بقلم: الدكتور نزار محمود
أمريكا، ونريد بها لأغراض المقال، الولايات المتحدة الأمريكية، هي ليست أكبر دولة في العالم من حيث السكان أو المساحة الجغرافية، لكنها لا زالت الأقوى سياسياً وعسكرياً واعلامياً واقتصادياً. هذه القوة لم تتأت من فراغ، ولا تقوم على وهم رغم عوامل التضخيم.
كثيرون يعرفون ظروف نشأة أمريكا الفتية بالمقارنة مع دول وشعوب العالم الأخرى، لكنها أصبحت الأشهر والأكثر تأثيراً منذ القرن العشرين. لقد قامت على المغامرة والابداع وحب التفوق وفي ثقافة تحسسها بأنها واحة الحرية وراعية الديمقراطية وقائدة البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأكيد ذلك منذ انهيار المنظومة الشيوعية عام 1990 والذي عززته بتدميرها للعراق والسيطرة شبه المطلقة على ثروات الشرق الأوسط. وما كان ما عرضه عميل وكالة المخابرات الأمريكية، مايلز كوبلاند، في كتابه: لعبة الأمم، عام 1969 الا تعبيراً صادقاً عن سياسة وأساليب امريكا في سيطرتها على أغلب أنظمة وقادة العالم.
كيف تمكنت امريكا من حكم اوروبا والعالم:
احاول توضيح ذلك من خلال المحاور الآتية:
نتائج الحرب العالمية الثانية:
لقد شكلت نتائج الحرب العالمية الثانية الفرصة والغنيمة لأمريكا بعد كل الدمار الذي لحق بالدول الصناعية الاوروبية القائدة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا. لقد كانت تلك الدول حينها مدمرة ومثقلة بالجراح وبحاجة الى اعادة بناء واعمار. ولم يكن مشروع مارشال لاعادة بناء اوروبا، وهنا الجزء الغربي منها، سوى وسيلة كذلك لاحكام سيطرة امريكا على اوروبا. كما ان رضوخ اوروبا للاشتراطات السياسية الامريكية جاء تحصيل حاصل، بما فيها تركاتها الخارجية من دول ومناطق مستعمرة وثروات.
الهيمنة الامريكية على اوروبا وفخ الحرب الباردة:
كما شكلت مخاوف اوروبا، وتضخيم تلك المخاوف من المارد الشيوعي وحلف وارشو وتأجيجها من قبل أمريكا سبباً وفرصة مضافة للانصياع الاوروبي للارادة الامريكية. فأقامت فيها القواعد العسكرية ونشرت ليها الآلاف من عناصر وشبكات الاستخبارات، وابتزتها بتريليونات الدولارات، أسلحة وحماية.
قيادة النيتو والقوة والصناعات العسكرية والمؤسسات الأمنية والاعلامية، شكلت مخالب امريكا في السيطرة على العالم:
ان قيادة امريكا للنيتو، القوة العسكرية الضاربة، وسيطرتها التامة على قراراته، ومساهمة الأعضاء في تمويله، لم تكن فقط من أجل حماية حلفاء الامريكان، وانما من أجل السيطرة عليهم!
دور الدولار الأمريكي وسحره:
ان العملة التي تقبلها الغالبية وتثق فيها هي العملة الأقوى رغم كل ما يشاع عنها! وهكذا هو الدولار الأمريكي. ان كل دولار يحمله غير الامريكي هو قرض مجاني من قبل الغير لدعم ماكنة الاقتصاد الامريكي. فعندما تعرف مقدار ما يمتلكه العالم، باستثناء امريكا، من دولارات ورقية ورقمية، تستطيع تخيل من هو المساهم الأكبر المجاني في دعم التطور العلمي والتقني والاقتصادي والعسكري لامريكا!!
والدولار هو سلاح ذو حدين بالنسبة لامريكا: فهو يعود بالخير اليها في صحته، ويتحمل من يحمله من غير الامريكي تكاليف علاجه في حال مرضه.
والأنكى من ذلك، هو تحكم امريكا بصحته ومرضه!!
لعبة الأمم والتحكم بأنظمة وقيادات كثير من دول العالم:
لم يكن هناك من رئيس حكم أمريكا في صراحته وجرأته، لا بل ووقاحته أكثر من ترامب! فالرجل، لم يخبىء مستوراً، وليست لديه لحية مسرحة، كما يقال!
كثير منا قرأ كتاب، لعبة الأمم، وعرف كيف يؤتى بثوار ووطنيين لتسلم زمام أمور بلدانهم، وكيف تجري ازاحتهم! لماذا ومتى وكيف!! ان كثيراً من دول العالم ذات (الأعلام والسيادة) ليست سوى هياكل كرتونية تقيمها اجهزة مخابرات، ويهدمها عصف ريح!!
اننا بحاجة الى قراءة متأنية لمجرى التاريخ السياسي الحديث، والتريث بالحكم على من لم يدر انه لا يدري، والوعي بما يمكن أن يحفظ علينا النعم والكرامة.
وهكذا ما زالت تحكم امريكا اوروبا والعالم الى حين من الدهر.
برلين، 25.02.2023