أخبار القارة الأوروبية_ ألمانيا
أعلن الأمين العام لنقابة الكونفدرالية العامة للعمل فيليب ماتينيز أن «أكثر من مليونين» شاركوا في المظاهرات التي جرت أمس في باريس وفي أكثر من 200 مدينة كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وأن المظاهرة التي شهدتها العاصمة جمعت ما يزيد على 400 ألف شخص، وذلك رفضاً للخطة الحكومية.
ولم تشذ مظاهرات الأمس عن «التقليد»، إذ حصلت مناوشات واشتباكات بين مجموعات مندسة في المظاهرات في باريس وليون ورين، ما أسفر عن أضرار بالمنشآت تنسب عادة للمجموعات المتطرفة يميناً ويساراً، وأبرزها مجموع «بلاك بلوك» اليسارية الفوضوية التي تسمى هكذا لأن أعضاءها يرتدون الزي الأسود.
كذلك من الأمور التقليدية أن تتفاوت الأرقام بين تلك التي تقدمها النقابات والأخرى الصادرة عن وزارة الداخلية. وحتى كتابة هذه السطور، لم تكن الوزارة المعنية قد أذاعت أرقامها التي عادة لا تصل إلى نصف أرقام النقابات.
القطاعات الحيوية في فرنسا تدخل في حالة شلل بسبب الإضرابات
بيد أنه إذا كانت النقابات الفرنسية الثماني التي دعت إلى مظاهرات حاشدة وإضرابات شاملة تعول على تعبئتها من أجل دفع الرئيس “إيمانويل ماكرون” وحكومته إلى تجميد أو سحب خطة تعديل قانون التقاعد، فإن الرد جاء عليها من برشلونة ومن ماكرون شخصياً الذي كان في العاصمة الكاتالونية للتوقيع على «معاهدة الصداقة والتعاون» مع إسبانيا.
فقد أكد الرئيس الفرنسي أن السلطة التنفيذية ستواصل السير بمشروعها الإصلاحي «بكل ثبات»، ما يؤشر على صراع يرجح أن يكون طويلاً بينه وبين النقابات وأحزاب اليسار والخضر وحزب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» الذي لم يشارك محازبوه وأنصاره في المظاهرات، لكن نوابه عازمون على محاربة المشروع الحكومي داخل البرلمان.
وفيما تبين استطلاعات الرأي أن نسبة مرتفعة من الفرنسيين تعارض الخطط الحكومية، فإن المظاهرات الحافلة التي شهدتها العاصمة وغالبية المدن الكبيرة والمتوسطة، تبين ميدانياً مدى الرفض لخطة الحكومة التي تريد رفع سن التقاعد من 62 عاماً كما هو حاليا إلى 64 عاماً.
يضاف إلى ما سبق أن “ماكرون” اعتبر أمس أن الفرنسيين «وافقوا» على إصلاح قانون التقاعد عندما اختاروه رئيساً للجمهورية لولاية جديدة في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي باعتبار أن القانون الإصلاحي كان منصوصاً عليه في برنامجه الانتخابي.
غير أن حجة “ماكرون” لا تستقيم، إذ اعترف شخصياً ليلة فوزه بالانتخابات بأن الكثير من الناخبين، خصوصاً ناخبو اليسار، صوتوا له ليس تبنياً لبرنامجه الانتخابي، ولكن لمنع منافسته “مارين لوبن” من الوصول إلى قصر الإليزيه.
وتجدر الإشارة إلى أنه سعى، في ولايته الأولى، وزمن رئاسة “إدوار فيليب” للحكومة، لتغيير قانون التقاعد ما أدخل فرنسا لشهور طويلة في دوامة المظاهرات والإضرابات. وعمدت الحكومة وقتها لتجميد مشروعها ثم سحبه بسبب وصول جائحة كوفيد 19.
وما تتخوف منه السلطات أن تتواصل الحركة الاحتجاجية ومعها الإضرابات إما المتواصلة أو المتقطعة، ما سينعكس سلباً على الحياة الاقتصادية وعلى المناخ الاجتماعي.
وأكثر من ذلك، فإن الخوف الأكبر أن تتراكم المطالب وتتداخل فيما بينها ما يمكن أن يفضي إلى حراك شامل يذكر بما عرفته فرنسا في حراك «السترات الصفراء».
وغاب زعيم حزب «فرنسا المتمردة» والمرشح الرئاسي السابق “جان لوك ميلونشون” عن مظاهرة باريس ليشارك في المظاهرة الكبيرة التي حصلت في مدينة مرسيليا التي كان نائبا عنها في الدورة البرلمانية السابقة. ومن هناك، أكد ميلونشون أنه «لا أحد يأخذ في الاعتبار الحجج التي تقدمها الحكومة لتبرير خطتها الإصلاحية»، مضيفاً أن السلطة «خسرت معركة الرأي العام وهذه أولى خسائرها».
ومن جانبها، اعتبرت رئيسة حزب الخضر، “مارين توندوليه”، لدى مشاركتها في المظاهرة الباريسية، أن ما يحصل في فرنسا «ليس فقط من أجل الدفاع عن النظام التقاعدي بل إنه يعني بداية النهاية للماكرونية».
وفي هذا السياق، طالب أمين عام الحزب الشيوعي “فابيان روسيل” بسحب المشروع الحكومي وطرحه على الاستفتاء الشعبي. وتحدى الحكومة قائلاً: «إذا كانت هذه الأخيرة واثقة من أن مشروعها عادل وجيد فلماذا لا تطرحه على الاستفتاء الشعبي؟».
وأمس، بينت المظاهرة الجرارة التي جرت في باريس بدءاً من الساعة الثانية بعد الظهر والتي انطلقت من ساحة «لا ريبوبليك» باتجاه ساحة «لا ناسيون»، أن التعبئة النقابية والحزبية تخطت المتوقع منها.
كذلك، عكست الرفض الواسع لخطة الحكومة رغم أن كثيرين يعتبرون أن فرنسا بحاجة إلى إعادة نظر بقانون التقاعد حيث إن سن التقاعد فيها يقف عند الـ62 عاماً وهو الأدنى في أوروبا.
وحمل المتظاهرون في باريس والمدن الأخرى أعلامهم النقابية ويافطاتهم التي تطالب الحكومة بوأد خطتها الإصلاحية التي يعدونها تراجعاً للمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية.
وإلى جانب باريس، فإن أهم المظاهرات سارت في المدن الرئيسية، مثل مرسيليا وليون وليل وبوردو ورين وتولوز وغيرها. وكان ينتظر مساء أن يجتمع قادة النقابات الثمانية لتقرير الخطوة اللاحقة على صعيدي التظاهر والإضرابات التي شملت قطاعات النقل بمختلف أنواعه والطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية (إنتاجاً وتوزيعاً) والتعليم والصحة والوظيفة العمومية.
وكما في كل احتجاج ترافقه الإضرابات، فإن قطاع النقل في باريس والضواحي (المترو وقطارات الضواحي السريعة) وكذلك قطارات الشركة الوطنية لسكة الحديد كان الأكثر تأثرا بالإضراب. وتجمهر المسافرون على أرصفة المحطات يترقبون وصول قطار أو حافلة مترو، ما أدى غالبا إلى تدافع وإلى اختيار كثيرين السير على الأقدام للوصول إلى مراكز عملهم.
فمنذ الصباح الباكر، خلت العديد من محطات المترو من العربات، فيما سعت الشركة الوطنية إلى إعلام المسافرين ساعة بساعة بحالة النقل الذي توفره.
وستظهر منذ صباح اليوم مؤشرات على مدى استمرار الإضرابات في بعض القطاعات وأبرزها قطاع الطاقة. ومنذ ما قبل حلول «الخميس الأسود»، شددت الحكومة على ضرورة الابتعاد عن «شل البلاد». وهذا ما دعا إليه ماكرون ورئيسة الحكومة إليزابيث بورن التي بقيت في باريس ولم تشارك في القمة الفرنسية – الإسبانية لمتابعة الوضع ميدانياً. بيد أن التعبئة الناجحة تبين أن هذه الدعوة لم تلق آذانا صاغية.