ويليام هارفي.. مؤسس علم وظائف الأحياء ومكتشف الدورة الدموية الكبرى

ويليام هارفي.. مؤسس علم وظائف الأحياء ومكتشف الدورة الدموية الكبرى

أخبار القارة الأوروبية – بورتريه

“ويليام هارفي” (1578-1657) طبيب إنجليزي له الفضل في اكتشاف الدورة الدموية الكبرى؛ ابتكر أفكاراً جديدة ومختلفة عن كيفية استخدام الجسم للدم، وركزت أبحاثه على آليات تدفق الدم في جسم الإنسان، فيما كان يعتقد أطباء زمنه أن الرئة كانت مسؤولة عن نقل الدم في الجسم، فأكد أن الانقباض هو المرحلة النشطة لحركة القلب، فيضخ الدم من خلال تقلص عضلته، وأدرك أن كمية الدم التي تصدر من القلب أكبر من أن تمتصها الأنسجة، وكان قادراً على إظهار أن الصمامات الموجودة في الأوردة تسمح للدم بالتدفق فقط في اتجاه القلب، وأثبت أن الدم يدور حول الجسم ويعود إلى القلب.

نشأته

كان لـ”هارفي” 7 أشقاء وشقيقتان، وكان والده “توماس هارفي” مزارعاً يمتلك عدداً من الفدادين، التحق هارفي بكلية الملك في كانتربيري/كنت، من عام 1588 إلى عام 1593، واستمر في دراسة الفنون والطب في كلية جونفيل وكايوس، كامبردج، من عام 1593 إلى 1599. واصل دراسته في جامعة بادوا، كلية الطب الأوروبية التي كانت رائدة في مجال تخصصها في ذلك الوقت، وأصبح طالباً عند أستاذ علم التشريح الإيطالي “هيرمان فابريوس”، الذي كان له تأثير كبير في هارفي. ويقال إنه درس على يد الفيلسوف الإيطالي “سيزار كريمونيني”، أحد أتباع أرسطو البارزين.

حياته العلمية

حصل “هارفي” على درجة الدكتوراه من بادوا في 25 أبريل 1602، ثم عاد إلى إنجلترا للعمل كطبيب.

في عام 1604، تزوج من “إليزابيث براون”، ابنة “لونسلوت براون”، وهي طبيبة عملت لدى “جيمس الأول” ملك إنجلترا واسكتلندا.

كان “هارفي” زميلًا في الكلية الملكية للأطباء في لندن منذ عام 1607، وكان نشطاً في هذا المجتمع طوال ما تبقى من حياته.

في عام 1615 تم تعيينه محاضراً في الجراحة ضمن ما يعرف ب«محاضرات لومليان» وهي سلسلة من المحاضرات السنوية التي بدأتها الكلية الملكية للأطباء في لندن في عام 1582.

في عام 1609 تم تعيينه طبيباً في مستشفى سانت بارثولوميو، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1643، إلى حين أن استولت عليه السلطات البرلمانية في لندن، حيث كان هارفي مؤيداً قوياً للملكية.

طبيب الملك

تم تعيين “هارفي” طبيباً لــ”جيمس الأول” في عام 1618، واستمر في عمله كطبيب لــ”تشارلز الأول” بعد وصول الأخير إلى العرش في عام 1625.

بنى “هارفي” علاقات كثيرة وحسنة في هذه الفترة، وتعرف إلى كثير من الشخصيات المهمة مثل: المؤلف والفيلسوف السير “فرانسيس بيكون”.

في عام 1625، قاد “هارفي” مجموعة من الأطباء الذين حضروا أثناء مرض “جيمس”، وكان شاهداً مهماً في محاكمة “جورج فيليرز”، دوق باكنجهام، الذي اتهم بتسميم الملك.

تجارب على الغزلان

تمت مكافأة “هارفي” من قبل “تشارلز الأول” لرعايته لــ”جيمس”،  كان “تشارلز” و”هارفي” يتمتعان بعلاقة ودية، حيث كان يسمح لهارفي بإجراء التجارب المخبرية على قطيع الغزلان التابع للملك، وتقديم المشورة الطبية المثيرة للاهتمام إلى الملك.

كان هارفي ملازماً للملك ومشاركاً في جميع الحملات الإسكتلندية من 1639 و1640 و1641، ورافق الملك كذلك من 1642 إلى 1646 خلال الحروب الأهلية الإنجليزية، وقدم بعض آرائه السياسية في الملك في كتابه الأكثر شهرة: «اكتشاف الدورة الدموية».

نكسة

إحدى أهم النكسات التي مر بها “هارفي” تتعلق بمداهمة شرطة من البرلمان لمنزله في وايتهول عام 1642، حيث فقد قدراً كبيراً من أعماله البحثية المنجزة، خاصة عمله المكتوب عن جيل الحشرات الذي يتضمن قدراً كبيراً من الأبحاث المعمقة، كما فقد ملاحظاته على المرضى وفحوص ما بعد الوفاة، وتشريح الحيوانات، وفقد سجلات أخرى في حريق لندن الكبير عام 1666، حيث أتى الحريق على كامل المكتبة التي ساعد هارفي في تأسيسها.

اكتشافات

كان عمله الرئيسي «تمرين تشريحي حول حركة القلب والدم في الحيوانات»، ونشر في 1628، مع إصدار آخر بالإنجليزية في 1653، الذي أثبت فيه أن الدم يتدفق بشكل سريع حول جسم الإنسان، ويتم ضخه من خلال نظام فريد من الشرايين والأوردة، ودعم هذه الفرضية بالتجارب والحجج، وعدّل فيه كثيراً من الفرضيات المتعلقة بهذا الجانب سواء في المنظور الطبي التقليدي الأوروبي (الطبيب الإسباني سيرفيتوس في القرن السادس عشر)، أو عند الطبيب المسلم ابن النفيس (في القرن الثالث عشر)، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، الذي قال إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة، وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، فيمتزج بالهواء، ثم يذهب إلى البطين الأيسر.

وكان يُعتقد أن هناك نظامين منفصلين للدم في الجسم، تُفهم أنظمة الدم هذه على أنها دم مزيل للأكسجين ودم مؤكسد.

إقرأ أيضا: هنريك دام مكتشف فيتامين K ودوره في وظائف الجسم البشري

في ذلك الوقت، لم يكن مفهوماً تأثير الأكسجين على الدم، علاوة على ذلك، لم يكن متداولاً عند النخب الطبية أن الدم يدور حول الجسم، وكان يعتقد أن الجسم يستهلكه بنفس معدل إنتاجه، ولم تكن هناك معرفة معمقة بالشعيرات الدموية، والأوعية الصغيرة التي تربط الشرايين والأوردة، وهذه تم تأكيدها في وقت متأخر من القرن السابع عشر بعد هارفي، عندما تم اختراع المجهر.

ادعى “هارفي” أن أبحاثه قادت للنظر في الصمامات الوريدية، كان من المعروف أن هناك مساماً صغيرة داخل الأوردة تسمح بمرور الدم في اتجاه واحد، ولكن تمنع بشدة تدفق الدم في الاتجاه المعاكس.

 وكان يعتقد أن هذه المسام تمنع تجميع الدم تحت تأثير الجاذبية، لكن هارفي أثبت أن كل هذه اللوحات تتجه صوب القلب.

تدفق الدم

كان عمل “هارفي” الرئيسي ذا صلة بكمية الدم التي تتدفق عبر القلب. وقدّم تقديرات لحجم البطينين، ومدى كفاءتهما في قذف الدم، وعدد دقات القلب في الدقيقة.

 لقد كان قادراً على تقديم أدلة وتقديرات حول حركة الدم في القلب، حيث أشارت حساباته إلى كميات ضخ القلب للدم بنسبة تتراوح بين 0.5 و1 لتر من الدم في الدقيقة (القيم الحديثة حوالي 4 لترات في الدقيقة، و25 لتراً في الدقيقة أثناء التمرين).

من المهم أيضاً القول، إن فحوص “هارفي” في طبيعة ضربات القلب، شملت حجم القلب الداخلي/ فلاحظ حالة نبض القلب في العديد من الحيوانات، خاصة في الحيوانات ذات الدم البارد، والحيوانات القريبة من الموت، وخلص إلى أن المرحلة النشطة من ضربات القلب، تكون في حالة انقباض العضلات، حيث يقلص القلب حجمه الداخلي، ويقذف الدم بقوة كبيرة خارجه.

إنجازه

إن ما اكتشفه الطبيب الإنجليزي “ويليام هارفي” عن كيفية عمل القلب ودوران الدم في الأوعية يعتبر الإنجاز الأهم في الطب في كل زمان ومكان -كما يعد الكثيرون.

وفاته

في حياة هارفي اللاحقة عانى النقرس وحصى الكلى والأرق، وفي 1651 نشر أعماله الأخيرة «تمارين على جيل الحيوانات»، وفي 3 يونيو 1657 توفي عن عمر يناهز 79 عاماً، جراء إصابته بجلطة دماغية.

Exit mobile version