أخبار القارة الأوروبية_ أحمد ياسين – ألمانيا
لم يكن الألمان يتصورون أن دمشق وهي أقدم عاصمة في العالم بهذا الجمال، حتى أبدع الفنان السوري “غيث تحسين” في تصوير المدينة وألوانها وأبوابها ومناظرها الخلابة.
“غيث تحسين” فنان سوري عشق الفن منذ نعومة أظافره حتى بات صديقه الصدوق ورفيق دربه، وبينهما ما لا يدركه إلا العارفون من لغة ومشاعر روحية وانفعالات.
خيبة البدايات كانت دافعا أكبر للنجاح
الفن بالنسبة لغيث كان هدفه الأكبر منذ نعومة أظافره، فبعد ست سنوات من ميلاده وفي السنة الابتدائية الأولى كان يرسم المناظر الطبيعية بألوان الشمع في دفاتر الرسم بحصص المدرسة، ومع تقدمه في الدراسة كان كل أمله أن يحظى بمكانه في كلية الفنون الجميلة ليصبح هذا الفن الراقي موضوع دراسته الرئيس.
كان “غيث” مملؤا بالثقة في قدراته وإبداعاته وتقدم لامتحان القبول بكلية الفنون الجميلة، لكن طلبه قوبل بالرفض، وعاد يجر أذيال الخيبة في العام الدراسي 2010/2011 مؤمنا بأن يدا خفية لعبت دورها في إخراجه من صفوف المقبولين بهذه الكلية المحبوبة إلى قلبه.
خيبة أمل لم تكن سوى دافع قوي حفزه على السعي في طريق الفن باعتباره هوايته الأهم، وبسبب تمتعه بثقة عالية في نفسه وشخصيته لم يحاول القضاء على شغفه بهذا الفن، ورغم أنه وجد نفسه يدرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق لكن ارتباطه بالفن لم يضعف، ثم جاءت الظروف القاسية التي أجبرته على عدم إنهاء دراسته رغم مرور سبع فصول دراسية عليه بكلية الحقوق.
الهجرة إلى ألمانيا
هاجر “غيث” إلى ألمانيا التي لم يكن يعلم أنه وبعد سنوات وهو في عقده الثالث من العمر سيكون مشاركا في معارض وفعاليات فنية في مشروع تذكير لبناء الآثار العربية في جامعة برلين للفنون Udk بالعاصمة الألمانية ومدن أوروبية أخرى.
في برلين وجد من التنوع الثقافي والحضاري والفني ما عينه على إبراز فنه وصقل موهبته وتنمية شخصيته كفنان، فالعاصمة الألمانية تتميز بانفتاح متنوع على جميع القارات والبلدان، وفيها من الفن ما يزين الممرات، فضلا عن الزخارف الموجودة بالأبنية والشوارع، إضافة إلى الاحتفالات والأنشطة والكرنفالات التي لا تتوقف في كل مكان.
حياة جديدة
يقول “غيث”: “منذ وصولي إلى برلين وبدء حياتي الجديدة، كان الفن هو الصديق الوفي والمواسي لآلامي وأحزاني في هجرتي، وأهم خطواتي والأولى في هذا البلد الجديد” .
ويعلق “تحسين” على بداية تجربته في ألمانيا: “في البداية انقطعت عن الفن بسبب ظروف عدم الاستقرار وأولوياتي، ودراسة اللغة، فضلا عن ظروف الحياة والترحال المتكرر، وما إن بدأت أشعر بالاستقرار حتى عاودت نشاطي بتقنيات جديدة تظهر الرسم الواقعي والانطباعي والتجريدي بالألوان الزيتية”.
دمشق ملهمة “غياث” ومصدر إبداعاته
كان لدمشق الحصة الأكبر من رسومات “غياث” ولوحاته، وهو ما يعلق عليه قائلا: “الحصة الأكبر من لوحاتي كانت لدمشق، وفي أول معرض شاركت به بإحدى المدن الألمانية أصابتني الدهشة من ردود فعل المتلقي الأوروبي، حول جمال مدينة دمشق، وهذا ما زاد إصراري، حيث أني رسمت بالأحجام والخامات المختلفة “.
وعن رسومه الدمشقية يقول “غيث” :الجمال شعورٌ غريزيٌّ في طبيعة الإنسان؛ فالإحساس بالجمال يدفع كلَّ النفس الإنسانيَّة بمشاعرها ورغباتها وفكرها نحو الموضوع الجميل، لعل رائحة دمشق وألوان شوارعها وبديات شبابي التي حيث ألفت أزقتها يجعل بيني وبين حارات دمشق العتيقة رابطا روحانيا ينقلني خارج العالم عندما أعانق ريشتي، وأخط بها نوافذ الأمل التي أعتادتها عيناي”.
الفن العمراني بدمشق وهدوء ألوانها يروي بحسب “غيث” قصصا تذخر بحضارات متعاقبة، وبتراكم تاريخي يظهر جليا في أقدم العواصم الآهلة بالبشرية على هذه الأرض .
الفن لغة الشعوب المشتركة
“غيث” يعتبر الفن لغة مشتركة بين شعوب العالم، تروض الفوارق بين الأمم والحضارات والثقافات وآليات التفكير، فهو باني جسور التواصل والتقارب والتعارف بين الثقافات بلغة مشتركة، مؤكدا أن تعلم الفنون يساعد الفنان على توسيع آفاق تفكيره، وبالتالي الارتقاء بقدراته الإنسانية وما يصنعه من فن.
يختتم الفنان السوري “غيث تحسين” حديثه بالتأكيد على أن فن كل حضارة يدل على حقبتها التاريخية، وما وصلت إليه من ازدهار وتطور مضيفا: “أكاد أجزم بأن الفنون في الزمن المعاصر هي محور أساسي من ثقافة الحياة، خاصة وأن مفهوم الإبداع لم يعد مقتصراً على قلة، إذ بات مطلوباً من الجميع في معظم مجالات الحياة اليومية “.
هكذا يرى “غيث” دور الفن في الحياة، وفي ترسيخ العلاقات بين الشعوب، فالعين التي تتذوق الفن وتشعر به، تفهمه دون الاضطرار لمعرفة لغة قومه أو خلفياتهم، لأن اللوحات الفنية البديعة تنطق وتعبر عن كل شيء.