ألمانيا.. الفنانة الفلسطينية “ديمة عبد النور” تبحر في ألوان الذاكرة وحكايا الجدات

أحمد ياسين – برلين

حقق الكثير من عرب المهجر في أوروبا نجاحات باهرة، وتمكنوا من إثراء المجتمعات التي اندمجوا فيها، ولا سيما في ألمانيا التي فتحت ذراعيها للكثير من العقول العربية المبهرة، إذ استطاعت الفنانة “ديمة عبد النور” الفلسطينية في المشاركة قي عدد من الفعاليات والمعارض وورشات العمل في فن الرسم بمدن مختلفة.



وفن الرسم يقوم على التعبير عن الأفكار والمشاعر، من خلال خلق صورةٍ جماليةٍ ثنائية الأبعاد بلغة بصرية، ويعبر عن هذه اللغة بأشكال وطرق مختلفة، وهو ما كان الحافز الرئيسي الذي منح “ديمة” متنفسا تعبر فيه عن حالتها النفسية وأفراحها وأحزانها وتجاربها.

عصر النهضة والتحفيز..

تأثرت “ديمة” بفناني “عصر النهضة” بحالتهم الواقعية والانطباعية، وهو المصطلح الذي يتم الإشارة به إلى الفترة من القرن الـ14 وحتى منتصف القرن الـ17 في أوروبا، أي بعد انتهاء عصور الظلام الوسطى، وبداية المناداة بحرية الفكر وتجديده والخروج على الأطر الجامدة، وبدأت بوادر تلك النهضة الحضارية في إيطاليا ثم انتشرت إلى باقي أنحاء أوروبا، وكان من أبرز فنانيه “ليوناردو دا فينشي” ( 1452 – 1519)، و”مايكل أنجلو” (1475 – 1564)، و”رافاييل” ( 1483 – 1520)، و”ساندرو بوتيتشيلي” (1445 – 1510)، و”تيتيان” (1490 – 1576).

لكن الفنان السوري “محمود محايري” كان له الأثر الأكبر على “ديمة”، فهي تعتبره يحظى بأسلوب رائع، وقدرة على منح الثقة بسلاسة، وتحفيز الطموح، فضلا عن كونه ناقدا فنيا جيدا.

وتؤمن “ديمة” التي تقيم في ألمانيا أن الفن وسيلة تبحر من خلالها لعالم جميل بعيد عن صخب الواقع وما حدث فيه من مشاكل وتشوهات تزداد عمقا بمرور الوقت، فالفن بالنسبة لها بقعة من الاسترخاء والهدوء دون قيود، ودون الاضطرار للتعامل مع الأنظمة المعقدة.

عالم “ديمة” هو الألوان، تجيد استخدامها، وتروضها لتسبر أعماق النفس البشرية وأغوارها، في حالات مختلفة من الفرح، أو الغضب أو الحب أو الحزن.

وأصبح الفن للفنانة الفلسطينية علاج نفسي تفرغ من خلاله الطاقة السلبية وتحولها لإنتاج فني، فالفن بالنسبة لها هو من أرقى سمات الحضارة، وهو قيمة مضافة للمهاجرين في غربتهم، لكنه في الوقت نفسه يعكس صورة مشرقة لهم تمتد عبر تاريخ حافل في الحضارات التي أغنت الإنسانية بما قدمته في شتى مجالات الإبداع والعلوم.

ويبلغ عدد الفلسطينيين في ألمانيا 200 ألف نسمة بحسب إحصائية عام 2020، وينتشرون في العديد من المدن الألمانية أبرزها برلين وميونخ وهانوفر وبون وفرانكفورت، ورغم مواجهتهم صعوبات في الاندماج الامل في المجتمع الألماني بسبب اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، ففقد حققوا اندماجاً اقتصادياً سريعًا في المجتمع الألماني، كما حقق الطلاب درجات عالية، وانصهر أبناء الجالية الفلسطينية ممن ولدوا في ألمانيا في المجتمع الألماني، وكان للفن دوره البارز في تخفيف ما يعانيه الفلسطيني في غربته من متاعب فضلا عن اشتياقه لوطنه.

فلسطين والهوية..

واعتاد الفلسطينيون في ألمانيا تنظيم المعارض والمهرجانات الفنية بحضور ممثلين عن ألمانيا للتعبير عن هويتهم في مجتمعهم الألماني، ففي شهر مايو الماضي نظم اتحاد الصداقة الفلسطيني في مدينة فوبرتال الألمانية ومجلس شباب فوبرتال مهرجان الفن الفلسطيني السنوي بحضور ممثلي الأحزاب الألمانية ومؤسسات حكومية وأهلية ألمانية ورؤساء جاليات فلسطينية وحشد كبير تجاوز 1500 فلسطيني من الجالية الفلسطينية في ألماني.

ومن خلال معارضها تهدف “ديمة” لإيصال الإحساس وما وراءه للزائر، والأسباب التي توصلنا لهذا الإحساس ما يجعلها تفرح كثيرا عندما ترى من يقرأها من خلال ما تترجمه حالة الغزل بين اللون والريشة على مساحة الرسم البيضاء.



العلاقة بين “ديمة” ولوحاتها الفنية هي علاقة وطيدة، تكاد تكون صداقة مبنية على الثقة المتبادلة، وتعبر ديمة عن ذلك بالقول :”لوحاتي هي بيت أسراري، وقصصي، تحاكي حالاتي الشعورية منها واللاشعورية، ربما البعض يفشون أسرارهم للبحر، أو لشخص ما يحوز على الثقة، أما أنا فأثق جدا بلوحاتي لذلك بعضها غير قابل للبيع قطعا“.

اقرأ أيضا: الفن من أجل الحرية في فيينا يعلن عن دورات في الرسم والخط العربي

ولكل مبدع ما يحفزه على الإبداع وبالنسبة لـــ”ديمة: فإن الأشياء القديمة تحمل في طياتها ما يثير شغفها، وتوضح الفنانة الفلسطينية: “أحب الأشياء القديمة، اشعر أنها تحمل العديد من القصص وحكايا الجدات المفعمة بالكثير من المعرفة والتجارب، فلوحة (الباب القديم) مثلا توحي لي أنها مدخل كامل لحياة قد خلت بما تحويه من أحداث ووقائع من دخله ومن خرج منه، ما يخلق شغفا تراجيديا يضع الفنان أمام تحدي المقدرة على إيصال ما يختلجه من أفكار لأعين المتلقين.

الرجل العجوز..

وتعبر “ديمة” عن ذلك بالقول:” في لوحة الباب هنا يوجد مفتاحان، يمثلان مفتاحين لوطنين بسبب هجرتين متتاليتين عاصرتهم على مدى أيام حياتي، وأعتقد أن شعور عدم الاستقرار على أرضي التي أملك، والتي هي من حقي، هو أمر يحفز طموحي، لأكون ثابتة في أي مكان أنا فيه، عبر ما أستطيع تقديمه للإنسانية والحضارة“.

واختيار الفنانين للألوان له مدارسه وطرقه المختلفة وفي حالة “ديمة” فإنها تجد في معظم الأحيان لونا ينساب في حناياها، فالألوان تجعلها تشعر بفرح دائم عارم منقطع النظير، بحسب تعبيرها.

قدمت “ديمة” أعمالا ولوحات كثيرة، ورغم اختلاف مستوياتها فإن أقربها لقلبها هي لوحة “الرجل العجوز”، لأن هذه اللوحة بحسب تجربتها تمكنت من إخراجها من عزلتها في وقت كانت تمر فيه بوقت عصيب وحالة نفسية سيئة.

 

 

Exit mobile version