات منهاج..

مؤلف البرنامج يعتقد أن ” المنهاج له نقاط قوة، تجعله يقدّم للطالب شيئاً مختلفاً، فهو يتناول الموضوعات الشائقة الّتي تُستقى من عالم الطفل، وتلبي حاجاته الأساسية، وتستجيب لحساسيته نحو الأساليب والنّصوص الجميلة، خاصّة القصّة، والشعر المعبّر عن الطفولة، والّذي يرقى بفكر الطفل وينمّي عملية التذوّق الفنّيّ لديه “.

أ عمر المزعل 

ويبيّن “المزعل” أنّ “البرنامج يتميّز أيضا بقدرته على: ” معالجة النصوص والموضوعات بطريقة تراعي التدرّج في التعليم من الجزء إلى الكل، ومن المعلوم للمجهول، مع الاعتماد على الاستقراء في استنتاج الأفكار الأساسيّة، والقواعد النحويّة والإملائيّة، فضلاً عن التنوّع في التدريبات، وطرق التقويم، بحيث تكون شاملة لمختلف الجوانب المعرفيّة والسلوكيّة والوجدانيّة، فضلاُ عن تقديم أساسيات اللغة الوظيفيّة للطفل بشكل منهجيّ ومتدرّج، وعدم إقحام المماحكات والخلافات النحويّة وما لا فائدة منه “.

مستويات المنهج..

ولفت “المزعل” إلى أن “المنهاج ينقسم إلى عدة مستويات تشمل: المستوى التمهيدي لما قبل المدرسة، ومستوى الصفّ الأوّل والثاني الّذي يتعزّز فيه التمكين اللغويّ، ومستوى الصف الثالث والرابع حيث الانطلاق والسرعة، وأخيرا مستوى الصف الخامس والسادس حيث العمق وجودة الأداء”.

لكنّ المنهاج لم يكتمل حتى الآن في صورته النهائيّة، حيث يشدّد “المزعل” على أنّ: كلّ ما أُنجز حتّى الآن يتعلّق في الصفّ الأوّل بحدود ٦٥ بالمئة، وتمّ تطبيق جزء منه على طلّاب المدرسة الألمانيّة العربيّة ابن خلدون – دورتموند، ويتم الآن التحضير للمستوى المتعلّق بالصفّ الثاني من حيث الخطّة والوحدات والنصوص المقترحة لذلك. 

وحول عملية تدريب المعلّم يوضح مؤلف المنهاج أنّه: ” لا بدّ من دليل وتدريب للمعلم، فالتدريب على المنهاج وتجريبه قبل إجراء التعديلات المناسبة أمر مرغوب به، ومدرسة دورتموند متعاونة بشكل جيّد بهذا الشأن، كما سنعمل على وضع بطاقات تقويميّة لكلّ مستوى ودليل متابعة إنْ أمكن ذلك “.

اقرأ أيضا: “أمرحُ وأتعلَّمُ”.. المدرسة الألمانية العربية ابن خلدون تعلن عن نشاط مجاني للأطفال في ألمانيا

هدف هذا المنهاج ورسالته هو أنّ تعليم اللغة الأمّ من الحقوق الأساسيّة للطفل، و تعليم اللغة العربيّة للطفل العربيّ في بلدان اللجوء إغناء للثقافة الإنسانيّة ولحوار الثقافات الّذي ينشده العالم الحرّ اليوم، حتّى يعمّ السلام العالم وتتمّ الاستفادة من العقول المبدعة  كافة، هكذا يرى “عمر المزعل” موكدا أن  ” دمج الأطفال الناطقين بالعربيّة في مجتمعاتهم الجديدة، مع الحفاظ على اللغة الأمّ، والثقافة العربيّة بشكل منهجيّ وإنسانيّ وديمقراطيّ يعزّز روح الانتماء لديهم لهذه المجتمعات، كما يعزز الروابط بين مجتمعاتهم الجديدة ومجتمعهم الأصليّ” .

توسع وانتشار..

وشكلت الهيئة العامة، ومن ثم التعليمية، وبدء أبناء الجالية العربية في برلين بالالتحاق بالمدرسة، وبعد عامين من الانطلاق الرسمي، طلب مجموعة من الألمان والأجانب في برلين الالتحاق بصفوف تعليم اللغة العربية.

يوضح الدكتور “حذيفة المشهداني” مدير مدرسة ابن خلدون في تصريح لـ”أخبار القارة الأوروبية”: ” افتتحنا فرعاً لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، واستمر ت الدراسة في المدرسة أيام الأربعاء _ السبت، وأدخل إلى جانب تعليم اللغة العربية مواد (الرياضيات، والتاريخ الإسلامي، وجغرافية الوطن العربي، والأماكن السياحة في الوطن العربي ).

توسعت فروع المدرسة وبحسب “المشهداني” فإن الفرع الأساسي في برلين وهناك أفرع في كل من كيمنتس، وكولن ، ودورتموند، إضافة إلى فرع في مولهايم يتم التحضير له، بينما هناك ٤ مراكز تابعة للمدرسة في برلين”.

معوقات وصعوبات..

لكن المدرسة تواجه بعض المشاكل فبحسب “المشهداني” تحتاج المدرسة لبناء مستقل، لأنها في الوقت الحاضر تعتمد على أماكن المركز العربي الألماني، ومركز abziel ، والمركز الثقافي العربي الألماني، كما أنه لا توجد لديها  تجهيزات، أو إمكانات لاستقبال المعاقين، وذوي الاحتياجات الخاصة.

د. حذيفة المشهداني 

واعتمدت المدرسة منذ العام 1974 على مناهج معتمدة لدى وزارات التربية والتعليم في كل من المملكة الأردنية الهاشمية، والعراق، والكويت، وسوريا، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، وذلك لغاية العام 2005 ، ثم بعد ذلك استحدثت منهاجاً تعليمياً خاصاً بها استمر التدريس به حتى نهاية العام 2013 .

ويواصل “المشهداني” حديثه: “بعد ذلك أصدر الدكتور (الحبيب العفاس) منهاجا لتعليم اللغة العربية للطلبة العرب الذين ولدوا في أوروبا، وبعد اجتماعات اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والبحوث العربية في المدرسة لفحص المنهاج تم اعتماد المنهاج “العفاسي” لسهولة مفرداته وسلاسة تعليمه وطريقة تعاطي الطلاب معه ، كما أننا ندعم المقررات الدراسية بمنهاج للتمارين اليومية والتدريب على أنواع الخط العربي ”، لافتاً إلى أن “الهيئة التعليمة في المدرسة بدأت بتطبيق مناهجها الخاصة والعمل على تطويرها بعد تجارب التعليم عن بعد في فترة انتشار وباء كورونا”.

ولا تتوقف نشاطات المدرسة على تعليم اللغة العربية، وتنظم بشكل دوري فعاليات ثقافية وفنية واجتماعية عديدة تستهدف الجالية العربية في برلين وكذلك الألمان وغيرهم من الثقافات الأخرى، ومن هذه النشاطات معارض كتب، وأمسيات قصصية، وعيد الطفل، وأمسية موسيقية، وحفلات عيد الفطر المبارك، وعيد الأضحى”.

ثقافات المجتمع الألماني..

ويشدد “المشهداني” على دور المدرسة في تعريف الطلاب بثقافات المجتمع الالماني: “الجالية العربية في ألمانيا وأوروبا بحاجة إلى تعليم اللغة العربية لأنها لغتهم ولغة ثقافتهم الأم، ويجب المحافظة عليها من قبل العرب المقيمين في ألمانيا وأوروبا، وهي محمية ضمن دساتير دول الاتحاد الأوروبي”، لافتا إلى أن: “الدراسات والبحوث العلمية أثبتت أن الإنسان إذا أتقن اللغة الأم سوف يتقن اللغات الأجنبية المكتسبة الأخرى، ولدينا أمثلة كثيرة عن طلبة عرب لم يتقنوا اللغة الألمانية بشكل صحيح إلا بعد أن تعلموا اللغة العربية الأم كما يجب.”

ساهمت المدرسة من خلال مشاريع كثيرة في اندماج أبناء الجالية العربية مع الثقافات الأخرى والمجتمع المدني الألماني، فخصصت دروساً لتدريب الطلاب على احترام القانون، والذوق العام واتباع الأسلوب الصحيح في الشارع، واحترام الآخر وتقبل ثقافته.

كما يوضح مدير مدرسة ابن خلدون، أن “المدرسة تعلم الطلاب أنه لا فرق بين إنسان وإنسان، وندعوهم للابتعاد عن الأشخاص السيئين، أو عصابات الإجرام، واحترام الشرطة الألمانية، وزيها الرسمي لأنها موجودة لحمايتهم من الأذى والشر “.

مناهج المساجد..

وحول المناهج التعليمية المتبعة في بعض الجمعيات والمساجد، يقول: “المساجد ليست لتعليم اللغة العربية، وعليها في الوقت الحالي العمل على الوعظ والإرشاد، وتوعية الجاليات العربية على احترام الأديان في ألمانيا، ودعم الجالية العربية بالوسائل الصحيحة للتعامل مع المجتمع الألماني، فالمنهاج المتبع في المساجد لا يمت للغة العربية لا من قريب ولا من بعيد، وكل مسجد يغني (على ليلاه)، انطلاقا من أيدلوجيته الخاصة، مع الأسف الشديد المساجد في برلين أغلبها تتبع أيدلوجيات سياسية (الإسلام السياسي) المنتشر هذه الأيام في العالم، وهو لا يمت إلى الإسلام الحنيف بشيء سوى الاسم، كما أن المساجد أصبحت مكاتب لجباية الرسوم المالية من الجالية العربية لغرض دعم نشاطات أحزاب وحركات الإسلام السياسي في الوطن العربي”.

واختتم “المشهداني” حديثه بالقول: “المدرسة تحمل مسؤولية وواجب تجاه أبناء جالياتنا، ولا سيما بعد أن تعمد الاعلام المؤدلج تشويه صورة الإسلام والعرب في ألمانيا وأوروبا، وساعدهم على ذلك الأعمال والتصرفات غير الصحيحة والتصريحات الفاشلة لبعض مشايخ المساجد في ألمانيا، الذي كانوا يمتهنون بيع الحشيش والمخدرات والتعاطي مع الجرائم، وبين ليلة وضحاها أصبحوا أئمة مساجد أو شيوخ والأمثلة كثيرة”.

 

Exit mobile version