أخبار القارة الأوروبية_ألمانيا
كشفت تقارير إعلامية عن اتجاه عدد من اللاجئين السوريين في ألمانيا لترك البلاد والتوجه نحو مصر، برغم إتقانهم اللغة الألمانية ودخولهم سوق العمل هناك.
وبحسب ما نشرت مهاجر نيوز فإنه بعد 10 سنوات منذ هجرته إلى ألمانيا، يبدو الطبيب السوري “عبدالله” –اسم مستعار- عازما على مغادرة العاصمة الألمانية، ليس عائدا إلى مسقط رأسه في حلب بسوريا، بل مصر التي تحولت لوجهة استقرار للمهاجرين السوريين حاملي الجنسيات الأوروبية.
فقد انتقل زميله قبل أشهر بأسرته من برلين إلى القاهرة أسوة بعدد من الأسر السورية التي تركت دول مثل السويد وألمانيا وتركيا، بحسب ما وثقه “مهاجر نيوز” خلال العام الماضي.
لهذا بدأ طبيب الأسرة الشاب معادلة شهادته كطبيب لطب الأسرة كي يتمكن بسهولة العمل في القاهرة عند انتقاله، ثم ينتظر الآن زيارة أولى حاسمة لمعايشة الوضع في بداية هذا العام، “قد يسحرنا الوضع ونبقى هناك”، يقول عبدالله وهو اسم مستعار اختاره لنفسه، لـ”مهاجر نيوز”.
أما ياسمين خليفة فقد غادرتها بالفعل في أغسطس/أب الماضي رفقة زوجها طبيب الأسنان وطفليهما بعد أن أمضيا 15 عاما في ألمانيا.
تقول: “لم يعد شيء متمسك بي لتواجدي هنا.. رغم كفاحنا للاندماج طوال السنوات الماضية حتى حصولنا على الجنسية الألمانية، إلا أننا نشعر بأننا غير مرحب بنا، ونتعامل كأجانب”.
كان لدى ياسمين وزوجها دوافع أخرى للمغامرة بالهجرة مجددا، “مستوى المدارس في ألمانيا في تراجع، فضلا عن رغبتي في الحفاظ على هويتهما (طفليها) العربية”، تضيف ياسمين.
كان أمامها خياران: إما الإمارات حيث تعيش عائلتها، أو مصر التي درس فيها زوجها الطب لمدة 6 سنوات قبل قدومه إلى ألمانيا. استقر الاثنان في نهاية المطاف على مصر أم الدنيا -كما يُعرفها شعبها-.
ومع استقرارها على مدرسة ألمانية في القاهرة الجديدة لإلحاق ابنيهما، حزمت الأسرة حقائبها وانتقلت إلى القاهرة، “لم نلحق نحضر شيء، وانتقلنا قبل أسبوع من بداية مدرسة الأولاد”.
وصلت “ياسمين” لأول مرة إلى القاهرة رفقة أطفالها، تقول عن شعورها: “نعم لم آتِ من قبل إلى القاهرة لكن تخيلت الحياة هنا وعرفتها من السويشال ميديا، حتى في الواقع تحس حالك مرحب فيك ويضموك إلى المجتمع، هذا ما (لم نشعر) به في ألمانيا”.
الآن يعمل الزوج على افتتاح عيادته الخاصة بالقاهرة، فيما تبحث ياسمين عن عمل كمدرسة رياضيات بإحدى المدارس الألمانية.
“تحدي التأقلم”
رغم مضي السنوات على الهجرة الكبرى للسوريين إلى أوروبا والاستقرار في مجتمعاتهم الجديدة، يجد بعضهم نفسه أمام تحدي التأقلم طويلا مع الثقافة الغربية؛ فيفكرون في الانتقال إلى الهجرة لبيئة قريبة من ثقافتهم، حسبما يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة المصرية-اليابانية لـ”مهاجر نيوز”.
وعن اختيارهم لمصر، يقول صادق إن المصريون يعتبرون السوريين الأقرب إليهم أكثر من أي مجتمع عربي آخر، فطالما جمعتهما روابط تاريخية منذ هجرة السوريين إلى مصر في القرن التاسع عشر ثم بعد ذلك الوحدة السياسية التاريخية بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة (1958- 1961).
بدورها، تقول نائبة مدير مركز “لايبنيز” للشرق الحديث في برلين، الدكتورة سونيا حجازي، إن مصر باتت تحتضن مجتمعا سوريا نابض بالحياة، وجد معظمه عملاً في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي. كما يكن معظم المصريين تقديرا كبيرا لجيرانهم السوريين وتفهموا ما عانوه بسبب الحرب، بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد حاجز لغوي أو ثقافي مثل الموسيقى والطعام السوري، تضيف حجازي.
تستضيف مصر نحو 9 ملايين مهاجر من جنسيات مختلفة، بينهم أكثر من 1.5 مليون سوري. وصنفت منظمة الهجرة في تقريرها عام 2022، السوريون (17% من أعداد المهاجرين بمصر) كأفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل المصري، حيث يقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بنحو مليار دولار.
وعزز ذلك المعاملة السخية التي يقدمها المصريون للمهاجرين واللاجئين مثل إدراجهم في النظم الوطنية للتعليم والصحة، على قدم المساواة مع المصريين.
يقول صادق: “يمكنك أن ترى فارق تعامل المصريين مع المهاجرين واللاجئين مع البلاد الأخرى، لا توجد خيام ولا عنصرية مثلما يحدث للسوريين أنفسهم في تركيا أو لبنان أو حتى دول الخليج”.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشرت رائدة الأعمال السورية-الألمانية الشابة نعمة البحري، فيديو لها جذب آلاف المشاهدات على حسابها عن إنستجرام تحكي تجربتها بعد 4 أشهر من هجرتها إلى مصر: “رجعت لبيئة تشبهني.. لا أعرف كيف تجرأت واتخذت القرار!!.. لكني سعيدة بما فعلته”.
بعد نشرها الفيديو، فوجئت البحري بوابل من الرسائل من متابعيها من السوريين في أوروبا يستفسرون عن طرق وتكلفة الانتقال لمصر، فقالت: “وجدت أن كثير من السوريين يرغبون في المجيء إلى هنا”.
أما هي فقد أقنعها زوجها غياث بالانتقال إلى القاهرة بعد فشل تجربة العيش في تركيا، “قلت لزوجي لا أريد العودة إلى ألمانيا مجددا”.
في عام 2014، التقت نعمة بخطيبها لأول مرة في ليبيا، قبل أن يغادرا سويا عن طريق البحر إلى أوروبا في ذات العام ويتزوجا في ألمانيا. منذ ذلك الحين، تعلَم الاثنان اللغة واندمجا في الحياة بألمانيا في الأعمال الحرة، إذ عملت هي كمحررة بجريدة محلية في مدينة بوخوم بولاية شمال الراين ويستفاليا، فيما افتتح زوجها مخبّزا لصنع وبيع الكعك. قبل أن تخسر هي عملهما بسبب تداعيات جائحة كورونا، فيما أغلق الزوج مخبزه.
درست الشابة العشرينية، صناعة الصابون الطبيعي والمنتجات الأورجانيك، حتى فتحت خط إنتاجها الخاص وأسست شركتها الصغيرة بعد ذلك، فيما افتتح هو أيضا كافيه ذاع صيته في بوخوم الألمانية.
ورغم ذلك، قررت نعمة الانتقال إلى مصر، “شعرت بهويتي العربية رغم أنها أول مرة لي هنا.. وأريد أبنائي أن يتربوا على تلك الهوية”. في الوقت نفسه، تخشى على طفليها من الأمور الجدلية في المدارس الألمانية والمخالفة للثقافة الدينية الإسلامية مثل النوع الاجتماعي، والمثلية الجنسية أو أن يتم سحب حضانتهما منها. في أبريل/نيسان الماضي، أثار سحب شرطة مدينة بريمرهافن الألمانية لطفل عنوة من عائلته المسلمة، بالتعاون مع “مكتب رعاية الشباب” الـ”Jugendamt”، العديد من الانتقادات ومخاوف للعائلات المهاجرة. كما تثير دائرة الخدمات الاجتماعية “السويسال” في السويد ضجة كبيرة في تلك الإشكالية.
تخطط الآن نعمة وزوجها في توسعة تجارتهما في مصر، تقول بثقة: “قادرون على صناعة شيء جديد في مصر، مثلما فعلناها في ألمانيا”.
لكن مخاوف الطبيب “عبدالله” ذهبت أبعد من ذلك. يقول إن “المزاج العام والمناخ السياسي في ألمانيا خاصة بعد اندلاع حرب غزة الجارية الآن وما ينتظرنا كمهاجرين مسلمين، لم يعد مشجعا على البقاء هنا”. وقال الطيب السوري-الألماني: “أريد لأطفالي أن يعيشوا في مناخ إسلامي آمن.”
وتعلق نائبة مدير مركز “لايبيز” للشرق الحديث “سونيا حجازي” بأن “البيئة السياسية في ألمانيا قد تكون مثيرة لقلق الجاليات العربية المسلمة في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل”.
وأضافت “على الرغم من أن الحكومة الألمانية تقول إنها بحاجة ماسة إلى هذه الطبقات من المهاجرين المتعلمين، لم يتم فعل أي شيء على مستوى الولايات لمنحهم رؤية إيجابية في الأماكن العامة – بل على عكس ذلك، كان العديد من الأشخاص من أصل عربي هنا في ألمانيا مستائين من الدعوة العامة التي وجهها الرئيس فرانك فالتر شتاينماير في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لإبعاد أنفسهم بوضوح عن معاداة السامية وجماعة حماس المتشددة”.
حزب البديل من أجل ألمانيا يجتمع لبحث طرد ملايين المهاجرين
وأشارت أيضا إلى أن الأحزاب اليمينية في أوروبا تفوز بالمزيد والمزيد من الانتخابات وتزداد قوة، وهو ما يترتب عليه زيادة المواقف المعادية للأجانب وكراهية الإسلام والعرب، ويمكن أن يشمل هذا أيضًا المسيحيين العرب”. وقالت: “قد لا يشعر الناس بالراحة بعد الآن حتى في التحدث باللغة العربية بالشوارع”.