كيف يؤثر اتجاه ألمانيا للتحول إلى الطاقة النظيفة على إمدادات الغاز الروسية

أخبار القارة الأوروبية – ألمانيا

تتجه الدول الأوروبية لخفض اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية والتحول إلى الطاقة النظيفة، وهو ما دفع ألمانيا التي تعتمد على المفاعلات النووية بنسبته 11% من قدرتها على توليد الكهرباء، إلى إغلاق ثلاث مفاعلات من أصل ستة وذلك ضمن تعهدات حكومة ميركل السابقة عام 2011، فيما يتحرك توجه الحكومة الألمانية الحالية نحو الطاقة النظيفة دفعها للبحث عن مصادر صديقة للبيئة.

ائتلاف إشارة المرور يتجه لتوسيع الاعتماد على الطاقة النظيفة

وكانت قضية الطاقة النظيفة قد شغلت مساحة كبيرة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، حيث برزت سياسة الطاقة والانتقال إلى طاقة بديلة نظيفة خالية من الانبعاثات الكربونية، وما يترتب عليه من عواقب “اقتصادية واجتماعية وسياسية” تمس المجتمع الألماني بجميع أطيافه، خلال مخاض تشكيل ما يعرف بائتلاف “إشارة المرور” للحكومة الجديدة.

وكانت أطراف الائتلاف قد خصصت مساحة كبيرة من مباحثاتها حول سياسة الطاقة المستقبلية، وشددت على ضرورة التوسع الطموح في مشاريع الطاقات المتجددة وحماية المناخ، وبرز فيها حزب الخضر الذي يقود حاليا 6 وزارات في الائتلاف الحكومي، منها الخارجية والاقتصاد وحماية المناخ والبيئة وحماية الطبيعة والسلامة النووية، حيث تمكن الخضر في المفاوضات من فرض أجندتهم، وسياساتهم الطموحة التي تعطي الأولوية القصوى لحماية المناخ والوصول الحثيث لطاقة بديلة نظيفة تغطي حاجه ألمانيا من الطاقة بشكل كامل مستقبلا.

الاتفاق كشف عن تعهد الأحزاب الحاكمة بتطوير قانون حماية المناخ، اعتبارا من عام 2022، وتبني مشروع حماية المناخ الفوري الذي دعا إليه حزب الخضر في الحملة الانتخابية الفدرالية، كما استطاع الخضر فرض تخفيض الرسوم الإضافية “بقانون الطاقة المتجددة” لتي تستخدم لتمويل التوسع في مشاريع الطاقات المتجددة، مما يسرع بشكل آلي العمل في هذه المشاريع، كما أنه سيتم تمويل هذه المشاريع بشكل متزايد من خلال الميزانية الفدرالية ابتداء من العام 2022.

تقليل الاعتماد على الفحم

إلى جانب الطاقة النووية تتجه ألمانيا لتقليل الاعتماد على الفحم الحجري في توليد الطاقة حتى التخلص منه تماما في عام 2030، وهو أمر لا يبدو سهلا في ظل كون الفحم الحجري والطاقة النووية التي تشكل 30% من مصادر الطاقة في ألمانيا، مع الإشارة إلى أن النسبة حتى عام 2019 كانت 43%، لكن هذا الانخفاض جاء نتيجة زيادة الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

لكن الاعتماد الكلي على الطاقة النظيفة يتطلب تخلصا تدريجيا من طاقة الفحم (الحجري والبني) المستخدمة بشكل أساسي في ألمانيا لتوليد التيار الكهربائي، ويجب أن يتحقق هذا التخلص بشكل مثالي وكامل بحلول عام 2030، وذلك للوصول إلى توليد 80% من حاجة ألمانيا من التيار الكهربائي (أي حوالي 600 تيرا واط ساعي) من الطاقات المتجددة.

وكانت ألمانيا في عام 2020 أنتجت مصادر الطاقة المتجددة حوالي 246 تيرا واط ساعي فقط من التيار الكهربائي، وهذا يعني أنه يتعين في الـ8 السنوات المقبلة تحقيق ضعف ما تم مقارنة بمجموع السنوات الـ20 الماضية في مجال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة.

مشاريع الطاقة النظيفة تخدم التوجه الأوروبي

مساعي الحكومة الألمانية للتوجه نحو الاعتماد الكلي على الطاقة النظيفة تخدم السياسة البيئية في الاتحاد الأوروبي، وذلك نظرا لتسهيلات التنقل والتجارة بين دول الاتحاد الأوروبي، وقد أكدت الأحزاب الثلاثة المؤلفة على ضرورة توسع مشاريع الطاقات المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر) بشكل كبير، وإزالة جميع العقبات البيروقراطية التي تعترضها، كما تم الاتفاق على إنهاء جميع محركات الاحتراق للآليات بحلول عام 2030، بما يتوافق مع سياسة وخطط الاتحاد الأوروبي المعروفة بـ”برنامج الاتحاد الأوروبي “فِت فور55” (-Programm der EU, Fit for 55) التي ستسمح فقط للمحركات المحايدة (أي خالية من أي انبعاثات كربونية) الكهربائية بالعمل عام 2035.

التأثير على خط الغاز الروسي

السياسة الخارجية الألمانية -كجزء من رئاسة ألمانيا المقبلة لمجموعة السبع- تسعى إلى تأسيس ناد دولي للمناخ عام 2022، وإقامة شراكات مناخية مع الدول النامية والناشئة من خلال تعزيز المعرفة المتبادلة ونقل التكنولوجيا، وتوسيع مشاريع الطاقات المتجددة ذات القيمة المضافة المستقلة والبنية التحتية المستدامة وغيرها من تدابير حماية المناخ في الدول النامية والناشئة.

اقرأ أيضا: بريطانيا.. سياسة متشددة تجاه اللاجئين السوريين وجدل حول الفرار من الخدمة في قوات “بشار الأسد”

ويبقى ملف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 المكتمل -الذي لم يتم تشغيله حتى الآن- أحد أهم التحديات أمام الحكومة الحالية، فقد عارضت وزيرة الخارجية الجديدة “أنالينا بيربوك” مرارا عملية تشغليه بالشكل الحالي، انطلاقا من خطورته على البيئة والمناخ، فضلا عن العوامل الجيوسياسية المهمة على ضوء الصراع الحالي في أوكرانيا.

مصير تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 معلق في المرحلة الحالية؛ إذ إنه وفقا لاتفاق التحالف المشكل للحكومة سيتم الالتزام بقانون الطاقة الأوروبي، وبالتالي تم إيقاف عملية التصريح لتشغيله من قبل الوكالة الفدرالية للتصديق، في حين رأى السياسي الألماني والعضو السابق في حزب الخضر، “جمال قارصللي”، أن إيقاف تنفيذ نورد ستريم 2 يعود لأسباب سياسية بحتة، ولا علاقة له بالبيئة.

قارصللي أضاف أن الموقف من تشغيل خط الغاز سياسي ولا علاقة له بالبيئة؛ حتى لا تضغط روسيا على ألمانيا سياسيا، لا سيما في ظل ما وصفها بسياسة “البلطجة” التي يقودها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أوكرانيا، والعمل على جعل أوروبا تحت رحمة روسيا من خلال اعتمادها على الغاز الروسي، في ظل حاجة أوروبا الكبيرة للطاقة، لذلك فإن تغليف إيقاف المشروع بذرائع بيئية غير دقيق؛ فالغاز يعد صديقا للبيئة إذا ما قورن بالفحم الحجري، وهذا يتسق مع سياسة حزب الخضر الداعي للحفاظ على المناخ والبيئة، علما بأن حزب الخضر -في اعتراضه على تنفيذ خط الغاز- انطلق من أن هذا العقد يتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي.

Exit mobile version