أخبار القارة الأورويبة _ ألمانيا
اصدر وزير الداخلية الاتحادي الألماني السابق ” هورست زيهوفر” في عام 2018 قرارا يقضي بإجبار اللاجئين السوريين في ألمانيا بالحصول على جواز سفر سوري أو تجديده في سفارة البلد في برلين، إن أرادوا تمديد إقامتهم أو تقدموا بطلب الحصول على الجنسية الألمانية، وهو ما يرفضه السوريون لعدة أسباب.
يعتبر الكثير من اللاجئين السوريين أن هذا الأمر دعما غير مباشر للنظام السوري، يكفل له تمويلا ويضع السوريين الهاربين من قبضته تحت رحمته.
وبحسب مهاجر نيوز فقد شرع السوريين في حملة تحت شعار “لا تدعموا الأسد” والتي انخرط فيها الكثير من السوريين لوضع حد لجرائم النظام.
الناشطة الحقوقية والصحفية “وفا مصطفى”، معتقلة سابقة، وابنة معتقل سوري اختفى بعد اختطافه من منزله على يد النظام انخرطت في الحملة وصرحت لمهاجر نيوز: “أنا سورية ابنة معتقل ومعتقلة سابقة، وأنا أيضا ضحية هذا القانون الذي يجبر الناس على الذهاب لسفارات أنظمة اعتقلتهم وشردتهم وقتلت عائلاتهم. لقد أجبرت في ألمانيا على الذهاب للسفارة سنة 2019 مع أني شرحت الأسباب التي تمنعني أمنيا وحقوقياً من ذلك، وأهمها أن أبي لليوم مختفي لمدة تسع سنوات بعد اختطافه قسريا من قبل النظام السوري، لذلك أنا منخرطة ومؤمنة بهذه الحملة”.
قررت “وفا مصطفى” مغادرة البلاد في 9 تموز / يوليو 2013، بعد تجربة الاعتقال من قبل النظام في سبتمبر/أيلول 2011، وبعد أسبوع واحد من اختفاء والدها قسريًا تنفيذا لوصيته بالمغادرة في حال اختفائه.
منذ اقتياده بالقوة من قبل مسلحين من بيته في بدايات الثورة السورية، لم تسمع “وفا” وأسرتها شيئا عن والدها إلى اليوم، كانت حينها تبلغ من العمر 23 سنة. حاولت جاهدة اقتفاء أثر والداه بكل الطرق القانونية المتاحة وغيرها، لكنها لم تتلق إلى اليوم أي خبر عنه.
ألمانيا تفرض غرامة مالية على من يتخلف عن موعد الطبيب
تقول عن والدها “كان مؤيدا للثورة وناشطاً حقوقياً وسياسياً، ويعلن ذلك جهراً بدون خوف، وهو ما تسبب في اعتقاله أكثر من مرة قبل الاعتقال الأخير”. كانت أسرتها تقطن في مدينة مصيف في شمال غرب سوريا التي كانت تحت سيطرة النظام. بعد خوفهن بما قد يلحق بهن من أذى، قررت هي ووالدتها وشقيقتيها أن يغادرن، حاملات لجوازات السفر وبضع صور فقط، ليتفرقن بعدها وتلجئ كل منهن إلى بلد مختلف.
انخرطت “وفا” في هذه الحملة التي انطلقت فعلياً منذ 2021، بعد كثير من محاولات السوريين الحديث عن موضوع إجبارهم على تجديد الجوازات أو الذهاب للسفارة السورية، معتبرة أن هذه الحملة منظمة ومبنية على إحصائيات ودراسة، وهو شكل جديد لمقاربة هذا الموضوع وتحقيق شيء ملموس فيه.
ومن بين المنخرطين في الحملة أيضا، “عمر الشغري”، حقوقي سوري ومعتقل سابق من قبل النظام، كانت أول مشاركة سياسية له خلال مظاهرة بمدينته بنياس في أبريل/نيسان 2012، اعتقل خلالها أول مرة، ثم اعتقل للمرة الثانية لثلاث سنوات وتمكن من الخروج من السجن سنة 2015، وقد كان حين اعتقاله طفلا لم يصل سن الرشد 18 سنة بعد، وخرج من سجون النظام راشداً.
تمكنت والدته من تهريبه من السجن بعد ثلاث سنوات ورتبت لجوئه إلى تركيا، ومن هناك تمكن من الوصول إلى السويد وبعدها اتجه نحو أمريكا لإتمام دراسته. وفي فترة اعتقاله، فقد والده وأشقاءه، الذين قتلوا على يد النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي هاجمت مدينتهم سنة 2013.
يقول “عمر” عن أسباب انخراطه في الحملة “في السويد يطلب منك أيضا إحضار جوازك السوري حين تقديمك طلبا للحصول على الجنسية، يعني أن الأمر لا يقتصر على ألمانيا لكن في ألمانيا هناك إجبار في الموضوع بينما هناك تفهم أكبر في دول أخرى. ويقول عمر عن الهدف من انخراطه في الحملة هو المناداة “بعدم إجبار السوريين على التعامل مع السفارات التابعة للنظام الذي هجرهم وشردهم وقتل عائلاتهم واعتقلهم على مدى 11 سنة”.
“معتصم الرفاعي”، ناشط سياسي وحقوقي سوري أيضا، من المؤسسين لهذه الحملة، التي أطلقتها منظمة “تبنى الثورة” التي تظم سوريين وألمان وهدفها التعريف بالموضوع وإحداث تغيير فيه عبر وقف العمل بالقرار.
واعتبر “الرفاعي” أن هذه الحملة منظمة وسر التغيير هو الاستمرارية والعمل بشكل جماعي “لذلك أنا مؤمن أنه سيكون هناك تغيير خاصة أنه ليس قانونا بل قرار فقط يؤكد أن السوريين المنخرطين فيها في تزايد، بالإضافة للعديد من المنظمات الألمانية والنشطاء الفاعلين”. مبرزاً أن الحملة لاقت تجاوب كبير من السوريين بسبب معاناة مئات الآلاف منهم من ذات المشكلة.
وأكد “الرفاعي” في حديثه لمهاجر نيوز، أن هنالك تواصل مع جهات مختلفة على عدة مستويات، مثل وزارة الخارجية الألمانية ومع العديد من نواب البرلمان الاتحادي الألماني – البوندستاغ، وبالأخص أعضاء لجنة الشؤون الداخلية في البوندستاغ، وعلى مستوى الولايات مع نواب من مختلف الأحزاب السياسية في البرلمانات.
ويؤكد “معتصم الرفاعي”، عضو مجلس اللاجئين في براندبورغ، أن الحملة تحاول بجميع الوسائل السياسية والقانونية الممكنة الوصول إلى حل لهذه المشكلة إن كان على المستوى الاتحادي أو حتى على مستوى الولايات، وستنظم الحملة يوم 15 نوفمبر وقفة احتجاجية أمام مجلس الولايات الاتحادي في برلين الذي سيعقد فيه المؤتمر التمهيدي لوزراء داخلية الولايات للضغط على الوزراء لإضافة مسألة استخراج جوازات السفر إلى جدول أعمال المؤتمر الذي سنطلق منذ 30 نوفمبر في مدينة ميونخ.
بالإضافة إلى ذلك تم إرسال نتائج استبيان أجري في شهر فبراير من هذا العام حول مسألة استخراج جوازات السفر إلى 80 عضو في البوندستاغ، إذ شارك في الاستبيان أكثر من ألف لاجئ سوري في ألمانيا خلال مدة لم تتجاوز الأسبوع، ويتم جمع تواقيع على عريضة سيتم إرسالها لوزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر لمطالبتها بالتراجع عن القرار الذي اتخذه سلفها هورست زيهوفر منتصف عام 2018.
وأكد “الرفاعي” أن العديد من المنظمات الألمانية تدعم الحملة وهي جزء منها مثل منظمة Pro Asyl المعروفة والتي تدافع عن حقوق اللاجئين، إضافة إلى أن هنالك العديد من أعضاء البرلمان الداعمين للحملة والمنادين بإلغاء شرط استخراج جواز سفر سوري لتجديد الإقامة أو للحصول على الجنسية في ألمانيا.
من جهتها، ترى “وفا” أنه فعلياً صار للحملة اليوم شركاء من منظمات حقوقية وغيرها من المنظمات والفاعلين السياسيين أيضا، لكن الحديث عن مدى فعالية هذا الدعم، سيكون حين تقييم النتائج الحقيقية ولما نرى أن ألمانيا توقفت عن إجبار السوريين عن التعامل مع سفارة النظام الذي قام بتهجير الملايين منهم.
وتشرح “وفا” أنها حينما أرغمت على الإدلاء بجواز جديد، حاولت إقناع السلطات المختصة الألمانية أنه من غير المنطقي أن تذهب إلى السفارة وكتبت بيان يوضح كل الحيثيات والأسباب. “لكن تم رفض طلبي وقيل لي أن أسبابي غير مقنعة وطلبوا مني إثباث أن أبي موجود في سجون النظام منذ 9 سنوات، رغم أن أي شخص لديه أدنى معرفة بما يحصل في سوريا فستكون لديه فكرة واضحة عن معنى الاختطاف والاختفاء القسري ويعرف أيضا أن سوريا دولة أمنية وليست دولة قانون ولا حقوق، ولن يتم تسليمي ورقة تقر بأن أبي اختطف واختفى قسرا في سوريا”.
وشددت “وفا مصطفى” “أنا ضحية لهذا الفعل الذي تقوم به السلطات الألمانية، وحديثنا عن السوريين لا يلغي حديثنا عن باقي الأشخاص من جنسيات أخرى، الذين يجبرون على دخول سفارات بلدان انتهكت حقوقهم فالحملة صحيح تطالب بتغيير هذا الإجحاف بحق السوريين ولكن أكيد كذلك لغير السوريين الذين يمرون بنفس الموقف لأنه غير مقبول أن يعيشه أي شخص مهما كانت جنسيته”.
وبينت أن “هذه الأموال التي ندفعها كسوريين للسفارة تستعمل لتعذيب أبي وغيره في السجون ولقصف إدلب ومناطق أخرى خارج نطاق سيطرة النظام وقتل السوريين وحصارهم وحرمانهم من الحياة. منذ 11 سنة نسمع وعوداً بالتغيير لكن لم نرى من ذلك شيئا. الدعم من الأحزاب السياسية خاصة يتم قياسه بالنتائج وليس بالظهور الإعلامي والخطابات الرنانة والوعود التي لا يتحقق منها شيء.
ويضيف المتحدث “أنا كسوري إذا دخلت إلى السفارة لا أعرف إن كنت سأخرج حياً، أي أن السوريين الموجودين في ألمانيا يقومون بالمخاطرة بحياتهم حين دخول مبنى السفارة، وهذا شيء مقرف تقوم به الحكومة الألمانية. ثم إن إجبار السوري على دفع هذا المال لنظام هربت منه، لأتمكن من العيش واستئجار منزل والحصول على عقد عمل في ألمانيا وأنا لاجئ فيها، فالحكومة الألمانية تجعل اللاجئين أمام اللاخيار، سوى الذهاب إلى السفارات وتمويل النظام ب800 دولار لكل فرد، وهكذا فألمانيا تمول النظام السوري الذي يقوم بقتل المدنيين في سوريا وتهجير الملايين”.
كل هذا حسب “عمر”، ضد القيم الألمانية والديمقراطية، لذلك نحن ضد أي شكل من أشكال دعم هذا النظام سواء كان مباشرا أو غير مباشر وأيضا تطبيع التعامل مع النظام.
من جهته، شدد “معتصم” أن رفض السوريين تجديد جوازاتهم في سفارة نظام الأسد ببرلين، نابع من رفض أن يجني النظام مئات الملايين من اليوروهات كل عام، ليمول بها حربه ضد شعبه، ولأن اللاجئين السوريين هربوا من “الهجوم الموسَّع والممنهج ضدّ المدنيين” الذي لا يزال يشنّه نظام الأسد على السوريين منذ نزلوا إلى الشارع مطالبين بالديمقراطية سنة 2011، وهو ما أقره القضاء الألماني في نصّ حكمه في قضية ضابط مخابرات الأسد “أنور رسلان”.