بقلم: الدكتور نزار محمود
في كثير من اللعبات يجد اللاعب نفسه أحياناً أمام طريق مسدودة، يحتم عليه الاستسلام أو التنازل أو المجازفة أو المخاطرة الكبيرة أو حتى الانتحار! وبالطبع فإن تلك الحالات تأتي جراء خطط اللاعب المقابل وبراعة تكتيكاته ومهارة مناوراته وربما من خلال طرقه غير المشروعة، وأحياناً بسبب ما نسميه بالحظ العاثر. إن مثل هذه الأوضاع يعيشها على الدوام الساسة والاقتصاديون والتجار وقادة الجيوش أثناء الحروب وغيرهم ممن يعيش التنافس والتعامل مع الآخرين في الحياة.
نهضة الشعوب العربية وسياسات الطرق المسدودة التي يمارسها الآخرون ضدنا في أسبابها وتداعياتها:
في البدء لا بد لي من تجاوز الجدل في مسألة تعبير: الشعوب العربية، وعدم ذكر الامة العربية. فالشعوب واقع والأمة هي الحقيقة، وحديثي اليوم حول الواقع.
دكتور: نزار محمود
تعيش الشعوب عموماً، ومنها العربية، تنافساً وصراعاً في ما بينها، وهي مسألة بشرية وتاريخية لا يمكن انكارها.
وبالطبع، سيقوم كل شعب بوضع حساباته وخططه في ذلك التنافس والصراع، سواء الناعم منه أو الخشن! فلا يعقل أن يتعمد شعب في تخطيط من شأنه أن يعين الأخر على غلبته، الا في حالات العمالة أو الخيانة!
وبغض النظر عن الحال المثالي الذي يقتضي صدق النوايا والرغبة في التعاون والتنسيق في الخطط والسياسات بين الدول، وهي ما يجب أن يرجوه كل واع ومخلص لشعبه، فإن واقع الحال ولأسباب ذاتية وخارجية، تجري الأمور في مسارات أخرى، ناهيك عن المؤثرات والتدخلات الخارجية في صياغات السياسات والخطط المحلية.
وفي ظروف الوضع العالمي الراهن وهيمنة قوى عظمى على مجريات الحياة في روافدها الأساسية، ومن أجل إدامة هذه الهيمنة عليها والتبعية لها في غيرها، تعمل على رسم سياسات خبيثة من شأنها أن تضع بعض الآخرين ممن تقع مصالحها عندهم يواجهون طرقاً مسدودة في حال تفكيرهم أو رغبتهم في فك تلك الهيمنة أو التخفيف منها.
هذه الأساليب تأخذ أشكالاً عديدة من سياسية وأمنية واعلامية وعسكرية واقتصادية ومالية وحتى ابتزازية ولا أخلاقية. فما أن تحاول تلك الدول الضعيفة الانعتاق السياسي حتى تجد نفسها تحت مطرقة اقتصادية أو أمنية، أو تحريك وفتح ملفات قديمة، وقس على ذلك في المجالات الأخرى.
ولعل الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، هي القوى والدول الأكثر استخداماً لتلك السياسات والطرق لأسباب تتعلق بقوتها وهيمنتها الأمنية والاقتصادية والعسكرية، لا سيما تجاه الدول الغنية بمواردها والحساسة بمواقعها من جهة، وبضعفها وتبعيتها من جهة أخرى.
برلين، 08.03.0223