مستقبل حلف الناتو بعد الدعوات لتشكيل جيش أوروبي

أخبار القارة الأوروبية

تتصاعد الدعوات لتشكيل جيش أوروبي بعيدا عن حلف الناتو، وذلك بعد أحداث عدة أدت لزعزعة الثقة في قدرة الولايات المتحدة ومعه الناتو على حماية حليفها الأوروبي.

آخر من دعا لتشكيل هذا الجيش هو  رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الذي طالب بتكوين قوة عسكرية أوروبية خارج إطار حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وذلك في مؤتمر صحفي عقده في سلوفينيا، إثر اختتام القمة الأوروبية، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي لتعزيز قوة الناتو وقوة الجيش المفترض ولن يكون سببا في إضعاف الحلف.

وتابع: “ذلك لأن هذه القوة لم تولد لإشباع احتياجات غير مجدية، بل لأن هناك حاجة لفعل المزيد، بل أكثر من ذلك”.

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ كان قد قال في وقت سابق إن إنشاء جيش من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يضعف التحالف ويتسبب في تقسيم أوروبا، مشددا على ضرورة الحفاظ على الصلة بين أمريكا الشمالية وأوروبا، كما أشار إلى عدم امتلاك الغرب الموارد الكافية لهذا الجيش الموحد.

وفي شهر أيار / مايو الماضي، أعلن مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي أن 14 دولة أوروبية تتقدمها فرنسا وألمانيا تقدمت باقتراح لإنشاء قوة عسكرية للتدخل السريع بغرض نشرها بشكل مبكر في الأزمات الدولية.

كما دعا رئيسا حكومتي المجر وتشيكيا إلى إنشاء جيش أوروبي مشترك، وذلك خلال لقاء عقداه في وارسو مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ونظيريهما البولندي والسلوفاكي.

وقال رئيس الحكومة المجرية فيكتور اوربان “علينا ان نعطي الأولوية للأمن والبدء ببناء جيش أوروبي مشترك”.

 أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فبدت موافقة على هذا الطرح إلا أنها اكتفت بالتعليق بشكل عام قائلة “إن الأمن مشكلة أساسية وعلينا أن نقوم معا بالمزيد في مجالي الأمن والدفاع”. يأتي هذا فيما شدد رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلنطي (الناتو)، الأدميرال روب باور، على أن الناتو عازم على الدفاع عن أراضي الحلفاء وسكانها وقيمهم وتأمين منطقة شمال الأطلنطي وفجوة GIUK-NOR والتحكم فيها وحركة الأفراد والمعدات بين أمريكا الشمالية وأوروبا وتعزيز حلف الناتو كإطار تنظيمي للدفاع الجماعي عن المنطقة الأوروبية الأطلنطية ضد جميع التهديدات.

وفجوة GIUK-NOR هو اختصار لنقاط الاختناق البحرية في شمال المحيط الأطلنطي بين كتل اليابسة في جرينلاند وآيسلندا والمملكة المتحدة والنرويج.

كما أكد باور على  أهمية تأمين خطوط الاتصال الاستراتيجية لحلف الناتو في البر والبحر والفضاء والجو وتأمينها في جميع أنحاء المنطقة.

باور أشار  إلى أن مسؤولية الناتو تمتد من البنية التحتية البرية إلى قاع البحر والمجال الجوي وحتى الفضاء حيث أنها مجالات متشابكة ومترابطة بشكل كبير.

حلف الأطلسي ورغم أنه ما زال يتمتع بقوة كبيرة إلا أن الناتو الذي أنشئ منذ أكثر من 72 عاما يمر بفترة صعبة لا سيما بعد الأزمة التي نشبت بين باريس وواشنطن، بسبب إلغاء صفقة غواصات فرنسية إلى أستراليا، ما زاد من التساؤل حول مستقبل الحلف وقدرته على الصمود، مع انتهاء السبب الذي تم إنشاؤه من أجله وهو مواجهة القوة الروسية وحلفائها باعتبارها التهديد الأكبر للغرب.

فقد شهد العام 1991 انتهاء حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفيتي ليغيب وجود أي تهديد قوي ومباشر يحافظ على التعبئة في الغرب الذي بات لديه اعتقاد انه حقق انتصاراً نهائياً ولم تعد ثمة حاجة إلى حلف يتطلب نفقات ضخمة في كل عام (بلغت ميزانيته 892 مليار دولار في عام 2020).

مع استمرار هذه الأوضاع تصاعدت الخلافات بين أعضاء الحلف، وخاصةً بين الولايات المتحدة ودول أوروبية، إلا أن معظم الخلافات، اقتصرت كلها على معارك لفظية كانت في الأغلب من جانب واحد كما في حالة الخلاف الفرنسي الأميركي الذي أوقف في مهده، وإن بقيت أزمة عدم الثقة المرتبطة به، وهذه هي الأزمة الأكثر أهميةً التي تواجه الحلف الآن، بفعل ازدياد التباعد في المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.

الخلافات الحديثة والمتمثلة في أزمة الغواصات بين فرنسا من جهة وبريطانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى إضافة إلى انفراد واشنطن بترتيب عملية الانسحاب من أفغانستان ، أدت إلى عودة المطالبات بإنشاء جيش أوروبي موحد وهو ما سيكون على رأس  جدول أعمال الاتحاد عندما تتولى فرنسا رئاستَه في مطلع يناير المقبل، لأنها أكثر الدول الأوروبية حماساً له.

وتسعى دول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي إلى إنعاش الاتحاد وإظهاره أكثر تماسكا، بتعزيز التعاون في مجال سياسات الأمن والاستخبارات والدفاع، لمواجهة تحديات باتت غير تقليدية عبر الجبهة الشرقية الى جانب تهديدات المقاتلين الاجانب من الداخل وموجات اللاجئين.

المشهد الحالي يوضح أن الدول الأوروبية لم تعد تريد الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة في حمايتها وتحتاج إلى تشكيل قوة عسكرية تدافع عن مصالحها، بعد أن زاد عدد اللاعبين الدوليين على الساحة العالمية، لكن ذلك سيكون على حساب حلف الناتو الذي ينتمي معظم أعضائه لأوروبا وبالتالي فإننا قد نشهد غياب شمس حلف الناتو شيئا فشيئا لحساب هذا الجيش الأوروبي الذي تتصاعد المطالبات بتكوينه.

Exit mobile version