المجر.. كيف تغيرت سياسة الحكومة تجاه اللاجئين الأوكرانيين “نظريا”

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

وضعت الأزمة الأوكرانية الكثير من الدول الأوروبية في اختبار كشف مدى التمييز الذي يتعرض له المهاجرون في الشرق الأوسط في مقابل حالة من الترحيب فوق العادي بالمهاجرين الأوكرانيين.

كانت المجر واحدة من أكثر الدول التي خرجت من حكومتها بقيادة “فيكتور أوربان” خطابا معاديا للمهاجرين، لكنها وفي خضم الأزمة الأوكرانية سمحت بدخول أكثر من 200 ألف نازح من الحرب في أوكرانيا خلال أسبوعين، وس ترحيب كبير من السكان.

فالغزو الروسي بدأ منذ أسبوعين، دافعا بأكثر من مليوني شخص إلى مغادرة بلادهم خلال أيام معدودة. ونتيجة لذلك، وبحسب آخر أرقام مفوضية اللاجئين، دخل إلى هنغاريا 214 ألف شخص عبر خمس نقاط عبور حدودية مشتركة بين البلدين.

الخطاب المعادي للمهاجرين يتغير

خلال الأعوام السابقة شدد “أوربان” في خطابه على أن المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط أو أفغانستان يعبرون دولا “آمنة” قبل وصولهم إلى المجر، “وليس على أوروبا استقبال هؤلاء الأشخاص، لكننا اليوم نتكلم عن أشخاص يهربون من الحرب إلى هنغاريا مباشرة”، وبالتالي لم يعد أوربان قادرا على استخدام الحجج نفسها.

دول الاتحاد الأوروبي توافقت بشكل غير مسبوق على منح وضع الحماية المؤقتة لجميع الفارين من الحرب في أوكرانيا، وذلك يعني أنهم يحصلون على إقامة لمدة سنة وقابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات، تتيح لهم الوصول إلى جميع الحقوق الأساسية مثل العمل والمسكن.

وكانت الحكومة المجرية قد شددت من إجراءاتها المعادية للمهاجرين لا سيما مع موجة لجوء العام 2015، حيث سنت قوانين تشرّع دفع الأشخاص إلى مناطق حدودية ومنعهم من طلب اللجوء داخل الأراضي المجرية، الأمر الذي دفع محكمة العدل الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد المجر وإجبارها أخيرا على غلق المعسكرات في المناطق الحدودية المشتركة مع صربيا.

رئيس الوزراء “فيكتور أوربان”، الذي يتحضر للانتخابات المزمع عقدها بعد أقل من شهر، لم يغلق الحدود أمام الفارين من الحرب الدامية، ولم يتحدث عن “غزو المهاجرين” لبلاده كما في العام 2015، بل رحّب في تصريحاته الأخيرة بالأوكرانيين واعتبرهم “لاجئين بحاجة إلى المساعدة والدعم الفوري”.

الحكومة وفقا للقانون ملزمة بإيجاد سكن للجميع، وحاليا يتولى الملف هيئة إدارة الكوارث في الدولة. وبالتالي “يمكن أن يضعوا الأشخاص في بيوت مخصصة لحالات الطوارئ أو مثلا في صالات رياضية. كل ما يتوافر لديهم. لكن لا يوجد مركز أو نظام محدد. علما أن الحكومة ملزمة بإيجاد حل، فهي لا تستطيع رمي الناس في الشارع”.

الحكومة المجرية لم تقدم الكثير للاجئين الأوكرانيين

تصريحات “أوربان” المتعاطفة مع الشعب الأوركراني، لم تقدم الحكومة الكثير من الناحية العملية لاستقبال هؤلاء الأشخاص وأغلبهم من النساء والأطفال، وتركت الأمر برمته للمنظمات غير الحكومية والبلديات والسكان المحليين.

في مدينة زاهوني الحدودية مثلا، فتحت مدرسة تقنية أبوابها لاستقبال النازحين وحوّلت دروسها إلى الإنترنت.

عمدة المدينة أبدى شعوره بالعمل وحيدا مع السكان والمتطوعين دون دعم من السلطات، ورغم قدرته على إدارة الاستقبال بشكل جيد حتى اللحظة إلا أنه يتخوف من القادم مع توقعات تضاعف الأعداد خلال الأيام القادمة.

هذا الوضع ينطبق أيضا على القرى الحدودية الصغيرة، ففي قرية بيرغسوراني التي يبلغ عدد سكانها 600 شخص، تحولت صالة المركز الثقافي في القرية إلى مركز إيواء يتسع لحوالي 100 شخص، وفي قرية لونيا الحدودية خصصت البلدية صالة في أحد أبنيتها وضعت فيها طاولات لتوزيع وجبات طعام يحضرها متطوعون وصالة أخرى تستوعب حوالي 20 سريرا.

“غروزا ماتيفتشيتش” المحامية في لجنة “هلسنكي المجرية” الحقوقية غير الحكومية التي تأسست في العام 1989، قالت إن الحكومة لم تقدم شيئا لاستقبال الأشخاص، وكانت الحكومة قد أغلقت على مدى السنوات الماضية بشكل تدريجي مراكز الاستقبال المخصصة لطالبي اللجوء، ولم يتبق حاليا سوى مركزين قرب الحدود السلوفاكية، لكن لا يتم استخدامهما لإيواء الهاربين من الحرب في أوكرانيا، رغم أنهما هما شبه فارغين”، وكان يقيم بهما أفغان كانوا يعملون مع السلطات الهنغارية في أفغانستان قبل سيطرة طالبان على الحكم، وصلوا إلى البلاد بعد إجلاءهم رسميا ومنحهم إقامات مؤقتة، فهم ليسوا لاجئين.

وأضافت “غروزا” أن الحكومة “الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار فتح مراكز الاستقبال ولو لا تحرّك المجتمع المدني لكان الوضع أسوأ بكثير، لكان انتهى الأمر بهم في الشوارع”.

وزير الدولة “ميكلوس سولتيس”، الذي يرأس المجلس الوطني للتنسيق الإنساني، قال إن الحكومة ستعد خلال الأيام القادمة مقترحا حول السبل التي يمكن أن تساعد بها منظمات الإغاثة والسلطات المحلية في المناطق الحدودية. وقال إن الحكومة خصصت 8 ملايين يورو لست جمعيات خيرية معنية برعاية اللاجئين.

الحكومة المجرية تستثني الفارين الأجانب

رغم موافقة الحكومة الهنغارية استقبال اللاجئين الفارين من أوكرانيا، إلا أنها استثنت منه الأجانب الذين كانوا مقيمين في أوكرانيا حتى لو كانت لديهم إقامات أوكرانية سارية المفعول.
وتوضح “غروزا” أن الحكومة أصدرت قرارا أول أمس الثلاثاء ينص على عدم منح الأجانب الفارين من أوكرانيا هذه الحماية، وإنما ستتعامل معهم حسب القوانين المعمول بها في البلاد.

انتقدت المحامية هذا القرار مشيرة إلى أن “حتى هؤلاء الذين لديهم مشاكل في بلدهم الأم وخائفين من العودة إليه، لا يتمكنون حقا طلب اللجوء نظرا لأن القوانين لا تسمح بطلب اللجوء في المجر. هذه مشكلة حقيقية”، موضحة أن القرار رجعي المفعول أي أنه سيطبق على جميع الأجانب الذين دخلوا المجر حتى لو كانوا بدأوا إجراءات طلب الحماية قبل يوم الثلاثاء.

في منتصف العام 2020 أصدرت المجر إجراء يلزم الأشخاص خارج الاتحاد الأوروبي بتقديم ”نية طلب اللجوء“ في السفارات المجرية خارج الاتحاد الأوروبي (مثل أوكرانيا ورومانيا)، بغية الدخول إليها وتقديم طلب اللجوء فيها، وبذلك لا يمكن للواصلين إلى هنغاريا على نحو غير شرعي تقديم طلب اللجوء أو الحماية.

خيارات محدودة للنازحين الأجانب

الخيار الوحيد المتاح لهم هو طلب الحصول على الاستفادة من تصريح دخول يضمن لهم عدم الإعادة القسرية إلى أوكرانيا، يتمكنون بموجبه من البقاء لمدة 30 يوما فقط (ريثما يجهزون للعودة إلى بلدهم) لكن ليست لديهم أي حقوق أخرى على عكس الحاصلين على وضعية اللجوء أو الحماية المؤقتة.

“ومن أجل تجديد إقامتهم سيواجهون الكثير من الصعوبات، أما من أجل السفر إلى دول أوروبية أخرى بموجب هذا التصريح فهذا يعتمد بشكل كامل على الدولة المعنية.

وتشير لجنة هلسنكي إلى أن الأجانب لديهم الحق في الدخول إلى المجر فقط في حال دخلوا من أوكرانيا إلى المجر بشكل مباشر، أي أن الأشخاص الذين هربوا من أوكرانيا إلى رومانيا مثلا لن تسمح لهم المجر بدخول أراضيها.

اقرأ أيضا: مع اقتراب معركة كييف.. كيف تتعامل أوروبا مع الأزمة الأوكرانية

على مدى السنوات السبع الماضية خصصت الحكومة الكثير من الأموال في حملتها الدعائية ضد المهاجرين، لكن “رغم هذا الخطاب السلبي أعتقد أنها لم تنجح بذلك، والدليل على أننا اليوم نريد مساعدة جميع الفارين من أوكرانيا”.

” ليديا غال” الباحثة في منظمة “هيومن رايتس وواش” قالت إن خطة الحكومة المجرية “غير واضحة”، مشيرة إلى أن “السلطات قد تعتمد على انتقال الأوكرانيين إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى”. إذ إن أغلب الأوكرانيين الفارين في الوقت الحالي لديهم أقارب وأصدقاء أو يعتمدون على مساعدات من الجالية الأوكرانية الموجودة أساسا في دول أوروبية أخرى مثل بولندا والبرتغال والنمسا.

أما بالنسبة إلى المخاوف الأمنية التي كان يعتمد عليها أوربان في خطابه شهدت أيضا تغييرات مرتبطة بالوضع السياسي، فبدلا من الحديث عن خطر الإرهابيين الإسلاميين بات الإعلام الغربي في الآونة الأخيرة أكثر تركيزا على التهديدات الصادرة من جانب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

Exit mobile version