أخبار القارة الأوروبية_ برلين
أقامت مجموعة تنسيق سوريا بمنظمة العفو الدولية “أمنستي سوريا” حوارا بين ناشطين سوريين في مجال حقوق الإنسان تحت شعار “ملتقى السوريين في المهجر (تجدد الأمل)”، في العاصمة الألمانية برلين.
الحوار جرى في أمسية نظمتها مجموعة تنسيق سوريا بالمنظمة وافتتحت بعزف قصيدة عن الثورية للموسيقار “يوسف نور الدين”.
أدار اللقاء الإعلامي “كريم سليمان” والناشطة ياسمين عبدالحكيم، بحضور الناشطة السورية البارزة “مريم الحلاق”، والمحامي الحقوقي “أنور البني”، الناشط “عمر الشغري”.
“اللقاء فرصة للحكي ومشاركة قصص الثورة السورية للأجيال الجديدة التي عاشت وتربت في المهجر”، هكذا تحدث الإعلامي “كريم سليمان” في بداية الأمسية للحضور في هذه الأمسية.
“سليمان” شدد على أن السوريين لديهم قصصهم مع الثورة والمعاناة والألم مثل ضيوف الحوار، مؤكدا على ضرورة أن تصل رسائل تضحية السوريين من أجل الحرية والديمقراطية خلال ثورتهم في عام 2011 إلى العالم.
البني: الثورية السورية بدأت إرهاصاتها منذ 2005
أما المحامي السوري “أنور البني” فقد بدأ كلامه على أن الثورة السورية كانت لها إرهاصات ظهرت منذ عام 2005 قبل أن يتابع نموها في داخل السوريين من داخل اعتقاله عام 2006 حتى إطلاق سراحه مع اندلاع الثورة عام 2011.
“البني” شدد على أن السوريين خرجوا للتظاهر ضد القيود التي فرضها عليهم نظام بشار الأسد وقبلها والده حافظ الأسد، والتي لم تكن بالضرورة قيودا أمنية، مشيرا إلى التضيقات التي تعرض لها السوريون في عملهم وكذلك فرض الانضمام لحزب البعث الحاكم.
كما تابع بالقول: “إن حياة السوري كانت مثل كل الشعوب العربية التي خرجت ضد القيود المفروض عليهم ولم تكن الحرية السياسية مطلبهم الأساسي“.
المحامي بين أن: “الشعوب كلها في تونس ومصر وليبيا تحركت بعفوية وهذا كان أمرا إيجابيا، لكنها سلبيتها كانت في عدم وجود تنظيمات قادرة على قيادتها وهو ما أدى إلى استغلالها من قبل جهات أخرى أضاعت جهود الشعوب التي خرجت للحرية وانحرفت بها عن مساراها، وهو ما تعانيه تلك الدول الآن“.
وأردف أن: “بعد اندلاع الثورة في تونس ومصر واليمن، كنت أتصل بالصحافة أثناء تواجدي في السجن بأنه تسونامي وستتأثر سوريا به، قبل أندلاع الثورة، وكنت آتابع الأحداث وقتئذ وأدركنا أن الثورة حانت في سوريا وأنها في قلوب السوريين“.
وروى البني قصته مع الاعتقال التي تعود إلى عام 1977 بعد القبض على شقيقته وزوجها وشقيقه، قبل أن يصبح محاميا للدفاع عن المعتقلين في كل سوريا.
وأشار إلى أنه تم اعتقاله بسبب دفاعه عن أحد المعتقلين الذين ماتوا من التعذيب في عام 2006 قبل أن يتم الإفراج عنه مع اندلاع الثورة.
“البني” تحدث أيضا عن قصة اعتقال شاب لاعب كمال أجسام قاوم معتقليه لكن استسلم في نهاية المطاف مع كثرتهم عليه وضربهم العنيف عليه حتى جلس في زاوية السجن قائلا: “لا أموت غير بشروطي”، وظل جالسا حتى جاء السجان ووجده ميتا من القهر.
رغم مأساوية القصة، إلا أنها أظهرت معنويات الشباب المرتفعة في ذلك الوقت، وكيف دفع السوريون ثمنا غاليا لا أحد يتخيله مقابل حريتهم، يقول البني.
وتابع: “بعد ثورة 2011 لا يمكن أن يكون السوري مثل ما كان من قبل، وهذا يدركه النظام السوري أيضا“.
النظام السوري وسياسة الخوف
لكنه في الوقت نفسه، قال البني إن النظام السوري بنى قوته على إخافة السوريين ما أفقد بعضهم حلم التغيير”، مشيرا إلى أن بعض قيادات المعارضة تخلوا عن دورهم وتركوا أنفسهم لعبة في يد الدول التي تلعب على مصالحهم.
أما الناشطة “ياسمين عبد الحكيم” فقد أشارت إلى تعرض أبيها وأخيها للاعتقال وسط أنباء عن وفاة الوالد دون أن تتاح لها فرصة التأكد من المعلومة، معتبرة أن الحوار فسحة أمل وتجديد طاقة وعهد وصناعة حرية بعد سنوات العذاب والتهجير والقتل.
حماة والثورة …عودة للمربع الأول
“نيفين الموسى” ناشطة كانت تعمل مدرسة الإنجليزية في حماة، وأوضحت أن المدينة كانت تشكل نقطة معارضة لنظام الأسد منذ الثمانيات، ورغم ذلك تمكن من فرض نفوذه على المجتمع وكانت مناهج المدرسة تمجد حزب البعث وصور حافظ الأسد تملئ أسوار الفصول.
وأشارت إلى أنه مع وفاة “حافظ الأسد” وقت التحاقها بالجامعة كانت متفائلة مع تولي بشار الأسد الشاب الحكم في سوريا، لكن جدها بدد أملها بمقولة “الأفعى لا تلد إلا أفعى” في إشارة إلى والده.
تربت نيفين في عائلة مسجلة كمعارضة وشاركت في التظاهرات حتى تم رفض توظيفها بسبب نشاطها المعارض.
مع اندلاع الثورة، قالت: “نظرت بأمل وتفاءل بالثورة السورية مع بدايتها في مدينة درعا”، لهذا خرجت رفقة السيدات في قريتها للتظاهرات والمشاركة في الثورة رغم أنها ترتب في مجتمع محافظ.
أما كيف قبض على شقيقها “حمزة” فأوضحت “نيفين الموسى” أنهم برروا اعتقاله في البداية بسبب الخدمة العسكرية لكنه عندما وصل إلى مكتب الأمن في حماة وجد أنه لديه تقارير عن نشاطه السياسي والتظاهرات في 2012
.فيديو…معلم يصفع تلميذا رفع علم فلسطين داخل مدرسة في برلين
وأضافت أن “بعد أن دخل الاعتقال لم نكن نعرف عنه أي تفاصيل، وآخر أنباء وصلتنا عنه من شاب زميله بالمعتقل، وقال إن الوضع كان صعبا للغاية وأنه أصيب داخل المعتقل حتى مات“.
وأشارت إلى أنهم تعرضوا للابتزاز أيضا بشتي الطرق لدفع الأموال حتى يونيو عام 2014 مع الانتخابات الوهمية التي جرت في ذلك الوقت، وصدر عفو رئاسي عن المعتقلين، وأثناء البحث عنه تم تسليهم هويته وهاتفه وأبلغونا بوفاته.
مصر وتونس كانتا نموذجا للثورة في 2011
الناشط “عمر الشغري” مدير شؤون المحتجزين في فريق الطوارئ السوري، قال إنه نزل المظاهرات في عام 2011 وقت عمره 15 عاما أثناء دراسته ورأى المتظاهرون يوزعون الورود على بعضهم البعض.
وأضاف في كلمته بالندوة: “كنا ننظر إلى مصر وتونس كنموذج للثورة، وكانت هناك متعة لا توصف، وشعور رائع للغاية حيث يهتف الجمع بـ(الحرية)، وكنا أولادا لم نعرف معني الكلمة بعد ولكن كنا نشعر بها“.
وتابع: “تم اعتقالي لفترة قبل أن أنجو وأخرج من السجن مع مفهوم إنني لم استطيع أن أعود إلى المنزل أو المدرسة، وكان هناك تعذيب للناس.. إذ كان يرغب النظام في تدمير السوريين نفسيا“.
ويرى “الشغري” أن “التجربة السورية رغم أنها مليئة بالألم إلا أنها في الوقت نفسه مليئة بالأمل“.
وأضاف أن أثناء اعتقاله أبلغه السجانون أننه تم قتل عائلته بأكملها وحرق عائلته قبل أن ينقذه ابن خالته “بشير” في السجن، مشيرا إلى أن بشير أعطاه درسا في الأمل داخل السجن وكيف يقابل الألم بابتسامة.
قبل أن يموت بشير من التعذيب داخل السجن بعد أن ترك الأمل في نفوس كل المساجين، يقول عمر. ودعا إلى التمسك بالأمل والاستمرارية في النضال من أجل الحرية. وأشار إلى أنه فر من سوريا إلى تركيا عام 2015 حتى وصل إلى السويد ومنها إلى أمريكا ليتعافى من الظروف التي عانى منها.
مؤيدو النظام لم يسلموا من بطشه
من جهتها تحدثت الناشطة “مريم الحلاق” والتي ذكرت أنها كانت عضوة بحزب البعث الحاكم وتعمل مديرة لمدرسة في العاصمة دمشق، ولم يكن لديها نظرة غضب ضد النظام وأضافت أن ابنها هو الذي ساعدها على فهم الوضع والوعي بشأن الثورة والتظاهرات ضد نظام الأسد.
“مريم” شرحت الوضع في ذلك الوقت بالقول: “كنا نتابع الثورات في تونس ومصر وكنا متفائلين لكن كان لدي شعوري أن الأمر لا يزال مبكرا بالنسبة لنا، وفجأة صارت الثورة في بلدنا”، تقول الحلاق، مشيرا إلى ذاق طعم الحرية في تلك الفترة وشعرت حينها إنه هناك ثورة داخل الإنسان السوري وخارجه.
ولفتت إلى ابنها كان يواظب على المشاركة في التظاهرات وباتت هناك ثورة داخل المنزل فقد كان الزوج أيضا وهو ضابط سابق خدم في حرب 1967 وآمن أن “حافظ الأسد” فرط في هضبة الجولان.
وأشارت إلى أن زوجها قال لها: دقي على قبري وقولي لي إن حافظ الأسد باع الجولان.
وروت قصة اعتقال ابنها أيهم بعد خروجه في التظاهرات، وأضافت: “كان يعمل ماجستير في كلية الطب بجامعة دمشق، قبل أن يغير نشاطه لتوثيق شهداء الثورة في مركز حقوقي آنذاك، قبل أن يتم اعتقاله وزملائه في 2011 قبل أن يفرج عنه“.
وأضاف أنه تعرض للاعتقال مجددا في جامعته وتعرض للتعذيب في كلية الطب البشري التي تحولت إلى فرع أمن داخل الجامعة، مشيرة إلى أن اتحاد طلبة الكلية هم من كانوا يتولون تعذيب “أيهم” وزملائه حتى مات على يدهم بعد 5 أيام من اعتقاله.
وقالت إن أحد زملائه بالمعتقل حكى لهم كيف ضربوه بالعصا على رأسه حتى فقد وعيه، وتم استدعاء سيارة الأمن، ليحدث نزيف داخلي بالمخ ليموت بعدها في المستشفى.
عانت “مريم” على مدار عام ونصف على أمل أن ترى ابنها مجددا وتم تضليلها واللعب على مشاعرها بأن ابنها لايزال حيا حتى في نهاية المطاف علموا واستخرجوا شهادة وفاة له.
وأشارت إلى أنها التقت أكثر من 50 سيدة فقد أحد من أسرتها جراء التعذيب أيضا، وكل منهن لديها قصتها.
وقالت إنها فرت بعد ذلك إلى لبنان ومنها بدأت رحلتها للنضال من أجل ابنها الراحل أيهم، وكل الشباب الضحايا السوريين.
الأمسية شهدة أيضا فتح باب الأسئلة للحضور وهي فقرة شهدت أسئلة حيوية ونقاشات ثمينة مفعمة بالأمل في المستقبل.