أخبار القارة الأوروبية – تقارير
تصعيد مستمر في الأزمة الأوكرانية، تفاقم مع إعلان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مساء الأثنين الماضي، اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا دونيتسك ولوغانسك.
القرار الذي فاجأ الغرب صاحبه مطالبات بفرض عقوبات شديدة وصارمة على روسيا، فيما رأى البعض ضرورة التأني قبل اتخاذ إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خطات تصعيدية.
خسائر متوقعة من الحرب في أوكرانيا
واشنطن أكدت أكثر من مرة خلال المدة الماضية أن لديها معلومات استخباراتية تفيد بعزم موسكو غزو روسيا، حيث ذهبت بعض تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أن تكلفة النزاع البشرية ستكون كبيرة جدا في ظل احتمال تسببه في مقتل ما بين 25 و50 ألف مدني، وما بين 5 و25 ألف جندي أوكراني، وما بين 3 و10 آلاف جندي روسي، كما يمكن أن يتسبب في تدفق مليون إلى 5 ملايين لاجئ أوكراني بشكل رئيسي إلى بولندا المجاورة.
كما اعتبرت واشنطن أن الاعتراف الروسي عمل غير قانوني ضاعف من تعقيد المسار الدبلوماسي لأزمة أوكرانيا.
تذبذب في موقف الولايات المتحدة
لم تستخدم الإدارة الأميركية وصف “غزو” لتصنيف ما جرى، إذ أكد مسؤول رفيع في إفادة صحفية أن “دخول روسيا لإقليم دونباس في أوكرانيا ليس غزوا جديدا لأن لديها قوات (هناك) منذ عام 2014”.
وتابع أن روسيا كانت لديها قوات في دونباس خلال آخر 8 سنوات، وبالتالي لا عقوبات شاملة جديدة بعد.
من جهتها، طالبت النائبة الجمهورية “ليز تشيني” إدارة “بايدن” وحلفاءها بفرض أقصى العقوبات الممكنة، وقالت في تغريدة لها “لقد غزت روسيا أوكرانيا، يجب على إدارة بايدن وحلفائنا فرض مجموعة كاملة من العقوبات الخانقة الآن”.
أما “ليفين أنتول” الخبير بمركز كوينسي مع فقد أفاد في تغريدة له أنه “حتى الآن، لا يرقى ما قامت به روسيا إلى حد الغزو؛ ولكن يمكن أن يكون بالطبع مقدمة للغزو. ويجب أن يعمل الجميع لمنع ذلك”.
في حين دعا “مايكل” ماكفول السفير الأميركي الأسبق لدى موسكو وأحد أهم المتشددين ضد الرئيس “بوتين”، إلى عدم استخدام عبارات يستخدمها الرئيس الروسي.
وقال في تغريده له “عندما تصف الجنود الروس الذين يغزون أوكرانيا الآن بأنهم (قوات حفظ سلام)، حتى عندما تستخدم علامات الاقتباس، فأنت تستخدم لغة يريد منك بوتين استخدامها، سمها على ما هي عليه (قوات غازية)”.
من جانبه طالب “أيفو هالدر”، السفير الأميركي السابق لدى حلف الناتو ورئيس مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية، بفرض عقوبات على الفور، وقال “هذه الدبابات والجنود تعبر الحدود، نحتاج الآن إلى فرض العقوبات السريعة والحادة الموعودة، وتعزيز وجود حلف شمال الأطلسي في الشرق، وزيادة الدعم لقدرة أوكرانيا العسكرية للدفاع عن نفسها”.
أما السيناتور الجمهوري وعضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ “ليندسي غراهام” فقد اتهم إدارة بايدن بالتخاذل والضعف، وقال “أنا مستعد وراغب وقادر على العمل مع إدارة بايدن لفرض أكبر قدر ممكن من العقوبات الساحقة على الاقتصاد الروسي، والسؤال هو هل لإدارة “بايدن” الإرادة والتصميم للقيام بذلك؟”.
“سيرغي راديكينكو” خبير الشؤون الروسية والأستاذ بجامعة جون هوبكينز، اعتبر أن احتمال غزو روسيا لأوكرانيا لا يزال كبيرا، إلا أنه ليس أمرا لا مفر منه.
“راديكينكو” لفت إلى أنه من الواضح أن الرئيس الروسي “بوتين” يستخدم القوة الغاشمة لانتزاع تنازلات سياسية، سواء بالمعنى العام لعرقلة توسع حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، أو على وجه التحديد فيما يتصل باتفاقيات مينسك التي يأمل أن تبدأ كييف في تنفيذها، وفق تعبيره.
واعتبر “راديكينكو” أن “الخطر الذي يواجه “بوتين” هو أنه كلما طال انتظار تحركه، أصبح أقل مصداقية، ولكن الغزو محفوف بتكاليف سياسية واقتصادية باهظة بالنسبة لروسيا”.
“آناتول ليفين” خبير الشؤون الآسيوية بمعهد كوينسي بواشنطن، قال إن الخطورة الروسية قضت على المسار الدبلوماسي تجاه “عملية مينسك الثانية” لحل النزاع حول دونباس.
وبيّن أنه من الإنصاف الإشارة إلى أن “الحكومة الأوكرانية أوضحت منذ فترة طويلة أنها لا تعتزم تنفيذ أحكام اتفاق مينسك بشأن الحكم الذاتي لدونباس، كما أنه من الانصاف التذكير بأن الغرب قد أوضح أنه لا ينوي الضغط على أوكرانيا للقيام بذلك”.
انفصلت هذه المناطق من دونباس عن أوكرانيا بدعم روسي منذ عام 2014، ولا يزال القتال المتقطع مستمرا منذ ذلك الحين، ونتج عنه مقتل 14 ألف شخص من مختلف الأطراف، وقد تم بالفعل فرض عقوبات غربية لمعاقبة روسيا على ذلك منذ 2014.
وحتى الآن، يختلف الاعتراف الروسي باستقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك تماما عن سيناريو الغزو الكامل لأوكرانيا الذي حذرت منه واشنطن وحلف الناتو، والذي شمله مشروع قانون بالكونغرس يحظى بدعم الحزبين ويشمل عقوبات مشددة، ويعرف بقانون “الدفاع عن سيادة أوكرانيا” الذي يهدف إلى ردع روسيا عن غزو أوكرانيا.
البروفيسور “وليام وولفورث” الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه روسيا، أشار إلى أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تكون الخطوة التي اتخذتها روسيا بالاعتراف بالكيانات الانفصالية داخل أوكرانيا وإبرام المعاهدات معها هي نهاية القصة.
وأضاف البروفيسور “وولفورث” “كما يبدو من غير المحتمل أن يجتمع الرئيسان بوتين وبايدن في وقت قريب”.
في الـ19 من الشهر الماضي، تحدث الرئيس “بايدن” بصورة بدت مقبولة عن احتمال توغل “محدود” لروسيا في شرقي أوكرانيا، مما أثار كثيرا من الجدل. واضطر البيت الأبيض لتصحح تصريح الرئيس بالقول إن أي دخول للجنود الروس إلى أوكرانيا سيُعدّ غزوا.
اقرأ أيضا: أوضاع المهاجرين في اليونان ودور المنظمات الحقوقية
ورقة العقوبات
من هنا قد يكون النظر إلى ما جرى يوم الاثنين على أنه أقل بكثير من الغزو هو الخيار المناسب لواشنطن خاصة مع تردد بعض الحلفاء كألمانيا في التنديد القوي بالتهديد الروسي. ومن ناحية أخرى لن تمثل الخطوة الروسية سوى تصعيد محدود في الصراع الدائر في دونباس منذ عام 2014.
ولذلك، لا يزال من الأهمية أن يكون بيد واشنطن ورقة التهديد بفرض العقوبات الشاملة من أجل ردع روسيا عن الغزو الشامل لأوكرانيا.
وإذا فرضت واشنطن عقوبات كاملة الآن، فلن يكون لديها المزيد من الذخيرة الاقتصادية لاستخدامها إن تحركت روسيا باتجاه غزو كامل لأوكرانيا، إذ لن يكون هناك لها ما تخسره بتوسيع نطاق الحرب.
وكما أعلن الرئيس “بايدن” عدة مرات أن واشنطن “لن تقاتل دفاعا عن أوكرانيا”، فلا يبدو أن المجال الدبلوماسي قد تم إغلاقه بالفعل بعد.