أخبار القارة الأوروبية – السويد
رغم ازياد أعداد المصابين بفيروس كورونا ومتحوره “أوميكرون” في السويد، وظهور أعراض الإصابة بالألتهاب المتعدد بين الأطفال إلا أن السلطات لا تستعجل اللجوء لخيار الإغلاق الشامل حتى الآن.
السلطات السويدية تقف على مسافة واضحة من الإجراءات الشديدة والقسرية التي يتخذها بعض الدول الأوروبية ومنها الدول الإسكندنافية التي تجاور السويد.
خلال الأسبوع الماضي شهدت الإصابات بالفيروس الأصلي ومتحوره الجديد زيادة مطردة، حيث قاربت الـ 600 إصابة جديدة لكل مليون شخص، وبهذا يكون معدل الإصابات في البلد قد تجاوز ما هو متوافر في عديد من الدول الغربية.
لكن السويد ليست في عجلة من أمرها، حيث لا يبدو أن السلطات في نيتها فرض غلق شامل أو اللجوء إلى الإجراءات القسرية لدى الدول الأخرى.
مقاطعة سويدية تتخذ قرارا بــ”الإغلاق الشخصي”
ومع ظهور حالات من متلازمة الالتهاب المتعددة في مقاطعة أوبسالا اتخذت السلطات بالمحلية بالمقاطعة قرارا بما يسمى “الغلق الشخصي” وهو إجراء لا توجد به عقوبات على المخالفين، ويعد أقصى ما وصلت إليه السويد أمام انتشار عدوى كورونا ومتحور “أوميكرون”.
وطلبت السلطات من المواطنين التصرف كأنهم في حالة إغلاق، لكن بقي أمر التصرف مسألة شخصية.
قرار مقاطعة أوبسالا والتي توجد بها أهم جامعتين في السويد وهما جامعة أوبسالا والجامعة السويدية للعلوم الزراعية أثار موجة من التعليقات في الصحف وخشية من مستقبل قد تضطر السلطات فيه إلى فرض غلق بالقوة.
ويتفق المسؤولون والصحافة على أن الإجراء الذي اتخذته مقاطعة أوبسالا إجراء استثنائي لم تتجرأ على إعلانه أي مقاطعة سويدية أخرى وأن الحكومة ذاتها لم تفكر فيه حتى الآن.
لكن في الوقت نفسه شددت السلطات من إجراءاتها واضطرت إلى فرض ارتداء الكمامات خصوصا في وسائل النقل العام للمسافات الطويلة، إلا أن مسألة الغلق العام وفرض شروط قسرية قاسية غير وارد على الأقل حتى كتابة هذه السطور مع مقدم أعياد الميلاد ورأس السنة حيث تكثر التجمعات الكبيرة.
فرض “الغلق الشخصي” في أوبسالا يعتمد بشكل رئيسي على تصرف الفرد ووعيه، يشكل سابقة في تاريخ الجائحة في السويد لأنه يمثل أقصى ما ذهبت إليه سلطات محلية في تطبيق إجراءات الغلق.
لكن المقاطعة فتحت الباب على مصراعيه كي تحذو محافظات ومناطق أخرى في السويد حذوها، حيث يبدو أن “الغلق الشخصي” الذي أعلنته بدأ يأتي أكله.
وتشير تقارير صحفية إلى أن المواطنين في “أوبسالا” أخذوا يرتدون الأقنعة في الأماكن العامة ويتجنبون التجمعات حتى على مستوى العائلات والأقارب دون أن تنزل الشرطة أو العساكر في الشوارع لفرض الغلق وغرامات على المخالفين.
متلازمة “الألتهاب المتعدد”
يأتي هذا في وقت يعاني فيه الأطفال بالسويد من ما يسمى بمتلازمة “الالتهاب المتعدد” حيث كشفت تقارير صحافية خلال اليومين الماضيين، أن أكثر من 300 طفل في البلاد عانوا مؤخرا من متلازمة “الالتهاب المتعدد” بعد إصابتهم بفيروس كورونا، مشيرة إلى أن المتلازمة خطيرة وقد تؤدي إلى ألتهاب عضلة القلب في بعض الأحيان.
ونقل راديو السويد عن الطبيبة “ليلمور بيرنتسون” في مشفى “أكاديمسكا” قولها: “عادة ما يصاب الأطفال بأعراض زكام عادية حين إصابتهم بكورونا، ثم تبدأ عندهم لاحقا أعراض التهابات حادة… ومن غير المعروف بعد لماذا يحدث ذلك”، و أضافت “استقبلنا حوالي 20 طفلا من هذا النوع في مدينة أوبسالا، نصفهم تقريبا حتاجوا إلى العناية المركزة”.
وتقول التقارير إن متلازمة “الألتهابات المتعددة” والتي تعرف اختصارا بـ ( MIS ) هو اسم مرض جديد يصيب عددا قليلا من الأطفال بعد تعرضهم لعدوى فيروس كورونا.
طبيب الأطفال “يوناس لودفيغسون” في مستشفى جامعة “أوريبرو” والأستاذ في معهد كارولينسكا قال إن المرض يمكن أن يكون خطيرا، مضيفا أن الأطفال الذين يصابون بالمرض أكبر قليلاً من أولئك الذين يصابون بــ”كاواساكي”، حيث يصيب MIS الأطفال في بين الرابعة والخامسة غالباً، ويؤثر على القلب في كثير من الأحيان”.
وكانت التقارير الأولى عن المرض جاءت من إنكلترا في نيسان/أبريل العام 2020، وأفادت بأن الأطفال عانوا أعراضا التهابية حادة مرتبطة بإصابتهم بكورونا.
السويد مترددة بشأن الإغلاق
رغم الخشية الظاهرة من تفشي الفيروس خصوصا المتحور الجديد أوميكرون، فإن السويد لا تزل مترددة في التخلي عن سياساتها لا بل الثقافة السياسية السائدة التي تتمحور حول عدم التدخل بصورة قسرية أو من خلال فرض قوانين ملزمة في أسلوب الحياة الشخصية.
ما تستند إليه السلطات ينبع من تقليد دستوري يمنح الأفراد هامشا كبيرا من الحرية الشخصية في اتخاذ القرار المناسب وكذلك يعتمد عموما على وعي المواطنين الذين يضعون ثقة كبيرة في السلطات وإجراءاتها ونصائحها وإرشاداتها.
الوضع في مقاطعة أوبسالا كان داعما لموقف معارضي سياسة اللين برهانا ساطعا الذين اعتبرا قرار اوبسالا دليلا على فشل “أندش تكنيل” عالم الدولة للأوبئة وسياساته حول الحد من تفشي الجائحة وحثوا السلطات على الانقلاب عليه وعلى مواقفه والسير في نهج الدول الغربية الأخرى خصوصا الإسكندنافية التي فيها الإصابات والوفيات أقل بكثير مما لدى السويد.
” تكنيل” من جهته أصر على موقفه في عناد واضح على نجاعة سياساته، فبينما أشاد بالإجراءات التي اتخذتها مقاطعة أوبسالا وقرارها حول “الغلق الشخصي”، لكنه قال: إنه “لا يرى اختلافا كبيرا بين ما اتخذته المقاطعة من إجراءات والرسالة الرئيسة التي أراد إيصالها ومفادها أن ممارسة التباعد الاجتماعي وليس فرض إجراءات قسرية هي الطريق السليم لتقليل الإصابات وتفادي أخطار الجائحة”.