أزمة الطاقة.. ارتفاع الأسعار يدفع أوروبا للبحث عن البدائل

أخبار القارة الأوروبية – اقتصاد

تتفاقم أزمة ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا أسباب عدة لكنها أثرت في النهاية على المواطن العادي والمستهلك النهائي الذي وجد نفسه يعاني من زيادة أسعار الكهرباء قبل حلول فصل الشتاء، ما دفع الدول الأوروبية للتحرك بحثا عن حلول دائمة للأزمة على رأسها الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة المتجددة.

وارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 4ر17 % على أساس سنوي في سبتمبر، وفقا لتقديرات يوروستات، ويخشى الكثيرون من أن التغييرات يمكن أن تدفع الأسر الأكثر عرضة للخطر إلى فقر في الطاقة في أشهر الشتاء المقبلة، مما قد يؤثر سلبا على أهداف المناخ التي وضعها الاتحاد الأوروبي، ويطلق ردود أفعال عنيفة تعرقل تحقيق هذه الأهداف.

ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى في أوروبا أدى إلى زيادة حادة فى أسعار الكهرباء، إذ قفزت في جميع أنحاء أوروبا من 50 يورو إلى 150 يورو لكل ميجاوات / ساعة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق تصله أسعار الكهرباء في أوروبا.

مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات” كشف الأسبوع الماضي عن أن معدل التضخم السنوي في الـ19 دولة التي تستخدم اليورو ارتفع إلى 4ر3 % في سبتمبر، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الزيادة في أسعار الطاقة، وكانت آخر مرة ارتفع التضخم فيها بهذا المعدل في سبتمبر 2008.

في السياق نفسه دعت إسبانيا وفرنسا واليونان الإثنين إلى تحرك جماعي على مستوى الاتحاد الأوروبي  لمواجهة الارتفاع السريع لأسعار الطاقة، مشددة على ضرورة جعل المواطنين مستعدين للانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، فيما شددت وزيرة المالية الإسبانية  نادية كالفينيو على ضرورة التنسيق الأوروبي في هذا السياق.

وزراء مالية منطقة اليورو بدورهم بحثوا الأزمة خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ يوم الاثنين كيفية معالجة الأزمة خاصة على المستوى المحلي، في وقت تعتزم فيه فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا التخفيف عن الأسر التي تحتاج للرعاية – وناقشوا ما إذا كانوا سيتخذون إجراءات مشتركة.

الاتحاد الاوروبي يدخل على الخط   

وشدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي ووزراءه على أن الارتفاع مؤقت، لكن المسألة مرتبطة بالمناقشات الحساسة حول الاعتماد على الطاقة من روسيا وكيفية المضي قدما في التحول إلى الطاقة المتجددة.

وتريد الحكومة الإسبانية إقامة احتياطي غاز مشترك للاتحاد الأوروبي وهو أمر يقول الخبراء إنه سيخفف الضغط، كما ترغب في اتخاذ موقف أكثر حزما بشأن موردي الغاز الدوليين المشتبه في قيامهم بالمضاربات .

من جهته تحدث وزير الطاقة في لوكسمبورج كلود تورميس، قبل الاجتماع، عن ضرورة القضاء على  ما وصفه بسلوك المضاربة المتطرف لبعض التجار، مضيفا أن روسيا لا تحتاج إلى نورد ستريم 2 لتوصيل المزيد من الغاز إلى أوروبا.

وتأتي هذه التصريحات وسط اتهامات لشركة جازبروم الروسية بشحن المزيد من الغاز الطبيعي المستخدم في التدفئة وإنتاج الكهرباء أكثر مما تقوم به حاليا، سعيا لزيادة ارتفاع الأسعار ، أو حتى حشد الضغط لجعل خط أنابيب نورد ستريم 2 الجديد يعمل بكامل طاقته.

ونورد ستريم 2 هو مشروع أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من بحر البلطيق من أكبر خزان لاحتياطيات الغاز في العالم في روسيا، إلى ألمانيا وعدد من لدول الأوروبية. ويبلغ طول الأنبوب الجديد حوالي 1.230 كيلومترًا ويمر في خط قريب إلى حد كبير بالتوازي مع أول خط أنابيب “نورد ستريم الأول”، الذي ينقل بنجاح حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا منذ عام 2012. وسيوفر الأنبوب الجديد نفس الكمية، وهو ما يكفي لتزويد 26 مليون أسرة بالغاز. وينظر عادة إلى الغاز الطبيعي على أنه رفيق بالبيئة والمناخ.

أما فرنسا فقال وزير المالية، برونو لو مير، إن المزيد من الاستثمارات فى الطاقة النووية المثيرة للجدل للغاية مع الدول الاعضاء بما فيها ألمانيا ستساعد في ذلك.

المفوضية الأوروبية من جانبها تعمل على نشر دليل للدول الأعضاء لمعالجة المشكلة، ومن المتوقع أن ينشر هذا الدليل في الأسابيع المقبلة،  ومن المقرر أن يناقش قادة الاتحاد الأوروبي هذا الأمر في قمة تعقد في 21 و22 اكتوبر الجاري.

 ويرى البنك المركزي الأوروبي أن ارتفاع التضخم هو نتيجة مؤقتة للعودة إلى النمو الاقتصادي القوي، من بين أمور أخرى، مع مرور أسوأ حالات جائحة كورونا، ويتوقع أن ينخفض المعدل في الوقت المناسب.

هذا و تبرز الطاقة النووية الآن كخيار مساعد أخضر للطاقات المتجددة في أوروبا وللمساعدة في تقليص الاعتماد على الإمدادات الأجنبية من الغاز الطبيعي، حيث انطلقت دعوات سياسية في بريطانيا للتحول للطاقة النووية لضمان أمن الطاقة، لكن الغاز له أهمية قصوى في إنتاج الكهرباء والاستغناء عنه لن يكون سهلًا.

كما طالبت فرنسا بأن تكون أوروبا أقل اعتمادا على واردات الغاز، خاصة وأن فرنسا تجمع في الاستخدام بين الطاقة الذرية والطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء وهذا يجعلها أقل اعتمادا على واردات الغاز.

أصل الأزمة يعود إلى الصين التي تعد أكبر منتج للمواد الصلبة في العالم وتنتج الألمونيوم الذي يحتاج طاقة كهربائية كبيرة، وعادة، تزود الصين العالم بـ60% من طلبه على الألومنيوم، وفى ظل تقليص إنتاجه لاعتبارات بيئية استمرار الطلب العالمى فى النمو، ارتفعت أسعاره، وأجبر نقص الفحم المحلى فى الصين على تحول الدولة إلى الاستيراد.

ومع ذلك، واجه إنتاج الفحم فى أماكن أخرى أيضاً مشكلات مثل الأمطار الغزيرة ونقص العمالة فى إندونيسيا، وتعطل السكك الحديدية فى روسيا والاضطرابات فى جنوب أفريقيا، وفى ظل تقلص المعروض فى سوق الفحم المنقول بحراً، ارتفعت أسعار الفحم العالمية، وأدت نفس العوامل إلى زيادة طلب الصين على الغاز الطبيعى المسال، ولكن هنا لم تكن الصين وحدها إذ أدى الجفاف الشديد فى البرازيل أيضاً إلى تقليص إنتاجها من الطاقة الكهرومائية، ما أدى إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعى المسال.

وفى حال حدوث عدد من حالات انقطاع الإنتاج فى محطات التسييل، فإن سوق الغاز الطبيعى المسال العالمى قد ضاق معروضه بشدة فى الأشهر القليلة الماضية، وعادة ما تكون أوروبا السوق النهائى لحصة كبيرة من الغاز الطبيعى المسال فى العالم، ومع ذلك، فقد أدت المنافسة على السلعة إلى انخفاض واردات الغاز الطبيعى المسال الأوروبية بشكل حاد هذا الصيف، وفى الوقت نفسه، أدى انخفاض سرعة الرياح إلى إحباط توليد الطاقة من الرياح البحرية، ما أدى إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعى.

كما ساهم تقييد إمدادات الغاز من روسيا ومناطق أخرى، في منع أوروبا من بناء مخزونات الغاز كما تفعل عادة فى الصيف، وتعد مخزونات الغاز فى القارة الآن منخفضة بشكل غير عادى لهذا الوقت من العام، ولم يبدأ الشتاء بعد، ونظراً إلى أن أسعار الغاز الطبيعى تحدد أسعار الكهرباء إلى حد كبير، فقد ارتفعت أسعار الأخيرة أيضاً.

أوروبا باتت بحاجة إلى وضع سياسة تنظم استخدامها للطاقة وتقلل الوارد منها عبر الاعتماد على الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة لكن حتى الوصول لهذه النتائج تبقى أزم الطاقة تؤرق الحكومات الأوروبية وتدفعها نحو البحث عن حلول سريعة تجنبا لغضب شعبي قد يغير كثيرا من مسارات السياسة في القارة العجوز فمعظم النار من مستصغر الشرر.

Exit mobile version