أنباء عن سعي السلطات الفرنسية لترحيل سوريين من البلاد

أخبار القارة الأوروبية_ فرنسا

في تطور غير مسبوق، تواصلت السلطات الفرنسية مع القنصلية السورية في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين منذ أكثر من عشرة أعوام، وذلك للتحقق من هوية شخصين والمضي قدما في الإجراءات التي تتبعها الدولة عادة من أجل ترحيل الأشخاص إلى بلدهم الأم.

وأثبتت مراسلات بريدية، كشفت عنها منظمات غير حكومية واطلع عليها فريق مهاجرنيوز، أن محافظة شرطة باريس ومحافظة أوت غارون (جنوب البلاد)، بعثتا طلبات للقنصلية السورية من أجل التحقق من أوراق وجنسية شخصين إضافة إلى إصدار تصريح مرور قنصلي يلزم لترحيل الفرد من فرنسا إلى سوريا.

منذ بداية الحراك الشعبي في ربيع عام 2011 حتى اليوم، لم ترحّل فرنسا أو أي دولة أوروبية أخرى سوريين إلى بلدهم (رغم سعي الدنمارك تنفيذ عمليات الترحيل ووضع السوريين في مراكز احتجاز)، لا سيما مع استمرار التقارير التي توثّق الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري وعدم استقرار الوضع الأمني في البلاد.

وأوضح تقرير لمهاجر نيوز أن محافظات الشرطة، التي تمثل السلطة المحلية، في حالتين منفصلتين ومدينتين مختلفتين، تواصلت مع القنصلية السورية بعد أن وضعت شابا في مركز الاحتجاز الإداري “منيل أملو” شمال العاصمة باريس وآخر في مركز احتجاز “كورنيباريو” قرب مدينة تولوز جنوب فرنسا، في تشرين الأول/أكتوبر 2022.

وتضع السلطات الأجنبي الذي رُفض طلب لجوئه أو لا يملك أوراق إقامة صالحة في مركز احتجاز إداري، ريثما تستكمل الإجراءات الروتينية لترحيله إلى بلده الأم، بعد التنسيق مع السفارة المعنية. لكن من الناحية الرسمية، لا يجدر بالسلطات الفرنسية التواصل مع نظيرتها السورية لا سيما وأن باريس أعلنت تعليق العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارة السورية في آذار/مارس 2012 احتجاجا على المنهجية القمعية للنظام السوري.



وتوثق منظمات حقوقية، على رأسها “العفو الدولية”، الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها النظام السوري بحق المدنيين، لا سيما الإخفاء القسري والتعذيب وغيرها من ممارسات غير شرعية. كما أكدت في تقريرها “أنت ذاهب إلى موتك” وقوع انتهاكات جسيمة بحق أشخاص عادوا إلى سوريا إما عند النقاط الحدودية أو في مراكز أمنية.

وبالتالي، بعد هذا التواصل الرسمي من قبل محافظتي الشرطة مع القنصلية السورية، تكون السلطات الفرنسية انتهكت “عن عمد القواعد الدولية والأوروبية التي تحظر تماما إعادة أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب وسوء المعاملة”، حسب بيان نشرته منظمة “العفو الدولية”.

محافظة غارون العليا ومكتب وزارة الداخلية أوضحا أنه: “لا نرحّل الأشخاص إلى سوريا/لكن من الضروري أحيانا مطالبة السلطات السورية عبر جهات اتصال قنصلية بالتحقق من الجنسية السورية لأجنبي في وضع غير نظامي يدّعي ذلك”، مبررة أنها بذلك تحد من ادعاءات أجانب آخرين بأنهم من الجنسية السورية”.

لكن لم تعلق كلا الجهتين على التساؤلات حول الهدف من طلب “تصريح مرور قنصلي”، إن لم تكن هناك نية ترحيل الشخص المعني.

“بول شيرون” المسؤول عن دعم حقوق المحتجزين في جميعة “لاسيماد” الفرنسية استنكر بشدة ممارسات السلطات الفرنسية معتبرا أن “مجرد التواصل مع سفارة دولة مثل سوريا قد يعرض الشخص للخطر، لا سيما وأن السفارة ستحصل على معلومات الفرد الشخصية كالاسم الكامل وتاريخ ومكان الولادة وربما صوره وبصمات أصابعه الإلكترونية، وبالتالي، إذا كان الشخص سوري بالفعل قد يضعه ذلك في خطر”.

وبرأي مماثل نددت مانون فيلونيو مسؤولة المناصرة في منظمة العفو الدولية تعامل السلطات الفرنسية مع نظيرتها السورية واصفة ما حدث بأنه “ممارسات فاضحة وخطيرة”، وأعربت عن قلقها من عواقب هذا التعاون على “السوريين الذين لا يزالون معرضين للخطر إن كان ذلك بسبب الحرب أو القمع”، وتطالب الناشطة السلطات الفرنسية بإصدار تعليمات واضحة وصارمة تمنع أي محاولات تواصل بين محافظات الشرطة والقنصلية السورية، “وما حصل أخيرا يعد في غاية الخطورة وغير قانوني”.

واحتجزت الشرطة في 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي شابا يبلغ من العمر 22 عاما في مركز “منيل أملو”، كانت السلطات أوقفته في مخيم عشوائي للمهاجرين شمال العاصمة حيث كان يقيم، وأصدرت بحقه لاحقا قرارا بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) قبل وضعه في مركز الاحتجاز الإداري.

رئيس الجزائر: على فرنسا التخلص من عقدة المستعمر

بشكل عام، ترسل المحافظة للمعني أمر التزام بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) بموجب خطاب مسجل مع إشعار الاستلام، ولديه شهر واحد فقط للمغادرة “بشكل طوعي”.

ومن الممكن أن يتم استئناف القرار عبر المحكمة الوطنية لحق اللجوء (CNDA) في غضون 15 يوما. لكن في حالات أخرى، يطلب من الشخص مغادرة الأراضي الفرنسية بشكل فوري، وتكون لديه 48 ساعة فقط. وغالبا ما يتم وضع هؤلاء في مراكز الاحتجاز والترحيل.

وفقا للقانون الفرنسي، يمكن تمديد احتجاز الأجنبي في المراكز الإدارية حتى تنتهي الدولة من إجراءات الترحيل لكن يجب ألا تتجاوز هذه المدة 90 يوما، ويتوجب على الدولة الطلب من سفارة الدولة التي يحمل الفرد المعني جنسيتها إصدار تصريح مرور قنصلي من أجل إتمام عملية الترحيل.

بناء على الأمر الصادر بحق الشاب السوري، وضعته السلطات بشكل فوري في مركز الاحتجاز، وبعد يومين، عرضت قضيته على قاضي الحريات والاحتجاز الذي لم يمنع السلطات الفرنسية من المضي قدما بإجراءات الترحيل الاعتيادية، وفي 4 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قرر قاضي آخر تمديد احتجاز الشاب وأكد إجراء محادثات مع السلطات السورية التي رفضت إصدار تصريح المرور للشاب في الوقت الحالي، لأنه غير قادر على إبراز جواز سفره. وأفرجت السلطات عن الشاب السوري لاحقا.

بحسب مقابلة أجراها الشهر الماضي موقع التحقيقات “ميديا بارت” مع الشاب السوري في مركز الاحتجاز، قال إنه فر من سوريا منذ عام 2017 بعد أن كان فقد اثنين من أخوته في إحدى الضربات الجوية التي نفذها السلاح الجوي السوري المدعوم من روسيا على محافظة حلب. وبدأ رحلة الفرار من سوريا عبر تركيا ومنها إلى اليونان وصولا إلى السويد حيث تقدم بطلب لجوء. لكنه قرر في بداية العام الماضي الانتقال إلى فرنسا حيث أمضى لياليه في مخيم عشوائي شمال باريس لكنه “لم يتقدم بطلب لجوء ولم يكن هناك من يساعده”.

لكن ماذا لو أصدرت السفارة السورية تصريح المرور فعلا؟ هل كان سيعني ذلك ترحيله إلى سوريا؟، أسئلة أجاب عنها الناشط بول شيرون قائلا “نأمل بألا يحدث ذلك لأن سوريا ليست دولة آمنة، ولذلك نريد اليوم من الحكومة الفرنسية إعادة تأكيد موقفها تجاه سوريا ومنع أي تواصل مع الجهات الرسمية السورية”.

وفيما يتعلق بالشاب الذي كان محتجزا جنوب البلاد، أكدت محافظة أوت غارون من جهتها وبعد التحقق مع السلطات السورية أن “الشخص المذكور ليس سوري الجنسية”، وأنه “كان رهن الاعتقال بسبب ارتكابه أعمال تخل بالنظام العام بشكل متكرر. وأنه لم يتقدم بطلب لجوء”، دون ذكر تفاصيل إضافية عن هوية الشخص.

وأشار “ميشيل مورزيير” رئيس جمعية “روفيفر” التي تدعم حقوق اللاجئين إلى أنهم لاحظوا على مدى الأعوام الماضية إصدار السلطات في بعض الأحيان أوامرا بمغادرة الأراضي الفرنسية بحق سوريين، لكن ذلك كان متعلق باتفاقية دبلن على نحو خاص ومن أجل إعادة الشخص إلى أول دولة أوروبية دخل إليها وليس إلى سوريا.

ورغم أن محافظة غارون العليا مثل وزارة الداخلية أكدت لمهاجر نيوز “عدم تنفيذ عمليات إبعاد إلى سوريا”، إلا أن القلق لا يزال يسيطر على الجمعيات.

ورغم وجود جملة على موقع وزارة الخارجية تنص بشكل واضح أنه “لا توجد علاقات مع دمشق منذ عام 2012” تتساءل مانون فيلونو عن الإجراءات التي اتخذتها المحافظتان قائلة “يحق لنا أن نسأل ما إذا كانت الدولة ستبدأ بتنفيذ عمليات الطرد، ذلك عدا عن تجاوز ما حصل الإطار القانوني والقرارات الدبلوماسية”.

Exit mobile version