فيديوهات.. لاجئ سوري يروي تفاصيل رحلته إلى اليونان

أخبار القارة الأوروبية – خاص 

الكثير من القصص المأساوية حصلت للاجئين حاولوا أن يحققوا “حلمهم” في الوصول إلى أوروبا بعدما عانوا من ولايات الحروب.

من بين هذه القصص التي انتهت بشكل مأساوي، تلك التي حصلت مع “عمار الزايد” وهو إعلامي سوري معارض للنظام السوري انتقل من درعا بعد سيطرة النظام على المحافظة عام 2018 ليتنقل بعدها إلى شمال سوريا وثم إلى تركيا وهنا تبدأ القصة .

يقول “الزايد” في شهادته لموقع “أخبار القارة الأوروبية ” :بعد صراع مع الذات واختلاف المكان والزمان وعدم قدرتي على التأقلم مع الحياة في تركيا، نتيجة لمصاعب الحياة والتضييق علينا كسوريين وعدم القدرة على تحقيق اي من الإستقرار او العمل، كان القرار الصعب بالانتقال إلى اليونان بطريقة غير شرعية .

يضيف “الزايد” في روايته أنه وصل برفقة مجموعة من الاصدقاء الى الحدود التركية-اليونانية “بعد تجهيز حقيبة خاصة للرحلة ودفع ١٠٠ يورو ثمن الرحلة من اسطنبول مع تقطيع نهر “ايفروس”، لتبدأ رحلة العذاب بعد تقسيم الأشخاص الى مجموعات والتوجه بهم الى أطراف نهر ايفروس الفاصل بين تركيا -اليونان كان الظلام قد حل وبدأ الأدرينالين يتدفق في اجسادنا احساسا باللحظات الحاسمة التي قد تغير مصيرنا ومستقبلنا”.

بداية الوصول للأراضي اليونانية

يوضح محدثنا في شهادته أن عملية التهريب بدأت من ضفة النهر بكل هدوء وحذر ، حيث وصلت مجموعتي الى الضفة الأخرى في الجانب اليوناني لتبدأ المعاناة، إذ استقبلت عدة نقاط تم تحديدها داخل خرائط جوجل من مجموعة تسمى “حقيبة مسافر” تنشط على قناة “تليغرام”

وذكر بأن الهاتف يعمل على الإنترنت خارج تركيا بعد تحويل شريحة الجوال للخدمة الدولية، لكن مشكلة حدثت في استقبال الشبكة، مما استدعى أحد الأصدقاء للتدخل والمساعدة في قيادة القروب إلى داخل الأراضي اليونانية. حيث بدأ التحرك بحذر شديد وصمت مطبق بين الأشجار والاشواك والأعشاب الطويلة وصولا إلى نقطة حساسة بعد مئات الأمتار والمتمثلة بالطريق العسكري لمراقبة الحدود في اليونان، قطعنا بسرعة كبيرة وتوجهنا إلى نقاط جديدة تم تحديدها مسبقا مرورا بحقول عباد الشمس و الذرة وغابات شوكية كثيفة أدت إلى إعاقة تقدمنا لساعات حتى وصولنا إلى مقربة من النقطة الأصعب والأهم وهي منطقة”الاوتبان” أي الطريق السريع. هنا طلبت أنا وصديقي من القروب التمهل قليلا وأخذ استراحة سريعة وبعدها نقطع “الاوتبان”، لكن ماهي إلا دقائق حتى وصل قروب يشق طريقه بين أغصان عباد الشمس وهنا سمعنا صوت غريب وبدأت أضواء بيضاء تظهر بين الأشجار وعلت الأصوات بلغة لم نعتد على سماعها.

 تجمدت أنا ومن معي دون حراك كان عناصر الكومندس اليوناني مختبئين للقبض على جموع المهاجرين، وبدأت الأصوات تعلو وبدأ صوت الصراخ والضرب الناتج عن ضرب المهاجرين وبدأ العناصر بطلب الجوالات والمال من المهاجرين وخلع الحقائب والملابس والأحذية مع أصوات الضرب التي طغت على الموقف.

يقول الزايد إن مجموعته جسلت دون حراك لحوالي ساعتين حتى تيقن الجميع من مغادرة الكمين في تلك المنطقة بعد عمليات نقل المهاجرين بسيارات تابعة للقوات اليونانية، بعدها جاءت اللحظة الحاسمة حان الوقت لتقطيع “الاوتبان” وهو النقطة الأصعب بعد النهر والخط العسكري القريب، بدأت المجموعة بالتحرك بشكل منظم ودون أي أصوات ازحنا بعض الشجيرات على تلة صغيرة لنتفاجئ بشاب سوري مختبئ بين الأشجار والشوك وقد بدأ عليه الخوف والشجاعة بعد رؤيتنا، وقال بأنه الناجي الوحيد من قروبات المهاجرين التي ألقي القبض عليهم وتم تعذيبهم وسلبهم كل شي.

يستذكر “الزايد” ما حصل بالقول: بدأ صديقي من دير الزور إزاحة بعض الأغصان والاستماع إلى الأصوات المحيطة بعد مرور سيارات على “الاوتبان” وفي هذه اللحظة الحاسمة بدأنا الركض بسرعة محملين بحقائب تزن حوالي 20 كيلو غرام قفز القروب العارضات الحديدية التي تفصل أطراف الاوتبان ذهابا وايابا وتوجهنا إلى جبل صخري مقابل للاوتبان بعد محاولات بالصعود إلى قمة الجبل صاح أحد أعضاء القروب بأنه الجبل الخاطئ وعلينا تغير الوجهة فورا للهروب قبل عودة سيارات الكومندس اليوناني التي تتفقد الكمائن ذهابا وعودة، بقي ساعة ونصف لبزوغ الفجر وبذلك نصبح مكشوفين تحت الضوء تفقدنا نقاط GPS وجاءت تعليمات بالتوجه إلى عمق الجبل نحو مناطق وعرة لا أحد يستطيع اللحاق بنا ولنخيم بتلك المنطقة بعد انتهاء أول يوم من المغامرة.

على عجل وتعب، يضيف الزايد،  تناول القروب بضع تمرات والقليل من الماء والخبز وتمددنا داخل كيس النوم الخاص وكأنه إعلان انتهاء المرحلة الأولى والأصعب على حد قول من خاضوا التجربة قبلنا. انتظرنا حتى غروب شمس اليوم الثاني، ثم تحركنا باتجاه مناطق جبلية وعرة مليئة بالاشواك والوديان الصخرية تحت ضوء القمر، ثم تقدم القروب إلى داخل الغابات في محاولة لشق، في موقف لم يخطر يوم في بالي أنني سأخوضه.

وتابع قائلا: بعد عدة ساعات من اختراق الغابات الكثيفة وتحت ضوء القمر، صعدنا إلى أعلى الجبل واذا بضوء أبيض ساطع من عربة عسكرية يسلط باتجاهنا هنا حل الصمت وارتفع الأدرينالين من جديد بدأنا بالتحرك فورا للهروب من الضوء والاختباء خلف الأشجار لتفادي أي محاولة للقبض علينا بعد ما مر بنا من تعب  تخلصنا من الكمين القريب بعد تغيير المكان بسرعة كبيرة.

الزايد أردف:  نتيجة التعب والإرهاق والخوف والضغط النفسي كنا قد استهلكنا مخزون الماء لدينا تقريبا وبدأ أعضاء القروب بالحديث عن ضرورة إيجاد نقطة التزود بالماء لأنه المكون الأساسي لاستمرار المغامرة، تكلمنا مع أعضاء حقيبة مسافر مجموعة تنشط على تطبيق تيلغرام تم تزويدنا بأقرب نقطة التزود بالماء وكانت تبعد حوالي ٤كيلومتر مربع وأكثر لأنه تم قياس المسافة عن طريق الخرائط ويختلف الأمر في الحقيقة لأن نقطة الماء تقع بعد جبل كبير علينا اجتيازه بأقصى سرعة ممكنة للتزود بالماء شحذنا الهمم وقلنا لابد من الوصول للماء، بعد ساعات تمكن القروب من الوصول للماء بصعوبة شديدة كان الموقف والفرح لا يوصف بالعثور على الماء بعد ساعات من فقدان المخزون الخاص بنا، وتمضي الأيام بنا ويتكرر الروتين اليومي في هذه الرحلة قلة الماء الغابات الاشواك وعورة المنطقة عشرات الكيلومترات تقطع يوميا الخوف من القبض علينا ، والعثور على مجموعات كبيرة من المهاجرين باختلاف بلدانهم الأفغان، السنغال، المغرب، إيران وغيرهم وغالبيتهم لا يتحدثون اللغة العربية ويسيرون بإعداد كبيرة.

يضيف: الوضع استمر على ماهو عليه لمدة ٨ ايام من المسير بين الجبال والأشجار والوديان بدأ ناقوس الخطر يدق بسبب قلة الطعام المتبقي و الشحن في بورات الطاقة لم يتبق منه إلا القليل، عمل القروب على الإقتصاد في الطعام والدواء وحتى الماء، حيث كان لزاما علينا التوجه إلى أقرب نقطة آمنة من القرى القريبة للتزود بالطعام وشحن بورات الطاقة والهواتف التي هي عماد الرحلة لتوجيه القروب إلى النقاط وتفقد الخرائط ونقاط المسير.

يروي “الزايد” في حديثه أن صديقه بدأ يبحث عن القرية القريبة الآمنة وكانت تبعد حوالي عشرين كيلومترا بين الجبال السهول. قبل أن تحل عاصفة في اليوم التاسع من المسير كنا ننام بين أشجار كثيفة بدأت الغيوم السوداء تتجمع فوقنا وأصوات الرعد تسمع بقوة والبرق يضرب بين الغيوم منذرا بامطار وشيكة، ما لبثت أن انهمرت واستمرت منذ الصباح الباكر حتى المساء حيث يصبح الجو باردا. عند الغروب حزمنا الأمتعة قررنا السير بالغابة رغم الانزلاقات جراء المطر والطين، اكملنا المسير بين الحقول وصولا إلى نقطة حساسة هي تقاطع طرق تشير نقاط الخرائط وGPS إلى أنها الوجهة التي سنكمل منها طريقنا إلى نقاط أخرى تم تحديدها مسبقا وصولا إلى القرية الآمنة.

التسلل

بعد كل هذا التعب والإرهاق، تقدمت القروب وتسللت بكل حذر لمعاينة المكان تحسبا لوجود كمين، وماهي إلا لحظات حتى سمعت صوت إطلاق نار قريب جدا وصراخ عالي لم أدرك ماذا جرى ثم أدركت أنني وقعت في كمين الكومندس اليوناني صرخ أحد الجنود توقف استلقي على الأرض لاتتحرك كل تلك الكلمات باللغة الإنجليزية، هنا نفذت ماطلب مني وقلت له لاتطلق النار سيدي …… قلت للجندي أنا من سوريا هنالك حرب في بلدي عملت في الصحافة والإعلام غضب وقال لي اخرس وشتمني وبدأ يضرب بموخرة السلاح على كتفي وقام بركلي عدة مرات وطلب مني عدم الحركة.

يقول “الزايد” :ضننت بأنه أن علم بأنني صحفي سيحسن معاملتي لكن لم يشفع ذلك لي وقمت بالتقاط أنفاسي وماهي، إلادقائق حتى ألقي القبض على عدد من القروب وفر البعض بدأت علامات الخوف على الجميع بدأ أحد الجنود بالتكلم، من منكم يتحدث الإنجليزية، قلت له أنا اعرف قليلا طلب مني إخبار الجميع باتباع التعليمات حيث طلب من كل شخص على حدا التخلص من حقيبة النوم والحقيبة الأخرى، وبعدها طلبه منا إخراج كافة الاشياء التي في جيوب البنطال من مال وجوالات وأوراق ثبوتية و أي شيء معنا.

وتابع : طلب منا خلع الأحذية والجراب ووضعها في مكان معين أشار إليه، ثم الاستلقاء مجددا لتبدأ عملية التفتيش الشخصي بحذر بحثا عن سلاح أو أدوات حادة وبعدها قال بأن علينا امساك الحقائب والزحف باتجاه أحد العناصر حتى أشار إلينا بالتوقف وترك الحقائب بمكان واحد والرجوع إلى حافة الطريق الزراعي والتوقف دون حراك، بعدها وجه لنا أسئلة من أين أنتم وهل يوجد أفغان؟. وكم كان عددكم؟. وهل يوجد قروبات للمهاجرين غيرنا؟. من هو قائد القروب؟. ماهي وجهتكم قمنا بالرد هناك من يريد الذهاب لألمانيا والنمسا وهنالك من يريد هولندا اختلفت الأجوبة من شخص لآخر .

طلب مني إخبار الجميع بعدم الركض أو الهروب أو فعل أشياء غبية وإلا سيطلق النار كان كلام أحد الجنود، اخبرت اصدقائي بذلك ومن ثم أمرنا بالمسير حافي القدمين من اعالي الجبال لمدة ساعات والاشواك والحجارة تخترق أقدامنا والألم ودون ماء أو طعام حتى وصلنا إلى طريق معبد وماهي إلا لحظات حتى سمعت صوت سيارة توقفت جانبا ونزل رجلان منها أحدهم يحمل عصا وقام بفتح الباب الخلفي للسيارة وأمر الجميع بالصعود إلى السيارة وبدأ بركل والضرب بالعصا حتى تكورنا جميعا داخل زاوية السيارة اغلق الباب وتحركت السيارة لساعات بدأت أجسادنا تقشعر وتنخفض درجة حرارة الجسم بسبب برودة الجو والتعب والألم والجوع والعطش والخوف.

داخل الزنزانة..

يتابع ” الزايد”:  كانت السيارت تتوقف تارة وتكمل تارة حتى وصلنا مركز يتم فيه تجميع المهاجرين وتفتيشهم وسجنهم وسلبهم وضربهم وكان النصيب الأكبر من الضرب والتعذيب والتنكيل للأفغان و الإيرانيين وأصحاب البشرة السمراء. تم ضربنا في المركز وخلعنا جميعا ملابسنا وتم تفتيشنا بشكل دقيق ومن ثم أمرنا بلبس مايستر أجسادنا وتوجهنا إلى ممر ومن ثم إلى زنزانة مساحتها عدة أمتار مكتضة بالمهاجرين غير الشرعيين من جميع الجنسيات وكل من في الزنزانة تعرض للضرب والتنكيل والسلب للمال والجوال، رائحة الزنزانة تشبه المرحاض لحد كبير بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى داخلهاوانتشار الحشرات بشكل كبير دون وجود أي خدمات.

حاولت النوم داخل الزنزانة ولكن رائحة المكان تنخر أنفي تغلب التعب والإرهاق على نفسي نمت لعدة ساعات واذا بأصوات في الممر استيقظت على عجل لأرى ما يحدث جاء أحد الأشخاص وطلب من الزنزانة تجهيز ٥٠ شخص على مجموعتين وخرجت انا وأصدقائي، كانت هناك سيارات لنقلنا إلى مكان آخر مجهول صعدت السيارة على عجل هربا من الضرب بالهروانات تم وضع حوالي 25 إلى 30 شخصا في كل سيارة وتم إغلاق الباب وتحركت السيارات برفقة رجال ملثمين حتى بدأت اتيقن وجهتنا الجديدة منطقة الحدود النهر الفاصل بين تركيا واليونان، توقفت السيارات فتح باب السيارة طلب منا النزول والاصطفاف بشكل مرتب وقام بعد ذلك الرجال الملثمين بضرب عدد من المهاجرين، في الوقت الذي كان قسم آخر بدأ بالتفتيش بشكل دقيق بين الأسنان بين الملابس الداخلية بين كل شيئ بحثا عن المال وشرائح الهاتف المحمول والجوالات.

يواصل الزايد روايته عن رحلة اللجوء قائلا: القوات اليونانية ضبطت العديد من الأموال وشرائح الهاتف المحمول وبعض جوالات ممن حاول المهاجرون إخفائها لكن دون جدوى، تعرض للضرب كل من حاول إخفاء تلك الأشياء، اكتمل التفتيش والسلب وأمر أحد المسؤولين بتجهيز “بلمات” قارب مطاطي لنقل المهاجرين عبر النهر إلى الجانب التركي، طلب منا المشي حفاة مئات الأمتار على الأشواك حتى وصلنا إلى نقطة متاخمة للنهر طلب أحد الجنود إنزال البلم إلى النهر وبدأ بنقل المهاجرين للجانب التركي بعد رصد المنطقة وخلوها من حرس الحدود التركي، وتم نقلنا إلى الجانب التركي على شكل دفعات ومن أماكن مختلفة بسبب كشف حرس الحدود التركي.

يضيف الزايد: وصلت إلى الجانب التركي وهناك طلب منا الجنود الأتراك مغادرة الحدود باتجاه القرية القريبة من الحدود وبدأ المشي بسرعة بين حقول عباد الشمس والطماطم والبطيخ،  توقفت قليلا بحثت عن بطيخ وطماطم تناولت القليل منها بسبب الجوع والعطش وتابعت المشي باتجاه القرية حتى وصلت إلى هناك حيث تم تقديم الطعام والشراب والماء لنا.

ويقول الإعلامي السوري “عمار الزايد” في نهاية حديثه عن رحلة اللجوء الفاشلة : تعرضنا انا والعديد من المهاجرين للضرب والتنكيل والسلب للمال والمعاملة الوحشية القاسية من القوات اليونانية وكان النصيب الأكبر من الضرب والتنكيل ل الأفغان والإيرانييين وأصحاب البشرة السمراء بسبب اختلاف لونهم وبسبب العنصرية تجاههم.

 وبهذا انتهت تجربة “الزايد” وهي واحدة من بين مئات، وربما آلاف القصص المأساوية، حيث انتهى “حلم” الوصول إلى دولة تحترم الانسان وتصون كرامته، في لحظات بعد أيام وربما أسابيع من التعب والإرهاق .

 

مجموعة فيديوهات خلال رحلة اللجوء من تركيا إلى اليونان والتي انتهت بمأساة

 

Exit mobile version